بصراحة: الأجور تحتاج لأكثر من زيادة
بدأت الاتحادات المهنية في الاتحاد العام لنقابات العمال عقد مؤتمراتها السنوية، وهي بهذا تناقش أوضاع الصناعات والمهن التي تتبع لكل اتحاد، إضافة لما يطرحه النقابيون في مداخلاتهم من المطالب العمالية المختلفة القديمة منها والجديدة، وبالغالب تكون مطالب العمال في القطاع العام، الذي يعاني عماله الكثير على أرض الواقع.
وقد وردت في مداخلات النقابيين في مؤتمرات الاتحادات المهنية التي عقدت حتى الآن كل المطالب العمالية العديدة التي لم تحل، ويجري تدويرها عاماً بعد عام مثل الكساء العمالي، الوجبة الغذائية، الحوافز الإنتاجية، التعويضات الأخرى المختلفة التي يجري تقليصها بحجة ضعف الموارد، ولكن اللافت للنظر في معظم ما طرح من مداخلات أنها أشارت بشكل واضح إلى الوضع المعيشي وغلاء الأسعار الذي فاقم الأوضاع، وجعل العمال في عوز دائم نتيجة ضعف الأجور التي تبقى ثابتة بينما الأسعار متحركة بشكل دائم ويومي، بحيث أصبح الفارق كبيراً بين متوسط الأجور وبين ارتفاع الأسعار، فقد أشار المكتب المركزي للإحصاء في مسحه الجديد، أن متوسط الأجور الشهرية للعاملين في سورية خلال النصف الأول من عام 2009 نحو /11.133/ ل.س، وحدد المسح آنف الذكر أن متوسط أجر العاملين في القطاع الخاص يبلغ نحو /9.680/ ل.س، بينما في القطاع الحكومي نحو /12.830/، وهذا المسح الحكومي الجديد يدلل بشكل واضح وجلي على ضعف الأجور وعدم تناسبها مع الأسعار اليومية، وهذا على خلاف ما يصرح به الكثير من المسؤولين الذين يزعمون تحسناً في الوضع الاقتصادي، وتحسناً في مستوى معيشة المواطنين نتيجة ذاك التحسن المفتعل الذي أشارت إليه نسب النمو المعلن التي لم يلاحظ المواطن آثارها المزعومة على مستوى معيشته.
إن الخلل في معادلة الأجور والأسعار يتطلب إيجاد حلول سريعة وإسعافية تقلص الفارق بين متوسط الأجور ومتوسط الأسعار، وهذا يضع الحركة النقابية أمام مسؤولياتها في إيجاد الآلية والوسيلة التي تمكن من زيادة أجور العمال وفقاًَ لنسب زيادة الأسعار، وهذا يحتاج إلى مركز دراسات ترعاه النقابات ويزود الحركة النقابية بدراسات الاقتصادية (ومن ضمنها الأجور) تستند إليها النقابات في صياغة برنامجها المفترض لتحسين الوضع المعيشي للطبقة العاملة.
إن الزيادات المتباعدة للأجور كانت تتبعها زيادة كبيرة في الأسعار تفقد الأجور أهميتها وفاعليتها المرجوة في تحسين الوضع المعيشي للعمال، بل أن تلك الزيادات التي حصلت زادت الطين بلة لدرجة أن العمال باتوا يتمنون أن لا تزيد أجورهم لأن تلك الزيادة ستجلب لهم المزيد من الويلات، وستعمق معاناتهم أكثر، لأنها في النهاية ستسحب من جيوب الفقراء وخاصة العمال عبر زيادة الضرائب المختلفة ورفع أسعار المواد الأساسية، وبهذا تكون مفاعيل أية زيادة تطرأ على الأجور لا تتعدى أياماً القليلة وبعدها تتبخر (ويا فرحه ما تمت).
إن قضية الأجور وزيادتها قضية وطنية فهي تسهم في المحافظة على الاستقرار الاجتماعي ولا يمكن النظر إليها من زاوية اقتصادية بحتة، أي من زاوية توفر الموارد التي ستزاد من خلالها الأجور، حيث يبشرنا العديد من المسؤولين عن زيادة قريبة للأجور في حال توفرت الموارد الضرورية لذلك، ولكن متى ومن أية مصادر سيجري توفيرها حتى تكون زيادة مجزية وحقيقية ونسبة التبخر بها قليلة؟ (إن الله هو العليم بذلك)، مع أن الأمور واضحة لكل ذي بصر وبصيرة في حال أرادت الحكومة زيادة الأجور وتوفير الموارد اللازمة لذلك من غير أن يتحمل الفقراء في وطننا تبعات الزيادة المرتقبة منها من خلال المزيد من تدني مستوى المعيشة.
إن مئات الملايين من الليرات السورية المنهوبة بسبب الفساد، والتي أوصلت القطاع العام إلى أزمة حقيقية جعلت القيمين على أموره يطرحون تصفيته لأن نسبة الشفاء ضعيفة في اعتقادهم، والتخلص منه أهون من ضخ الأوكسجين في شرايينه لإعادة الحياة إليه دون نهب وفساد.
والمصدر الآخر الواضح هو التهرب الضريبي الذي تقوم به القطط السمان التي اغتنت سريعاً ودخلت كتاب «غنيس» للأرقام القياسية، لا بسبب إبداعاتها العلمية في الاقتصاد، ولكن بسبب ما حققته من سرعة في الغنى تفوق سرعة الصوت، وبالتالي استحقت هذا «التكريم» على اقترفت أيديها.
إن اختلال المعادلة (أرباح، أجور) لمصلحة الأرباح بالنسبة الحالية يعكس حجم النهب الذي يتعرض له العمال، والذي يزداد يوماً بعد يوم، ويجعل النضال من أجل تصحيح تلك المعادلة أمراً لا يحتمل التأجيل، وهذه المهمة تقع على عاتق كل القوى الشريفة في هذا الوطن، والنضال من أجلها ليس أقل أهمية من مواجهة العدو الخارجي، لأن قوى النهب في الداخل وقوى العدوان في الخارج وجهان لعملة واحدة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.