بين الرقم النقابي والحكومي بون شاسع تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ووصوله إلى نسب سالبة

تؤكد التقارير العمالية الصادرة عن المكاتب النقابية وتنظيمها النقابي أن هناك بوناً شاسعاً بينها وبين ما تصدره الحكومة من أرقام رسمية سواء عبر المكتب الإحصائي، أو على لسان ممثلي الحكومة في مختلف الفعاليات والمؤتمرات أو عبر التصاريح الصحفية اليومية التي لا تغني أو تسمن من جوع.

 

ففي التقرير الاقتصادي الأخير لمجلس الاتحاد العام الذي قدم  نسخاً منه للحكومة، ومن خلال مناقشة التقرير  للمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية (التضخم وارتفاع الأسعار) أكد التقرير أن تطور الرقم القياسي للأسعار من (100%) عام (2005) إلى (136%) عام (2009)، ووصل عام (2010) إلى حوالي (6%) مقارنة بـ (3,7%) عام (2009). وكانت الأغذية والمشروبات غير الكحولية المساهم الأكبر في معدل التضخم، ودفعت ثمن ذلك مكونات من الفئات الوسطى والفقيرة والضعيفة.

كما أشار أنه ومن الأسباب الأخرى للتضخم الرفع النسبي للدعم، ورفع سعر الطاقة والمشتقات النفطية وعدد كبير من المستلزمات والسلع الأخرى، وهذا لم يقضم القدرة الشرائية للنقود وحسب، بل أدى إلى إعادة توزيع الدخل لمصلحة الأغنياء والأقوياء.

وأوضح التقرير أن من بعض الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الحالية تراجع نسب ومعدلات النمو الاقتصادية، وذلك نتيجة الانخفاض في وتيرة النشاط الاقتصادي، وخاصة في قطاع السياحة، الذي يُعد من المصادر الهامة للدخل القومي والقطع الأجنبي ورافداً مهماً لميزان المدفوعات، لذا فإن تراجع الإيرادات السياحية أثر بشكل مباشر على بقية المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، حيث تضررت مئات الآلاف من المؤسسات والعائلات والأشخاص والمهن ممن لهم علاقة بشكل مباشر أو غير مباشر بالأنشطة السياحية والسلعية والخدمية المرتبطة بها، فلم يتعد متوسط الإشغال في الفنادق منذ بداية الأزمة (على سبيل المثال) نسبة (10%)، عدا عن التراجع الحاد في أنشطة النقل والإطعام وغيرها، وكذلك في وتيرة إنشاء المشروعات المرتبطة بها، وبالتالي فإن التوقعات تشير تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ووصوله إلى نسب سالبة لعامي (2011) و (2012).

 

عجز مزمن للميزان التجاري

وفي تناوله لوضع التجـــارة الخارجية والميزان التجاري كشف التقرير أن ميزان التجارة السوري يعاني من عجز مزمن منذ عدة سنوات، وهو تحول من فائض قدره (43 مليار) ل س عام (2004) إلى عجز وصل إلى (226 مليار) عام (2009)، بسبب النمو السريع في وتيرة الواردات (17,8%) بالمقارنة مع وتيرة نمو الصادرات (11,4%)، وما كان ذلك ليحدث دون التحرير المتعجل وغير المنضبط للتجارتين الداخلية والخارجية، والذي كان له وجهان: وجه إيجابي تمثل في تحدي رفع وتيرة المنافسة داخل السوق السورية، ووضع المنتج السوري أمام تحدي تنافسية المنتجات المستوردة.

   أما الوجه السلبي (وهو الأقوى)، فقد تمثل من جهة أولى بزيادة الاستيراد الترفي وأسهم من جهة ثانية بإلحاق الضرر بالأنشطة الإنتاجية الوطنية في ظل عدم تكافؤ فرص وضعها أمام تنافسية غير متوازنة وغير عادلة.   

    فمنذ التحرير الواسع للتجارة الخارجية، وعلى الأخص منذ آب (2007) وحتى أيار (2008)، تم السماح باستيراد ما يزيد على (20 ألف) نوع من السلع كانت خاضعة لقيود استيراد، سبق ذلك ورافقه تغيير كبير وتعديل واسع النطاق في بنية وتوجهات السياسات الجمركية بحيث تساعد على تطبيق ذلك.

