حقُّ الإضراب... والتفاوض خطَّان باتجاه واحد
رئيس الاتحاد العام يقول: «إن كانت هناك مشكلة تواجه الحركة النقابية، فهي مشكلة عمال القطاع الخاص، هناك واقع مؤلم نحن بعيدون عنه كل البعد، نتحدث عنه في إطار الحرص على عمال القطاع الخاص»
حقيقةً هناك واقع مؤلم تعيشه الطبقة العاملة السورية بمجملها، وبشكل أكثر حدة عمال القطاع الخاص، لظروفهم المحيطة، التي تكونت وتراكمت منذ عقود، وأصبحت الآن مشكلة كبرى تواجه مستقبل الحركة النقابية، إن لم توجد الطريقة المناسبة التي تمكنها من الولوج واقتحام تلك القلاع المغلقة، التي يتجمع داخلها ملايين العمال الفاقدين لحقوقهم بأبسط أشكالها، وخاصة الانتساب إلى نقاباتهم، التي يفترض أن تكون صوتهم العالي في الدفاع عن تلك الحقوق.
جاء كلام رئيس الاتحاد العام أثناء تعقيبه على الحوار الذي دار داخل المجلس حول العمل في صفوف عمال القطاع الخاص، بليغاً في التعبير عن مستقبل الحركة النقابية، إن لم تقم الحركة الآن بجذب عمال القطاع الخاص، حيث ستضعف المنظمة النقابية عددياً، بسبب النزيف الحاصل بعضويتها من العمال في القطاع العام فقد بلغت الخسارة بين مؤتمرين ما يقارب 130 ألف عامل، حسب ما صرح به رئيس الاتحاد، وبالتالي فإن مستقبل الحركة ليس حيث هو الآن، بل في موقع آخر، لأسباب عدة يمكن تكثيفها بامتناع الحكومة عن الاستثمار في مشاريع إنتاجية تؤمن كثافة عمالية في المواقع الجديدة، وما يمكن أن يعكس ذلك من إيجابيات على مجمل الحركة النقابية، ولكن ما تقوم به الحكومة، تنفيذاً لبرنامجها الاقتصادي وتوجهاته، أفقد الحركة النقابية عنصراً مهماً تستدعيه في تطورها، وتمركزت العمالة الجديدة في القطاع الخاص، حيث نشأت تجمعات مهمة تتواجد فيها أعداد غفيرة من العمال، مثل المدن الصناعية الأربع، فقد بلغ عدد عمالها ما يقارب الـ(200.000 ألف عامل) بالإضافة إلى التجمعات الأخرى التي يضم كل منها أكثر من مئة عامل، مثل معامل النسيج والأدوية والصناعات الكهربائية، المنتشرة في ريف دمشق وحلب وحمص.
لا بد من المشاركة في الحوار الذي دار داخل المجلس، أثناء نقاش الورقة التي قدمت حول (استراتيجية عمل الحركة النقابية، بين عمال القطاع الخاص)، داعية كل القوى الوطنية، التي تتبنى في برامجها الدفاع عن مصالح الطبقة العامة أن تسهم في هذا الحوار المهم.
لكن الورقة المقدمة تناقض مجمل آلية عمل النقابات في المستقبل، حينما تشير إلى أن:
«اتحاد العمال في سورية، لا يدخل في إضرابات أو أي شكل احتجاجي». وهنا نتساءل: إلى أي حد هناك توافق بين الحكومة والحركة النقابية؟ هذا يحتاج إلى نقاش وإلا لما عبرت الحركة النقابية من خلال مؤتمراتها في هذه الدورة الجديدة، والدورة الـ 24 السابقة، عن استيائها وعدم موافقتها على برنامج الحكومة وفريقها الاقتصادي، خاصة فيما يتعلق بإصلاح القطاع العام الصناعي، والحقوق العمالية التي أوجزها الاتحاد العام بأكثر من 200 مطلب عمالي، فقط لعمال القطاع العام، بالإضافة إلى موقف الكوادر العمالية من تدني الأجور وغلاء الأسعار، الذي أوصل الطبقة العاملة إلى ما دون خط الفقر الذي أعلنت الحكومة عنه بإحصائياتها وبياناتها. كما وقفت الحركة النقابية بوجه مشاريع الخصخصة والتأجير ومشروع تعديل قانون العمل (91)، ومشروع إصلاح القطاع الصناعي كما ورد من الحكومة. لأن هذه الإجراءات تضعف الدعم الشعبي، وخاصة الطبقة العاملة لموقف الممانعة للمشروع الأمريكي.
هذا يعني أن الحركة النقابية تشكل خط الدفاع الأول في القضايا الوطنية وحقوق الطبقة العاملة، ويأتي حق الإضراب والاحتجاج في مقدمة الوسائل التي تستخدمها الطبقة العاملة، من أجل الدفاع عن حقوقها ومصالحها، ولا يعني رفض الحركة النقابية لاستخدام حق الإضراب، أن لا تستخدمه الطبقة العاملة عندما تشعر بحاجتها لذلك، ويمكن أن نرى في تجربة الطبقة العاملة السورية وتاريخها الكفاحي، من أجل حقها في تحديد ساعات العمل، وحقها في قانون عمل، وحقها في تأسيس نقاباتها المستقلة، نبراساً نهتدي به في دفاعنا عن حقوق العمال، والتجربة التي خاضتها الطبقة العاملة المصرية بإضراباتها الواسعة مؤخراً تجعلنا نقف عندها ونستخلص العبر التي تفيدنا في نضالنا الحالي والمستقبلي، خاصة وأن الأمور والتوجهات الاقتصادية الاجتماعية، وسيادة اقتصاد السوق، وتقلص دور الدولة الاجتماعي والاقتصادي في حماية الطبقات الشعبية الفقيرة من الفقر، عمالاً وفلاحين وحرفيين، كل ذلك يجعلنا أن لا نتخلى عن حقنا في استخدام حق الإضراب والاحتجاج، لأن كل قوانين العمل والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها سورية، تؤكد على هذا الحق باعتباره حقاً مشروعاً.
إن المؤتمر الذي سيُعقد من أجل حقوق عمال القطاع الخاص، لا بد أن ينطلق من حق هؤلاء العمال باستخدام الإضراب، كأحد الوسائل في الدفاع عن حقوقهم، وهذا لا يعني أن لا تستخدم التفاوض والحوار مع أرباب العمل، لأن التفاوض، مع وجود هذا الحق، يعطي ثماراً أفضل من التفاوض دونه.