بصراحة خياران لا ثالث لهما
انحسرت معركة رفع الدعم، بعد أن أشارت الحكومة إلى عدم التعاطي معها إعلامياً، وليس نتيجة مراجعةٍ قام بها الفريق الاقتصادي لسياسته الاقتصادية، ومبرراته التي استند إليها في طرح شعاره (إعادة توزيع الدعم لمستحقيه)، بل نتيجة الضغط الذي مارسته القوى والشخصيات، والاستياء الشعبي العارم، التي جميعها أحست بخطورة الإقدام على هكذا إجراء، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، خاصة ونحن نعيش ظروفاً استثنائية بسبب الحضور الأمريكي في المنطقة، ومحاولته المستميتة لفرض مشروعه العدواني على شعوب المنطقة، وأيضاً بسبب الوضع المعيشي الذي وصل مستواه إلى أسفل السافلين، كما يقول: بسبب السياسات الاقتصادية التحريرية التي اتُّبعت منذ سنوات، وكذلك تجميد الأجور تحت درجات حرارة منخفضة جداً، والتي أدّت نتيجة كل ذلك، إلى المزيد من الإفقار للطبقات الشعبية، والمزيد من الغنى لتماسيح المال وحلفائهم.
اللافت للنظر في هذه المعركة، عدم تميز صوت الحركة النقابية، التي كانت حينها منشغلة بالانتخابات النقابية، رغم موقفها الرسمي الرافض لرفع الدعم الأمر الذي لو تحقق كان سيؤثر سلباً، وبشكل مباشر، على مصالح الطبقة العاملة، وسيزيد بؤس العمال أكثر مما هو عليه، ليس هذا فقط بل سيؤثر على العملية الإنتاجية برمتها، في الوقت الذي تعاني فيه الصناعة من تكاليف عالية، ولأسباب عدة، لسنا بصدد ذكرها، مما يعني تحقق المزيد من الخسائر للقطاع العام، وهذا سيكون مبرراً إضافياً للهجوم عليه، وكذلك سيعكس نفسه على تكاليف الإنتاج في القطاع الخاص المنتج، حيث سيرفع أسعاره استناداً للتكاليف الجديدة، ويُفقده القدرة على التنافس مع المنتجات الأجنبية الواردة إلى الأسواق المحلية.
إذاً المعركة كانت حاسمة، وستتحكّم في جولة منها بمصير البلاد والعباد، وهنا أهمية موقف الحركة النقابية، بسبب وزنها الاجتماعي والسياسي، وما تمثله من مصالح الطبقة العاملة السورية، وضرورة الدفاع المستميت عن هذه المصالح بكل الوسائل، والأشكال المتاحة، وهذا لا يتناقض مع أهمية وضرورة دعم الموقف السوري، الممانع للمشاريع الإمبريالية الأمريكية، واحتمالات عدوانها على وطننا الغالي، الذي سندافع عنه جميعاً، بل سيشد أزر ذاك الموقف المطلوب دعمه وتطويره بكل الأشكال والطرق، والتي منها الدفاع عن مصالح العمال وحقهم بمستوى معيشي يحقق كرامتهم ويؤمن لقمتهم.
إن المهام الوطنية التي تواجه الحركة النقابية والطبقة العاملة كبيرة، وهذا قَدَرها وخيارها منذ تشكلها وإلى الآن، وسيزداد هذا الخيار الوطني تجذراً، كلما اشتدت الصعوبات والمواجهات مع المشاريع العدوانية، ومحاولات البعض داخلياً للانتقاص من حقوق العمال الاقتصادية والديمقراطية.
إن خيار المقاومة عند الطبقة العاملة السورية خيار أصيل، وهي ستدافع عن حقوقها ومصالحها الوطنية والاقتصادية بكل السبل والوسائل، وهذا شيء مؤكد، ولنا ولغيرنا عبرة فيما قامت به الطبقة العاملة المصرية، دفاعاً عن القطاع العام، ودفاعاً عن أجورها وحقوقها.
أهم ما يمكن استنتاجه، واستخلاصه من معركة رفع الدعم، والمعارك التي سبقتها فيما يتعلق بالخصخصة، وتأجير المعامل، ومجمل السياسات الاقتصادية الليبرالية المتوافقة مع تعليمات صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية، أنها أفرزت اتجاهين أساسيين:
- اتجاه يحاول ويسعى بكل ما أوتي من قوة ونفوذ، ويقود البلاد والعباد باتجاه تطبيق السياسات الليبرالية، وتطبيق قانون السوق المتوحش، وهذا متناقض مع مصالح شبعنا، ولا يخدم معركتنا الأساسية في مواجهة العدوان الأمريكي الصهيوني، بل يخدم الدور العربي الرجعي.
والاتجاه الآخر، بقواه وشخصياته الوطنية في كل المواقع وفي كل الاتجاهات، يسعى للدفاع عن مصالح الشعب السوري، ويعتبرها جزءاً من معركة المواجهة الأساسية، وبالتالي لا خيار ثالثاً بينهما.