القطاع العام بين الإصلاح والخصخصة
أدلى عزت الكنج نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال بتصريح للزميلة «الثورة» بتاريخ 4/6/2007 قال فيه:
لا يختلف اثنان على أن واقع القطاع العام الصناعي والإنشائي يحتاج لمعالجة متأنية تخرج هذين القطاعين من عنق الزجاجة. لكن كيف ستكون هذه المعالجة وماذا نطلق عليها:محاولة إصلاح أم إصلاح أم خصخصة أم تشاركية تحت عنوان توسيع قاعدة الملكية فهذا أمر مختلف عليه لكن الجميع متفقون على ضرورة الإصلاح ومختلفون على الطريق. وبكل الأحوال يجب أن تكون صورة واقع هذين القطاعين في أذهان جميع الأطراف كما هي بشكل صحيح وصادق وتعبر عنها لغة الأرقام لأنها لغة صادقة لا تقبل الجدل. وعلى ضوء هذه الصورة الصادقة يمكن للمعالج أن يصف الدواء الناجع.
أما الأمر الآخر على ما يبدو الذي ما زال يشكل مجالاً للحوار والنقاش هو الإجابة على السؤال التالي:هل ما زلنا في سورية حتى الآن نحتاج لوجود قطاع عام قوي له دور يناط به في ظل اقتصاد السوق الاجتماعي أم لا؟ واعتقد بأن الآراء قد تختلف عند الإجابة بين مؤيد ومعارض لوجود هذا القطاع أم لا وهنا نود أن نقول: إن وجود قطاع عام قوي ومؤثر أمر ضروري للسيطرة على الموارد الاقتصادية الوطنية وتخصيصها بين القطاعات بشكل أمثل وامتلاك هذه السيطرة مطلب أساسي وضرورة موضوعية لدينا في سورية لأن الحالة الإقليمية التي تعيشها منطقتنا تقتضي ذلك التي تعتبر من أكثر المناطق سخونة في العالم.
وسورية التي تقود المشروع القومي المناهض للمشروع الأمريكي هي بحاجة لامتلاك كل عوامل القوة الاجتماعية والاقتصادية لدعم الموقف السياسي الذي تقفه سورية لمواجهة كافة الضغوط الخارجية التي تحاول النيل من صمود هذا القطر.
ونقول أيضاً بأن الحجج التي تدعو لبيع القطاع العام من بعض الآراء غير الرسمية هي ضعيفة وغير مقنعة ويمكن أن يترتب على عملية البيع آثار قد تلحق ضرراً بالغاً بعملية التنمية ناهيك عن الفساد المترافق مع إجراءات الخصخصة فالحل يكمن في إصلاح القطاع العام وتخليصه من سلبياته.
والواقع الذي نعيشه في سورية بكل جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية يشير إلى أهمية الحاجة إلى القطاعين العام والخاص مع التحفظ من الدعوة على بعض الآراء التي تطالب بتحويل العام إلى خاص. كما انه من الصعب جداً القياس على نجاح تجربة التخصيص في الدول المتقدمة ونقلها إلى الدول النامية كما هي دون الأخذ بعين الاعتبار ظروف وأوضاع كل بلد على انفراد. ونحن ندرك تماماً بأننا في سورية لم نلتزم بوصفات المنظمات الاقتصادية الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي)التي تدعو إلى الخصخصة ونحن متأكدون بان الدعوات التي أطلقتها هذه المؤسسات نحو الخصخصة لم تكن نابعة من رغبتها في تحقيق تنمية سليمة في بلدنا وإنما نابعة من مصلحة النظام الرأسمالي العالمي في زيادة اندماج اقتصاديات بلدان العالم الثالث في الاقتصاد الرأسمالي من جهة.وزيادة تبعيتها والتحكم في سياساتها ومصائرها من جهة ثانية.
وربما ينسى أو يتناسى دعاة تبني تخلي الدولة عن قطاعها العام وعن دورها الاقتصادي أن المنظمات التي دفعت العديد من البلدان إلى ذلك أنها نفسها تراجعت عن وصفاتها القديمة بعد أن شهدت النتائج الكارثية في أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية وبعض البلدان الإفريقية والعربية.
وتؤكد التقارير الصادرة عن البنك الدولي على هذا التراجع ودعوتها إلى أن تلعب الدولة دوراً اقتصادياً على اقله في مرحلة الانطلاق نحو الإصلاح الاقتصادي.
لهذا فإننا لسنا مع بيع القطاع العام أو خصخصته بل نحن مدعوون إلى أن نضع كلا القطاعين العام والخاص أمام المسؤولية التاريخية في إطار خطط الدولة التنموية.
والطريق مازال مفتوحاً لإصلاح هذا القطاع ومضاعفة مساهمته في التنمية الشاملة في كل مشتملاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وفي كل الأحوال نحن لا نريد قطاعاً عاماً خاسراً بل يجب أن تتضافر كل الجهود لخلق البيئة المناسبة الإدارية والمالية والفنية التي تجعله رابحاً وكفؤاً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
ثم هل يا ترى نتخلص من الفساد في القطاع العام إذا تم خصخصته؟ لننظر إلى حالات الفساد التي تمارس في بعض جهات القطاع الخاص من تهرب ضريبي وجمركي وغيرها وهي تعادل أضعافاً مضاعفة من حالات الفساد التي تمارس في بعض جهات القطاع العام. فالأحرى بنا جميعاً أن نبدأ الإصلاح في القطاع العام والخاص على السواء.
وختاما لابد من التنويه والتصحيح للبعض ممن يروج بأن خسائر هذا القطاع بلغت المليارات لعام 2006 بأن نقول لهؤلاء إن مجموع أرباح القطاع العام الصناعي لعام 2006 كانت بحدود 15 مليار ليرة سورية أي أن نسبة العائد الاستثماري لرأس المال المستثمر في القطاع الصناعي تعادل 6% وهي نسبة معقولة جدار وبذلك فإن هذا القطاع مازال يمتلك إمكانية الاستمرار والقدرة على المنافسة عندما تتوفر النوايا الصادقة لإصلاحه وتعيين إدارات غيورة تتحمل مسؤولياتها بوعي وصدق وإخلاص ووطنية.