إبراهيم نمر إبراهيم نمر

إتقان اللغات الأجنبية (الدارجة) ومهارات الحاسوب.. عقلية السوق.. وهموم خريجي أوروبا الشرقية

أعلنت وزارة التربية عن نيتها إجراء مسابقة بتاريخ السبت 3/4/2010 لـ«انتقاء مدرسين ومعلمي الصف ومرشدين (نفسي، تربوي، اجتماعي) وأمناء مكتبات ومعاوني رؤساء شعب من حملة الإجازات الجامعية والدكتوراه والماجستير ودبلوم تأهيل تربوي ودبلوم دراسات عليا، وأعطت الأولوية لأبناء محافظات (حلب، الرقة، دير الزور، والحسكة) ومنطقة السخنة وتدمر، وثانياً للمحافظات العشر الباقية، والتعيين حسب الحاجة بعد اجتياز امتحان تحريري وشفوي، مع حساب معدل التثقيل الجامعي وبمعدل نهائي للنجاح لا يقل عن 60%، وذلك من خلال القرار الوزاري رقم 1390 /943 تاريخ 11/1/2010 المنشور في مراكز المحافظات ومديريات التربية، ويتم تقديم الطلبات ابتداءً من يوم الخميس الموافق 4/2/2010 وحتى نهاية الدوام الرسمي من الخميس الموافق 25/2/2010 بما فيها أيام العطل الرسمية».

الغريب في أمر الإعلان أعلاه هو إجبار المتقدم لهذه المسابقة بالتعهد خطياً بتقديم وثيقتي اجتياز الاختبار الوطني للغات الأجنبية، واختبار مهارات استخدام الحاسوب خلال مدة أقصاها سنة من تاريخ تعيينه، وهي مدة التمرين، وفي حال عدم تقديمه هاتين الوثيقتين يسرح استناداً إلى نص المادة 17 من القانون الأساسي للعاملين في الدولة، وكما يتعهد المتقدم للمسابقة بالعمل بالجهة التي سيتم تعيينه فيها ولمدة لا تقل عن خمس سنوات دون التقدم بطلب للنقل إلى محافظة أخرى، ولا تدخل مدة خدمة العلم ضمناً.
مما تقدم يبدو أن قطاعنا العام استفاد جيداً من الشروط والطريقة التي تتبع في القطاع الخاص في اختيار الموظفين (انكليزي، كمبيوتر)، ولذلك صار لزاماً على طالب توظيف أو فرصة عمل لدى أي وزارة من الوزارات أن يلتحق بالمعاهد الخاصة لتعليم اللغات (الدارجة)، وكذلك المراكز المتخصصة لتعليم الكمبيوتر كي يحظى بفرصة عمل، وعليه أن يرمي جانباً أية لغة تعلمها خلال سنوات دراسته غير مرضي عنها في السوق، وهنا أقصد أولئك الذين تعلموا ببعض الجامعات الأوربية وخصوصاً في بلدان أوربا الشرقية وروسيا، فهؤلاء عليهم أن يقروا أنهم لا يعرفون لغات أجنبية!.
فهل الاختبار الوطني للغات الأجنبية سيقتصر على فحص اللغة الانكليزية والفرنسية فقط، أم ستكون الاختبارات أشمل وأعم بحيث يتم امتحان المتسابق بلغة الجامعة والبلاد التي نال منها شهادته الجامعية.
ولماذا يشمل الاختبار جميع المتقدمين؟ هل هناك من حاجة وضرورة أن يكون مدرس مادة الديانة مثلاً ملماً باللغات الأجنبية التي تقصدها وزارة التربية؟ وهل مدرس اللغة العربية مجبر على تعلم الفرنسية والانكليزية حتى يصبح مدرساً للغة بلاده.
يبدو أن القائمين على هذه المسابقة يدركون تماماً ما يقصدونه من وراء فحص اللغة أو ما يسمى الاختبار الوطني للغات الأجنبية، العملية ببساطة شديدة ستفرز عدد من أولئك الذين سنحت لهم فرص تعلم اللغات، وسيتم بالتأكيد استبعاد أغلب خريجي جامعات روسيا وأوكرانيا ورومانيا وبلغاريا وغيرها لأن هؤلاء باتوا بحكم المنبوذين ويتم التشكيك بمقدراتهم العلمية عبر جميع الطرق، والتشكيك يشمل حتى أولئك الذين حصلوا على شهاداتهم الجامعية بمنح وبعثات رسمية حكومية..
 الخلاصة أن هناك استياءً كبيراً في أوساط الدارسين للغات أخرى، ويستغربون أسلوب وضع الأسئلة التي يتم تقديمها للطلاب وفق الطريقة الأمريكية، سواءً بهذه المسابقة أو غيرها. ويقول أحد هؤلاء الخريجين: «أحلامنا ضاعت، والاختبار الوطني للغات هو بمثابة إبعاد لخريجي أوربا الشرقية عن دائرة فرص العمل الحكومية رغم ندرتها وقلتها، وما نريده هو أن يتم امتحاننا باللغة التي تعلمنا بها خلال سنوات دراستنا، ثم إن من يطلع على نماذج اختبار هذه اللغات يدرك كم أنها ملغومة، وطريقة وضع الأسئلة باتت معروفة وهي الطريقة الأمريكية (لغة الشارع ) دون النظر إلى اختصاص المتقدم للفحص، فالاختبار سيطال جميع الاختصاصات المطلوبة، ولذلك بات مصير ألاف الخريجين على المحك».
إن تضييق الخناق على جيش الدارسين والخريجين من بلدان أوربا الشرقية وغيرها، سيؤدي إلى تجميد كتلة علمية بشرية بأكملها، لأن أعداد الخريجين من تلك الجامعات كبيرجداً، لذلك فالحل الأفضل هو أن يصبح الاختبار الوطني للغات مقتصراً على لغة الطالب الجامعية التي تعلم بها خلال سنوات تحصيله العلمي سواء كانت شرقية أو غربية.. أو عالمثالثية.