العالَم ينظّم العمل «الإلكتروني» فمتى ننظم أعمالنا؟
فرح عمار فرح عمار

العالَم ينظّم العمل «الإلكتروني» فمتى ننظم أعمالنا؟

في ظل التحولات الرقمية المتسارعة التي يشهدها العالم، برز العمل الإلكتروني كأحد أعمدة الاقتصاد الحديث، ليس فقط كبديل عن الوظائف التقليدية، بل كنظام مهني مستقل قادر على خلق فرص وموارد دخل من خارج الحدود الجغرافية المحلية.

في هذه المقالة، سنرصد واقع العمل الإلكتروني في أوروبا والعالم العربي، ثم نُلقي الضوء على الواقع السوري، مع تحليل العلاقة بين قوة هذا النوع من العمل وبين واقع السوق المحلي.

العمل الإلكتروني

العمل الإلكتروني يشمل كل نشاط يُنجزعبرالإنترنت ويؤدي إلى خدمة أو منتج أو دخل. وقد يكون:

1- شخصيًا (Freelance): كتصميم، تسويق، برمجة، كتابة، تجارة إلكترونية.
2- تابعًا لمؤسسة: كموظف عن بعد أو إداري لأنظمة إلكترونية أو خدمة دعم.

واقع العمل الإلكتروني في أوروبا

 يُعتبر العمل الرقمي قطاعًا مهنيًا معترفًا به قانونيًا حيث يتم تنظيمه عبر تسجيل الفرد كعامل مستقل أو من خلال شركات ناشئة، حيث لجأت الحكومات الأوروبية إلى فرض أنظمة ضريبية واضحة وضمان اجتماعي وتأمين صحي، حيث يوجد اتحادات وجمعيات مهنية تدافع عن حقوق العاملين عن بُعد، خاصة بعد جائحة كورونا.

بعض الدول مثل فرنسا وألمانيا بدأت بخطوات لتنظيم المؤثرين والمسوّقين إلكترونيًا بقوانين خاصة.

العمل الإلكتروني في الواقع الأوروبي أصبح مصدر دخل حقيقي وآمن، مع حماية قانونية وهيكل ضريبي محترف، خاصة في قطاعات مثل التسويق الرقمي، وتطوير البرمجيات، وإدارة المحتوى.

واقع العمل الإلكتروني في العالم العربي

الدول العربية لا تزال في مرحلة التحول التدريجي نحو ولادة جديدة في عصر التطور الإلكتروني مع تفاوت بين الدول فمثلا دول مثل الإمارات والسعودية فرضت تراخيص واضحة لصناع المحتوى ولجأت إلى تنظيم التسويق الرقمي والإعلانات عبر هيئات رسمية ودعمت ريادة الأعمال الرقمية من خلال حاضنات وتمويل مشاريع إلكترونية، وهذا الواقع لا ينطبق على جميع الدول العربية فمثلا دول مثل مصر وتونس والمغرب يزداد فيها العمل الحر بشكل غير رسمي مع وجود اعتراف جزئي بالأعمال الرقمية، لكنها لا تزال تعاني من ضعف التنظيم النقابي أو الاجتماعي.

العمل الإلكتروني في الدول العربية بات واقعًا معيشًا، لكنه لا يزال يفتقر إلى البنية القانونية والمؤسساتية الكافية لحمايته وتطويره بشكل كامل.

العمل الإلكتروني في سوريا – واقع خاص ومركب

يواجه العمل الإلكتروني تحديات معقدة في ظل غياب التنظيم الرسمي حيث لا توجد نقابة أو هيئة معترف بها للعمل الإلكتروني مع العلم بأنه لم يعد خيارًا جانبيًا، بل تحوّل إلى ضرورة في ظل الأزمات الاقتصادية والبطالة الواسعة، خصوصًا في دول مثل سوريا حيث يساعد السوريين على خلق فرصة نادرة لفك الحصار الاقتصادي حيث يتيح لهم الوصول إلى سوق عالمي دون الحاجة للهجرة ويولّد دخلًا بعملات أجنبية في بيئة محلية تُعاني من التضخم والبطالة، ويكسر المركزية التقليدية للعمل، ويمنح الأفراد قدرة على الاستقلالية المالية، لكن في المقابل، غياب التنظيم الحكومي والنقابي يعني أنه لا حماية من الاحتيال أو ضياع الحقوق، ولا مظلة قانونية للضمان الاجتماعي أو التقاعد، وعدم استقرار مهني أو تعاقدي.

العمل الإلكتروني نشاط هامشي

رغم الفجوة الواضحة بين التنظيم الأوروبي والدعم العربي المحدود، يظل الأمل في تعزيز هذا القطاع قائمًا، خصوصًا إذا ما تم الاعتراف به رسميًا، وتنظيمه عبر أطر قانونية تحمي حقوق العاملين فيه وتستفيد من قوّته الاقتصادية.

في الدول الأوروبية، لم تكتفِ الحكومات بتنظيم الوظائف التقليدية (الصناعة، الزراعة، التعليم...)، بل أدركت مبكرًا أن المستقبل يتجه نحو العالم الرقمي، فسارعت إلى وضع قوانين وهيئات تحمي العاملين في المجالات الإلكترونية، وفي المقابل في الدول العربية وخاصة في سوريا يعتبر العمل التقليدي غير منظم بالشكل الكافي؛ فلا حماية تأمينية حقيقية، ولا ضوابط تحكم سوق العمل، ولا احترام جاد للعقود أو الأجور، أما العمل الإلكتروني، فهو إما غير معترف به، أو يُعامل على أنه نشاط «هامشي» أو حتى «غير موثوق».

والنتيجة؟ إننا نُعاني من تأخّر في تنظيم ما يجب أن يكون من الماضي (الوظائف التقليدية)، بينما غيرنا ينظّم ما يُفترض أن يكون من المستقبل (العمل الإلكتروني).

معلومات إضافية

العدد رقم:
1233