بصراحة: زيادة الأجور أم الإصلاح الإداري أولاً؟!
مع اقتراب الخطة الخمسية العاشرة من نهايتها، يتصاعد الجدل حول قضية هامة لها أبعادها الاجتماعية والسياسية، وهي: هل ستزيد الحكومة الرواتب والأجور للعمال؟!
لقد تعهدت الحكومة بخطتها الخمسية العاشرة على زيادة أجور العمال 100%، لكنها لم تفِ إلى الآن بوعودها، وبقي للعمال في ذمتها ما يقارب الـ35% وفقاً للحسابات الأولية، وما أثار الجدل حول هذه القضية التصريحات التي أدلى بها عدد من الوزراء «أن لا موارد لدى الحكومة لزيادة الأجور»، والجدل الدائر حول الأجور وأهمية زيادتها ليس ترفاً، بل يعكس الفرز الجاري في المجتمع بين مؤيد لنهج الحكومة الليبرالي وبين معارض له، ويقف بينهما العديد من المواقف الوسط.
فكلما أمعنت الحكومة في تطبيق نهجها الليبرالي تعمق الفرز أكثر لتتضح الرؤية، وتبين للطبقة العاملة وفقراء الشعب السوري الخيط الأبيض من الخيط الأسود، المتمثل بالضرر البالغ الذي أحدثه نهج الحكومة الذي سارت عليه ومازالت تعمقه أكثر، والمتوافق مع مصالح الأقلية التي همها الوحيد جني الأرباح الطائلة ومركزة الرساميل الكبيرة بين أيديها، حتى أصبحت هذه الأقلية هي من تقرر اتجاهات تطور الاقتصاد السوري، مدعومة بكل ما يلزم قانونياً لحماية مصالحها، ولا ننسى دور (الإعلام) المدعوم بكل الإمكانيات، حيث يلعب دوراً مهماً في الدفاع عن ذاك النهج ومصالح تلك الأقلية.
وفي هذا السياق يأتي المقال المنشور في (الاقتصادية العدد 406)، الذي يدعو فيه صاحب المقال الحكومة ألا تزيد الأجور والرواتب للعاملين في الدولة، انطلاقاً من حرص صاحب المقال على (مصالح) العاملين الذين سيتضررون من هذه الزيادة إن حصلت، بسبب أن الليرة السورية ستنخفض قيمتها الشرائية وسترتفع الأسعار وستزيد نسب التضخم، وبالتالي سيفقد من زيدت أجورهم الغاية المرجوة من هذه الزيادة وهي تحسين مستوى معيشتهم!
ولكي لا تحدث تلك الأضرار ينصح (كاتب المقال) الحكومة بتأجيل زيادة الأجور إلى أن تستكمل الحكومة الإصلاح الإداري المنشود، الذي يتمثل جزء منه بالتخلص من آلاف العمال (الفائضين غير المنتجين)، الذين تسللوا إلى القطاع العام (بغفلة)عن الحكومة، وجاء الوقت الآن للتخلص منهم وتخليصها من أعباء أجورهم، وتعويضاتهم التي تتحملها، وهي غير قادرة على تحمل هذه الأعباء مقابل لا شيء يقدمه العمال سوى الهم والنكد للحكومة؟! ولم ينس (صاحبنا) أن يحث الحكومة في سياق عملية الإصلاح الإداري على التخلص من القطاع العام وتسليم إدارته واستثماره للقطاع الخاص من خلال (التشاركية) معه، لأنه (القطاع الخاص) الأجدر والأقدر على قيادة دفة الاقتصاد الوطني، وعلى يديه سيتم الخلاص من أزماتنا المستعصية وعقدنا (الأيديولوجية).
أليس هذا موقفاً سياسياً وطبقياً بامتياز؟ عبر من خلاله كاتب المقال بكل وضوح وصراحة عن ذاك الجدل (الصراع) الدائر الآن في المجتمع، وفي الأوساط السياسية والاقتصادية حول النهج الاقتصادي للحكومة؟ وتحديداً حول موقفها من قضية الأجور وزيادتها، والتي هي قضية وطنية لها أبعادها الاجتماعية والسياسية، حيث يتوقف على حلها حلاً حقيقياً، إعادة جزء مما يُنهَب عبر الأرباح إلى المنهوبين عبر الأجور. وإعادة هذا الجزء من الحقوق التي تم الاستيلاء عليها في ظل قوانين السوق الرأسمالية الجائرة، تحتاج إلى مواجهة الفساد الكبير الذي يقتطع ما يقارب الـ25% من الميزانية السنوية وندخل ضمن هذه الأرباح التي تحققها تلك الأقلية على حساب الأغلبية المنهوبة.
والسؤال الهام الذي يحتاج إلى إجابة: كيف سيكون واقع حال الطبقة العاملة السورية، إذا ما تخلت الحكومة تحت أية صيغة عن القطاع العام، ببنيته التحتية والعلوية؟ وكم ستكون عندها النسبة بين الأرباح والأجور؟
إن الإصلاح الإداري الذي يدعو إليه (كاتب المقال) ومن خلفه قوى السوق يعني المزيد من الكوارث الاجتماعية والاقتصادية، ما لم يترافق بمواجهة الفساد والنهب الكبير، وهذا يحتاج إلى تعديل في ميزان القوى المختل الآن لمصلحة قوى السوق التي تملك مفاتيح القرار الاقتصادي، وهذا التعديل المنشود في ميزان القوى يحتاج إلى استنهاض كل القوى المتضررة من النهج الاقتصادي الليبرالي الذي تسير عليه الحكومة وفي مقدمة هذه القوى الطبقة العاملة السورية المتضررة والخاسرة الأكبر من ذلك النهج، وهذا يعني أن تنفض الحركة النقابية الغبار عن كاهلها وتتخلص من أوهام (التشاركية) مع الحكومة، حيث استمرارها في هذا الوهم يعني خسارتها للطبقة العاملة السورية، وخسارة الوطن لإمكانياته الجبارة التي من المفترض أن تُسخَّر باتجاه تحقيق النمو المطلوب الذي سيحل الأزمات الاجتماعية المتراكمة مثل البطالة، السكن، التعليم والصحة.
إن حل قضية الأجور وتحسين المستوى المعيشي لأغلبية الشعب السوري يعني تحقيق الانتصار على عدونا الوطني والطبقي في أية مواجهة قادمة، فهل تفعل القوى الوطنية والحركة النقابية ما يجب عليها من أجل الدفاع عن أجور الطبقة العاملة وحقوقها؟!