د.محمد المعوش

د.محمد المعوش

email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفناء الروحي- العقلي وصورة البربرية المتقدمة

من المناسب جداً في مراحل الأزمة التي تصل فيها الظاهرة إلى نهايتها المنطقية أو تلامس تلك الحدود، من المناسب حينها أن نلتقط قانون حركتها الداخلي. ولأن الواقع العالمي المضطرب لا يحمل ذات مستوى التطور بين المجتمعات، عملاً بقانون تفاوت التطور نفسه، هناك بعض المجتمعات التي تسمح بسبب حدة اضطرابها أن تقدم لنا مساحة تاريخية لالتقاط قانون حركة بعض الظواهر، ومنها بالتحديد الإنسان وبنيته العقلية- النفسية، وهذا ما لا تسمح به بنيات اجتماعية أخرى ما زالت وبسبب بعض هوامشها لم تتعفن كغيرها.

من الضمني إلى الصريح على الجبهة الفكرية الأخطر

نعتبر أن المهمة الأساسية على الجبهة الفكرية هي إبراز التدمير الحاصل للعقل الذي يحتل اليوم وزناً نوعياً في البنية الاجتماعية ودوراً مركزياً في الانتقال إما نحو عالم جديد، وإما نحو البربرية. ومن هنا التحذير الدائم حولها، وإلا فإن القوى الحية الناجية من المطحنة الليبرالية وعقلها الأسود ستتقلص وتعويضها من الصعوبة سيزيد من أعباء الصراع أكثر وأكثر.

إما تعاظم البربرية وإما «فتح الكون»

تشكّل كلمات فواز الساجر على قصاصة الورق الأخيرة عن «عصر الضيق» تكثيفاً للاختناق الروحي. وتصير تلك الكلمات مركزيّة في ظل التصحير الضمني الذي أصاب الحياة خلال العقود الماضية وإصابتها في مقتل بعد تعطل هذا النمط الاغترابي نفسه بسبب مختلف الأزمات الحامية منها والهجينة في المركز كما في الأطراف. وكلّما تعاظم الضيق كلّما نضج الطرف النقيض، أي اتجاه الحياة، الذي يتطوّر مع اشتداد التناقض مع تصحير الحياة وضيقها. ولكن هذا الصراع لن يمرّ دون تشويه الوسيط بين العالمين النقيضين، أي شخصية الإنسان من حيث وظيفتها التنفيذية وضابطة إيقاع الممارسة، لا بل هي الشكل الذاتي من نهج الممارسة. وهنا يوضع كل تاريخ علم الاضطرابات العقلية والنفسية أمام لحظة الحقيقة التاريخية ألا وهي المرض الجماعي لمجتمع «انحرف» عن السواء بكامله، فدخلنا عصر الاضطراب الجماعي.

تكشّف السرديّة وحاجاتها نحو العالم الجديد

للمرحلة الحالية خصوصيتها التاريخية، والتي تسبب الكثير من التشويش الذهني لدى الغالبية. ومن أبرز هذه الخصائص هي أن جوهرها وما تمثّله لا ينعكس بالكامل في المستوى الفكري والعقلي المعلن على لسان النخب. ولا نتكلم هنا عن التشويش الحاصل لدى الفاعلين في الحقل السياسي بالتحديد (وإن كان هؤلاء أيضاً مشوشين)، بل عند السواد الأعظم لمن يحاول بناء السردية العقلية عن العالم والاتجاه التاريخي القادم. ولعدم التناسب بين جوهرها والسردية المعلنة عنها له أسبابه النابعة من طبيعة القوى التي تخوض الصراع. فكيف تتحرك السردية عن المرحلة خطوة خطوة تجاه الجوهر؟

العلم يعيد ترتيب أوراقه: الإنسان في بؤرة الاهتمام

ما الذي يعنيه بالنسبة للعلم أن تكون المرحلة الراهنة الممتدة هي مرحلة الأسئلة الكبرى حول المجتمع والحياة متضمنة بذلك الأسئلة حول الإنسان؟ ما الذي يعنيه بالتحديد أن المرحلة الراهنة هي مرحلة انتقال تحرير الإنسان تاريخياً؟ ذلك يعني بشكل أساس أن العلم في هذه المرحلة التاريخية عليه أن يضع الإنسان في مركز رؤيته بحيث يصير الإنسان أيضاً موضوعاً من مواضيع الثورة العلمية في المرحلة الراهنة، لا بل إنه سيكون مركز هذه الثورة كذلك.

