توجهات الحكومة ضد الصناعة الوطنية والطبقة العاملة!!
في الدول الرأسمالية كافة تعتبر سياسة الدعم من السياسات الاقتصادية التي تساهم في ترسيخ قيم العدالة وتساهم في تحسين المؤشرات الاقتصادية، ولاسيما النمو في القطاعات المنتجة المادية الزراعية والصناعية والاستهلاك والاستثمار، وتتناسب سياسة تقديم الدعم مع طبيعة الأنظمة الرأسمالية.
للدعم أهداف اجتماعية تتمثل في تحقيق أهداف المجتمع في مكافحة الفقر والبطالة وتعويض الطبقة العاملة.. أيضاً هناك أهداف سياسية تنسجم وتتقاطع مع الأهداف الاجتماعية.
أسعار طاقة أقل تعني إنتاجاً وطنياً ذا قدرة تنافسية أعلى، وتعني أيضاً مكوناً مهماً من مكونات البيئة الاستثمارية، وخاصة في قطاعات الإنتاج المادي.
تحايل على الشعب
وكان التحايل.. إعادة توزيع الدعم على مستحقيه، هذا هو المدخل الذي طرقته الحكومة لتبرير رفع أسعار المشتقات النفطية، وهذا ما جرى، ارتفاع الأسعار كافة ووقوف الاقتصاد على حافة التضخم.
دعم المستهلكين من خلال ما اتخذ من إجراء قسائم زيادة الـ 25%، ولكن ماذا عن دعم المنتجين إن كان في القطاع العام أو الخاص أو التعاوني أو المشترك، وخصوصاً بعد إلغاء كل أشكال التقييد والحصر والحماية توفيقاً مع الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها سورية مع بعض الدول كاتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى أو اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوربي حيث تتهالك سورية لتوقيعها.
القطاع العام أولاً
الاتفاق الاستثماري يواصل تراجعه، وتشهد بذلك بيانات الموازنة العامة للدولة منذ عام 1995، والذي يطالع موازنة الدولة لهذا العام يكتشف تغيراً مهماً في التركيب الهيكلي للإنفاق العام يتضمن تراجعاً عن الدور التنموي للدولة مع تزايد صعوبات ومشكلات القطاع العام أو افتعال العقبات في وجه تطوره، شركات عديدة متوقفة عن العمل والإنتاج منذ سنوات عديدة، وتم الآن عرض الأراضي في القائمة عليها للبيع والاستثمار ومنها:
أرض شركة أسمت دمر، معمل الوليد في حمص، معمل الشاشات، الأهلية للغزل، المصابغ.. وشركات أخرى عديدة، وهناك شركات تنتظر دورها، ومنها شركة الإطارات حيث تم إفشال جميع الطروحات التي قدمت لتطويرها وتحديثها، ومنها تقديم قرض من الصين لتحديث الخطوط الإنتاجية وبنسبة من الإنتاج، وفشل العرض، والشركة الآن تعمل بالحدود الدنيا وتم إيصالها إلى الخسارة في العامين الماضيين بعد أن كانت رابحة. كذلك شركة بورسلان حماة وما تعانيه الآن من خلل عام بعد أن توقف إنتاج البورسلان منذ سنوات بعد انفتاح الأسواق واستيراد هذه المادة من كل دول العالم، وهناك عشرات الشركات الأخرى إما خاسرة أو حدية وفي طريقها إلى الخسارة. ويرافق ذلك فشل كل المشاريع التي طرحت لإصلاح القطاع العام.
أسعار الطاقة
فوق كل هذا الواقع رفعت أسعار المشتقات النفطية، ولكن ما هي نتائج ذلك على شركات ومعامل القطاع العام؟
المهندس إبراهيم عباس مدير عام شركة أسمنت طرطوس يقول في هذا الصدد:
لا شك أن التكلفة سوف ترتفع من خلال ارتفاع أجور النقل والمستلزمات والمواد.
