فيلم «غزة 2009».. تشتت الشكل وغموض المضمون
يحاول الفيلم التسجيلي القصير(غزة 2009)، الذي أنتجته شركة فلسطين للإنتاج الإعلامي، أن يروي عبر 27 دقيقة قصة صاغتها التداخلات الاجتماعية الطارئة الناشئة عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين..
الخلفية العامة للفيلم تركز على تصوير الإبادة الجماعية وانتهاك أبسط حقوق الإنسان والوجع المتناسل نزفاً وحصاراً في الأراضي الفلسطينية عموماً، وغزة خصوصاً، منذ الانتفاضة الأولى وحتى العدوان الفاشي 2009م، وذلك عبر تسليط الضوء على المآسي الفظيعة والمجازر المروعة التي يرتكبها المحتلون بحق أبناء الشعب الفلسطيني، ولكن الفيلم عبر عرض القصة المحورية له يترك أكثر من سؤال..
يبدأ الفيلم بمشهد استفزازي للمتلقي عبر رصده طفلة فلسطينية تبكي بتفجع عند قبر والدها الذي قضى خلال العدوان الأخير على غزة، مناشدةً والدتها بالرجوع إليها والى شقيقتيها: الطفلة الرضيعة، والأخرى التي تعاني من إعاقة عقلية، لتمضي الكاميرا بسرد حكاية زواج الوالد الشهيد (رامي) من الوالدة اليهودية (جانيت) التي كانت قد أشهرت إسلامها حين الزواج، والذي تكلل بإنجاب ستة أولاد.. لكن الزوجة مع مضي الوقت، لا تستطيع التلاؤم مع ظروف العيش في غزة، وخصوصاً بعد وصول حماس لسدة الحكم، فانفصلت عن الوالد آخذةً معها ثلاثة من أبنائها، وتترك ثلاث صغيرات مع الوالد.. وهنا تنقطع القصة المحورية، وتدخل في العام لتسليط الضوء على جانب من آثار العدوان والتخريب من خلال مقابلات مع سيدات جالسات أمام حطام منازلهن المدمرة وما يسردنه من قصص المأساة، دون أن يصب هذا القطع في دعم الحبكة الفنية الرئيسية للفيلم، لتعود الكاميرا مجدداً لرصد الحدث المحوري، حيث تمضي بالمشاهد إلى المقلب الآخر عبر رحلة إلى مدينة الناصرة في محاولة لمقابلة الوالدة (جانيت) والوقوف على تفاصيل القصة من وجهة نظرها، لكنها ترفض إجراء المقابلة، وتقوم بطرد كادر العمل..
تمر الأحداث بلحظات من الترقب، وخاصة مشهد نزول الوالدة من المنزل ومحاولة الكادر اقتناص حديث معها، ثم مشهد الانتقال إلى المحكمة الشرعية في الناصرة التي تنظر في أوراق الزواج الثبوتية التي تثبت إسلام جانيت، من أجل البت في مسألة التبعية الدينية للأولاد، وخصوصاً الذين في كنف جانيت.. وينتهي الفيلم بمقابلة مع الشيخ (عكرمة صبري) مفتي القدس للوقوف على رأي الشرع في هذه المسألة.
مخرج العمل (مصطفى نبيه) قال مدافعاً عن رسالة الفيلم: (هو ليس مجرد فيلم للترفيه، لكنه يحمل رسالة وقضية إنسانية تحمل في طياتها قصة حقيقية لعملية تقسيم لأطفال لا يعرفون قوميتهم، فمنهم من أصبح إسرائيلياً يعتنق الديانة اليهودية، ومنهم من بقي مسلماً، وبالتالي هي قضية تمس القومية كما تمس الدين في آن واحد)، لكن تبقى أبرز الانتقادات التي توجه للفيلم عدا تبعثر الصور، وافتقاره إلى تكثيف المادة واللغة البصرية عن العدوان، واستخدام اللغة العاطفية الحزينة المليئة بالمواعظ السياسية والوجدانية، والظهور الاستعراضي المكشوف لمخرج العمل في الكثير من المشاهد؛ تبقى أبرز الانتقادات هي المضامين والغايات التي يسعى الفيلم لإبرازها، خصوصاً وأنه أشار في أكثر من موضع لمسؤولية حماس عن تشتت العائلة..
«غزة 2009» فيلم ناقش قضية على جانب كبير من الأهمية بشكل مجتزأ، وقد اعتمد أسلوب التحقيق الصحفي أكثر من اهتمامه بالبعد المهني السينمائي، فجاء فيلماً صحفياً مبتوراً على الرغم من أهمية موضوعه الا انه ظل مبعثراً يفتقر إلى التركيز الفني.