 

قطاع عام قوي ومتماسك

وفي طرحه لقضية أهمية القطاع العام الصناعي فقد أثبت التقرير أن سورية وخاصة في الأوضاع الحالية بحاجة إلى قطاع عام قوي ومتماسك وقادر على مواجهة أعباء السوق بكل مكوناته وتعد مشاكل القطاع العام الصناعي  تراكماً مزمناً على مر عدة عقود، وعلى الرغم من ذلك لم تعتمد الحكومة حتى الآن دراسة شاملة معمقة أو تقييماً موضوعياً شفافاً عن واقع القطاع العام الصناعي الذي عانى من إهمال مقصود خلال العقد الأخير نتيجة عدم قناعة الحكومات السابقة بضرورة إصلاحه، لذلك لم تُفلح محاولات الإصلاح أمام الأبواب المغلقة للجهات الوصائية وأمام رفضها لسياسات التجديد والاستبدال، فأدخلت معظم شركات القطاع العام قسراً (ولأسباب موضوعية أخرى) في نفق التعثر والخسارة، عدا عن توقف بعضها عن العمل والبالغ عددها 14 شركة مضافاً إليها الشركة العامة للإطارات، وبعضها الآخر مهدد بالإغلاق مثل الشركة العامة للزجاج. وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى أن عدم النجاح في إصلاح مؤسسات القطاع العام الصناعي، تتمثل (من جهة أخرى) في ضعف وفساد بعض مفاصل الإدارات القائمة عليها، إضافةً إلى القيود التشريعية والقانونية الرقابية التي تقيد عملها الإداري والمالي والإنتاجي والتسويقي والاستثماري، وكذلك عدم توفير الجهات الحكومية التمويل اللازم لها لتجديد الأصول وإجراء الصيانة وتغطية التكاليف الإنتاجية والتشغيلية .

 

مقترحات لم تلق الاهتمام

وقدم التقرير في ختام مناقشاته مجموعة من المقترحات الهامة لم تلق الاهتمام المطلوب منها التأكيد على الدور الإنمائي والرعائي والتنظيمي والرقابي للدولة في ظل مفاهيم مؤسسية وضرورة إصلاح ودعم وتطوير القطاع العام الصناعي والإنشائي والمصرفي وقطاع التجارة الداخلية.

و إعادة النظر بالسياسات الاستثمارية والتنموية الكلية، بحيث يتم توجيه الاستثمارات بشكل مكثف إلى الزراعة والصناعة والبنية التحتية للسياحة، وكذلك إلى مشاريع الإسكان والعمران والتطوير العقاري، وخاصة منها السكن الشبابي والتعاوني والعمالي والاجتماعي، والسكن البديل لقاطني مناطق المخالفات والسكن العشوائي، ووضع ضوابط صارمة وعادلة وشفافة للاستثمار الأجنبي المباشر في قطاعات الطاقة والمصارف والاتصالات والمواصلات والمرافئ البحرية والجوية.

كما اقترح بإعادة النظر بسياسات الأمن الغذائي والمائي والطاقوي، ووضع استراتيجيات جديدة في ضوء ضرورات ومتطلبات الأزمة والواقع الحالي، ومكافحة التهرب الضريبي والجمركي، وزيادة الإنفاق الحكومي الجاري والاستثماري، وخاصة على مشاريع الخدمات الأساسية والبنية التحتية ومشاريع النفع العام، وإعادة النظر بجميع قوانين الاستملاك، بما في ذلك الاستملاك السياحي لعام (1975). البدء الفوري بعملية الإصلاح الإداري، بما في ذلك مكافحة الفساد وتقليص بنيته التحتية، وتقليص البيروقراطية والروتين، والإسراع في التحول إلى الحكومة الكترونية، وخاصة في المالية والجمارك والتجارة الخارجية والمعاملات في الدوائر العقارية ومديريات النقل والمواصلات. وطالب التقرير بإنجاز المخططات التنظيمية العمرانية على مستوى القطر، بحيث تُغطي التطور العمراني لمدة لا تقل عن 30 سنة، بما في ذلك تعديل ضابطة البناء من التوسع الأفقي إلى التوسع الرأسي، و الإسراع في تأمين مخزون استراتيجي من أهم المواد الغذائية عن طريق المؤسسات العامة، وزيادة إمكاناتها الإستيرادية والتسويقية، العمل الجدي في معالجة الفاقد (التجاري والفني)، في إنتاج وتوزيع الكهرباء والسرقة والتلاعب والإسراف في استهلاكها.

 

آخر تعديل على الخميس, 26 أيار 2016 23:09