المهندس بدر أسعد مشعل مدير شركة البورسلان والأدوات الصحية يقول:
زيادة أسعار المازوت مع الرواتب تبلغ 81 مليون ل.س وهذا مبلغ كبير القطاع الخاص رفع أسعار منتجاته وسوف ندرس أثر الزيادة في أسعار النفط وتأثيراتها على الإنتاج.
وفي شركات الغزل والنسيج والحديد وجميع الشركات ومؤسسات القطاع العام سوف ترتفع التكلفة وسط خسارات أو شركات حدية تربح مليون ل.س أو ثلاثة ملايين، ووسط كساد في التسويق وعدم القدرة على المنافسة مع القطاع الخاص أو مع المستورد. هذا يعني إيصال كل الشركات والمؤسسات في القطاع العام إلى الخسارة والانهيار.
مثال: الشركة العامة للإطارات عام 2007 نسبة تنفيذ الخطة الإنتاجية 37 %، نسبة تنفيذ خطة التسويق 54 %، المخزون 50 مليون ل.س، الخسائر بلغت 220 مليون ل.س.
الصعوبات تحدث عنها محمد سوتل رئيس النقابة قال: قدم الآلات وخطوط الإنتاج، قدم التكنولوجيا المستخدمة، ارتفاع معدل أعمار العاملين متوسط الأعمار 53 عاماً تعرض العديد من العاملين لأمراض مهنية مختلفة «ربو، ديسك، أكزيما، أمراض سرطانية» تراكم ديون الشركة على الشركات الإنشائية والبالغة حوالي 300 مليون ل.س.
أحذية مصياف
قلة المواد الأولية بشكل عام وعدم استطاعة المعمل تنفيذ الطلبيات، انعدام السيولة المالية، وتقدر خسائر المعمل بحوالي 30 مليون ل.س وعدم إمكانية المعمل دفع الديون المترتبة عليه وخاصة إلى شركات الدباغة ونقابة العمال ونقابة الصيادلة والأطباء وأطباء الأسنان والتأمينات الاجتماعية وضريبة الدخل لسنوات عديدة وجاء رفع أسعار المحروقات لتتضاعف الخسائر وليتوقف الإنتاج نهائياً.
القطاع الخاص
الشركات والمعامل والورش المنتجة في القطاع الخاص الوطني تعاني كما يعاني القطاع العام من تعقيدات وروتين، ومن منافسة مع كل ما هو مستورد حيث تم إغراق الأسواق بكل منتجات العالم وبأسعار قليلة قياساً إلى السلع السورية، ويقول أصحاب المنشآت الصناعية في هذا الصدد: أي صناعي عربي أو أجنبي تقدم له الإعفاءات والتسهيلات، في أسعار الغزول مثلاً السوري يزيد ما يدفعه ثمن كيلو الغزول 15 % عما يدفعه المصري في حين يباع للمواطن في مصر أقل بـ
50 % من الصناعي العربي. كذلك بقية المواد الأولية، وهذا يضعنا أمام تكلفة مرتفعة، وعدم المزاحمة في السوق، وإلى كساد في إنتاجنا وبالتالي فإن مئات الورش والمعامل أغلقت وسرحت عمالها.
وتساءل أحد الصناعيين:
هل المطلوب أن نتحول إلى تجار، إن البضائع والسلع تتدفق من منظمة التجارة الحرة العربية وتقدم لها التسهيلات.
هنا نقول إن القطاع الخاص يعول عليه أن يلعب دوراً اقتصادياً اجتماعياً وبادرت الحكومة إلى إصدار قوانين وتشريعات أدت إلى إعادة تشكيل البيئة الاستثمارية في سورية، لكهنا كانت جميعها لمصلحة الحيتان الكبار ولمصلحة التجار والسماسرة وليست لمصلحة القطاع الخاص الوطني المنتج والطبقة العاملة.