الهجوم التاريخي على عناصر الحياة سَيلد حياة أرقى

اعترف عتاة منظّري الأيديولوجيا الرسمية في مرحلة أزمتها أن العقل الإنساني في هذه المرحلة التاريخية يطرح الأسئلة الفلسفية الأساسية والنهائية، وهكذا فإنهم يشاركوننا التحليل بأن المرحلة الحالية من حيث موقعها التاريخي تطرح على البشرية كل القضايا الوجودية دفعة واحدة. وبروز الأسئلة الكبرى يجد أساسه في أزمة تفكك المجتمع الحالي والتهديد الذي يطال هذا المجتمع في كليّته. فالعقل يعي قضيته لمّا تواجه هذه القضية رفضها من قبل الواقع. والواقع المأزوم اليوم «يرفض» الوجود الإنساني كلّه في كون الحياة على الكوكب مهددة ككل. إذا ما هي الملامح الخاصة التاريخية التي تطبع الوعي بطابعها وتخلق بالتالي وعياً نوعياً يعكس نوعية الواقع الجديدة نفسها؟

كل شيء صار على الطاولة وتحديداً: تعريف الإنسان

إن التناقض السياسي، بما هو صراع بين نظامين اجتماعيين وبالتالي بين بنيتين للمجتمع مع كل ما يعنيه ذلك من ميادين الحياة المادية والمعنوية، يشكّل إطاراً يصهر فيه باقي التناقضات، وفي المرحلة الحالية حيث ينطرح على جدول الأعمال تغيير قاعدة المجتمع الطبقي ضمن هذا الصراع، فإن ذلك يعني أنه سيجرّ معه باقي السلسلة. وهذا بالتحديد يعني أن المرحلة الحالية تغلي بكل ما يتضمنه الواقع من تناقضات تحتاج إلى حل، ومن هنا ارتفاع منسوب التوتّر الذي نلمسه في كافة الحقول (الفلسفة والعلوم والفن والعاطفة والأدب...)، وكأن الينابيع المتعددة تلاقت لتشكّل الجدول على حد تعبير لينين، بل إنه النهر الجارف. ولهذا، كل هذه الحقول ستطرح أمامها الإطار الذي سيحكم ممارستها في المرحلة القادمة، ضمنياً أو بشكل صريح. وفي هذه المادة سنحاول أن نقترب من الحقل النفسي الخاص بتعريف الإنسان ما بين «الإنسان الدودة» أو «الإنسان الإبداع»!

العقل وحقيقته المؤلمة: انهيار التصور عن العالم

من غير المقبول إهمال ظاهرة الأزمة التي يعيشها الوعي الإنساني اليوم، وتحديداً في ظل تصاعد حدة أزمة العالم الحالي. إن زيادة التعقيد الذي حملته العقود الماضية على مستوى تطور العلاقات الرأسمالية لتطال كل مجالات الحياة المادية والمعنوية- الروحيّة، فوصلت ملامح هذا المجتمع التغريبية التي فرّغت المجتمع من إنسانيته إلى نهايتها المنطقية، أي تلك الشروط التي قطعت العلاقة الإبداعية بين الإنسان وعالمه التي هي أساس كونه إنساناً، هذا التعقيد يفرض تعقيداً في عمل هذه الشروط ليس على مستوى الاقتصاد والسياسة، بل على مستوى العقل أيضاً. ويشكّل فهم هذا التعقيد منصة ضرورية لا غنى عنها في سبر قانونية فعل الأزمة التي طالت البنية العقلية لإنسان اليوم. فمآلات هذه الأزمة ترتكز بشكل كبير على التصدي لفعل الأزمة على مستوى العقل من طرف القوى التي تدافع عن بقاء البشرية اليوم. ولا أقل من ذلك!

هل لروسيا أصدقاء؟ عن صدمة العقل وتحويل الواقع

على وقع المعركة التي تخوضها روسيا في أوكرانيا في وجه النازية كتعبير عن المواجهة العامة مع المنظومة الامبريالية المأزومة ومحاولتها جر العالم أكثر وأكثر نحو جحيم البربرية والوحشية، وما أفرزته الأحداث من انكشاف جوهر النظام العالمي المعادي لكل ما ينادي به من إنسانية وخداع حول اللاأيديولوجيا واللاتسييس، وعلى وقع الموجة العنصرية ضد الروس (حالياً) والصينيين (سابقاً وحالياً) في الغرب بشكل عام، والتي لم توفر الأدب وحتى الحيوان من فاشيتها، يبرز السؤال: هل لروسيا أصدقاء في هذه المعركة؟