إصلاح العمل النقابي مسؤولية من؟
هناك سؤال دائماً لأي متتبع للعمل النقابي: كيف لنقابات دون أدوات وأسلحة نضالية أن تلعب الدور النضالي المناط بها، ومبرر وجودها؟ يعاني العمال وكل العاملين بأجر من غلاء المعيشة وتدهور مقدرتهم الشرائية للعديد من المواد الأساسية، ومن غلاء أجور النقل، وغيرها من مستلزمات الحياة الإنسانية.
في ظل هذا التردي المزري للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد، خاصةً مع استمرار السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي بدأت بها السلطات السابقة، والتي تعمل على الاستمرار بها الحكومة الحالية، يزداد العمل النقابي تخلفاً، وخاصة أن العمل النقابي عموماً يحابي السلطة في بلادنا، مستغلين ضعف العمل السياسي وتقييده عبر عشرات العقود السابقة ولم يزل إلى اليوم.
حيث لا تجد نقابةً مهنية وعمالية وغيرها دون أن تجد فيها تلك العناصر من عرّابي السلطة، أيّ سلطة كانت، المهم أن تكون سلطةً. تسعى هذه الشرائح النقابية بجميع نسخها المتوالدة وجميع ذيولها الملتصقة بالقشرة الديمقراطية للتشبث بالسيطرة على المنظمة النقابية وجعلها تابعةً للسلطة التنفيذية.
إصلاح العمل النقابي يتطلب إرساء قواعد الديمقراطية، والابتعاد عن الأساليب التي تعتمد على المكاتب المغلقة الراسخة في كل التنظيمات النقابية، بما فيها النقابات العمالية، التي منعت المنافسة الشريفة في المنظمة النقابية ووضعت حداً للديمقراطية، من خلال ترتيب الأوضاع خارج بنية المؤسسة التنظيمية.
إن التنظيم الناجح هو التنظيم القائم على النظام الديمقراطي، المستقل عن سطوة الفرد الذي يحاول أن يؤسس التنظيم على مقاسه الخاص. واليوم ما زال المتتبع للحياة النقابية لا يمكن أن يمنع نفسه من طرح السؤال التالي: هل انتهت الأزمة النقابية؟ وكيف يرتسم الوضع النقابي الجديد بعد سقوط السلطة السابقة؟
إن إصلاح الأوضاع الداخلية للمنظمات النقابية وإعادة النظر بمواقفها وبرامجها وإدراك الواقع الذي تعيشه بهدف إعادة الاعتبار للنقابات وإصلاحها، وفي المقدمة النقابات العمالية، هي خطوةٌ أساسية لتأخذ هذه النقابات دورها ونشاطها بعيداً عن سطوة السلطات التنفيذية، وألّا تبقى رهينةً للسلطات التنفيذية، وهذا من شأنه أن يحررها من الضغوطات المكبلة لأدائها ويحد من تهميشها وتبعيتها ويعزز الديمقراطية النقابية القاعدية.
إن الشعار المقدس للنقابات: الاستقلالية والديمقراطية والجماهيرية، لا يزال يحافظ على راهنيته، لكنه سيبقى بين حجري الرحى طالما تسعى السلطات التنفيذية لتدجين المنظمة والقضاء عليها. ولكي تستعيد النقابات استقلاليتها ودورها المنوط بها، لا بد لها أن تتخذ العديد من الإجراءات والمواقف الواضحة والصريحة تجاه حقوق من تمثلهم، وخاصة المعيشية والاقتصادية منها والديمقراطية، وتستخدم أدواتها النضالية والكفاحية التي خبرتها وأثبتت نجاعتها كل الحركات النقابية العربية والعالمية.
وإعادة النظر بالقوانين الناظمة للعمل النقابي وأنظمتها الداخلية في تسيير أعمالها لإعادة الاعتبار لدور المنظمات النقابية، فأغلب التشريعات النقابية التي صدرت لا تلبي حقوق من تمثلهم، وخاصة التشريعات العمالية المتعلقة بالعمل والعمال. إن معظم مآسي هذا الشعب، وخاصة أوضاع العاملين بأجر تنجم عن طريقة العيش المفروضة عليهم؛ بين نيران الاستغلال البشع في مراحل عملهم كلها، حيث يُستغلون في أماكن الإنتاج، وبين خذلان من خلال انعدام الإرادة في الدفاع عن مصالحهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1233