من مقاعد الدراسة إلى سوق العمل: ماذا بقي من دعم التعليم في 2023؟

من مقاعد الدراسة إلى سوق العمل: ماذا بقي من دعم التعليم في 2023؟

لم يسلم قطاع التعليم في سورية من الآثار الكارثية التي نجمت عن انفجار الأزمة السورية في عام 2011، وربما لا يكون من المبالغة القول اليوم إنه من أكثر القطاعات تعرضاً للضرر. وهنا لا نقصد الضرر المباشر الناجم عن العمليات العسكرية كتدمير المباني التعليمية مثلاً، بل عن ضرر أقوى وأشدّ فتكاً، يدفع الكادر التعليمي إلى ترك القطاع، ويجبر التلامذة والطلاب - الذكور والإناث على حد سواء- على ترك مقاعد الدراسة إما للالتحاق بسوق العمل أو الزواج المبكر. وذلك في ظل تراجع هائل في الإنفاق الحكومي التقديري على قطاع التعليم في البلاد.

خلال العام الماضي، لم يكن قطاع التعليم يعاني من تراجع الإنفاق الحكومي واضطرار الكثير من العائلات لإخراج أطفالها من المدارس لإلحاقهم بسوق العمل فحسب، بل وفوق ذلك من تقلصٍ في الإنفاق الذي كانت تمنحه ما تسمى بـ«الجهات الدولية المناحة»، ما جعل التراجع خلال العام الماضي استثنائياً لجهة الضرر الذي تركه في المجتمع والذي تفصح الأرقام عنه بشكل غير موارب.


1105a


البداية مع المناطق الأكثر تعرضاً للضرر

تؤكد بيانات مؤسسات الأمم المتحدة أن 12% من الأطفال السوريين غير ملتحقين بالمدارس، وأن هنالك أكثر من مليوني طفل سوري (تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاماً) لم يلتحقوا بالمدرسة، وإذا أخذنا في الاعتبار أن هذه النسب تحسب ما صرّح عنه أهالي الأطفال بالفعل، فإن نسبة التسرب الفعلية هي أعلى من ذلك بكثير.
ووفقاً للبيانات، فإن معدلات الالتحاق بين الذكور والإناث تتشابه فيما بينها في المراحل الابتدائية (تحديداً حتى عمر 11 سنة)، ما يعني أن الرغبة لدى الأهالي بتعليم أطفالهم موجودة - ذكوراً وإناثاً- والمشكلة ليست في «عقول» هؤلاء الذين يرفضون التعليم مثلاً. لكن بعد عمر 11 سنة تبدأ هذه النسبة بالتغير، حيث يبدأ الذكور بالتسرب من المدرسة أسرع من الإناث. وبحسب الاحصاءات، فإن 12% من الذكور فقط منتظمون في المدارس الثانوية! وفي بعض المحافظات السورية، هنالك أقل من 10% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاماً ملتحقين بالمدرسة الثانوية.
وفوق ذلك، طال الضرر ليس الدراسة فحسب، بل والاستعداد لها أيضاً، حيث أنه فقط 11% من الأطفال في سن الرابعة و36% من الأطفال في سن الخامسة استطاعوا الالتحاق بالعملية التعليمية، مما يحدّ من استعدادهم الفعلي الضروري للمدرسة.
وخلال عام 2022، كانت أعلى معدلات تسرب التلاميذ والطلاب من المدرسة موجودة في الحسكة (24%) والرقة (22%) ودير الزور (19%) وحلب (16%) وإدلب (15%). وقد صرحت 48% من الأسر التي لديها أطفال بين ٦ و١٧ عاماً بأن أحد أسباب عدم انتظام أطفالها في المدرسة هو حاجتها إلى عملهم لإعالة الأسرة وتغطية تكاليف المعيشة.
وتشير التقديرات إلى أنه إذا نزح طفل أكثر من ثلاث مرات في حياته، فإن فرص عدم التحاقه بالتعليم ستكون أكبر (20%)، وسيتقلص احتمال التحاقه بالتعليم بمقدار 42% خلال السنوات الثلاث الأولى من النزوح. في وقتٍ يعتبر التسرب بسبب الزواج المبكر من أكثر المشاكل التي يعاني منها النازحون في المخيمات (5%).


1105c


على جميع الصعد: لا توجد شروط تدريس حقيقية

وفقاً لتقديرات منظمات الأمم المتحدة، المدارس في سورية لديها قدرة استيعاب واستبقاء محدودة للغاية، وتفتقر هذه المدارس إلى المرونة اللازمة لاستيعاب المتعلمين من مختلف القدرات ومختلف مستويات التعلم.
وتشير البيانات إلى أن بيئات التعلم السورية المتداعية غير مواتية ولا تلبي أبسط شروط العملية التعليمية، وذلك بسبب الاكتظاظ ونقص الأثاث المدرسي الضروري، ونقص اللوازم المدرسية، وعدم كفاية التدفئة، ومحدودية الإضاءة، وتهتك مرافق المياه والصرف الصحي، وسوء النظافة التشغيلية.
وعلى مستوى البلاد، أبلغ 56% من الأطفال الملتحقين بالمدارس عن أوضاع مياه وصرف صحي ونظافة سيئة في المدارس.
فوق هذا كله، فإن قدرة وفعالية المدرّسين محدودة للغاية، حيث ثمة نقص في دعم هذه الشريحة من العاملين في القطاع العام. وبالإضافة إلى ذلك، في كثير من الحالات لا يتم دفع رواتب المعلمين بانتظام، ما يشكل تحدياً كبيراً، وبشكلٍ خاص بالنسبة للمعلمين الذين يحتاجون إلى قطع مسافات طويلة للوصول إلى مدارسهم، وتغطية تكاليف النقل من جيوبهم. وهذا أدى في كثير من الحالات إلى التغيب عن العمل وتناقص أعداد المعلمين.


1105b


تسعة أعشار دعم التعليم تم سحبه خلال الأزمة

خصصت الحكومة في موازنتها العامة للعام 2022 إنفاقاً تقديرياً على خدمات التربية والتعليم بلغ ما يقارب 823 مليار ليرة سورية، لكن كالعادة، فإن أرقام الإنفاق التقديرية التي لا تنفك الحكومة تتحدث عن ارتفاعها بالليرة السورية لا تلبث أن يتبيّن مقدار تضاؤلها بمجرد حسابها بالدولار، فمن ينظر إلى أرقام الإنفاق التقديري التي «ارتفعت» من 85,6 مليار ليرة سورية في عام 2010، إلى 150,6 مليار ليرة في عام 2015، ثم إلى 823 مليار ليرة في موازنة العام 2022، قد يستنتج أن الإنفاق التقديري قد ارتفع فعلياً، لكن الأرقام ذاتها انخفضت بشكل متسارع من 1,7 مليار دولار في 2010، إلى 669 مليون دولار في 2015، وصولاً إلى مجرد 228 مليون دولار في 2022.
وبهذا المعنى، يمكن الاستنتاج أن حصة التربية والتعليم العالي من الإنفاق التقديري للحكومة في عام 2022 لا تتجاوز 13.4% من الحصة ذاتها في موازنة العام 2010. بكلام آخر، فإن ما يقارب تسعة أعشار الإنفاق الحكومي على التربية والتعليم (86.5%) قد تم سحبه منذ انفجار الأزمة في 2011.


1105d


حصة التعليم من الموازنة: 3.5% فقط لا غير!

تشكل موازنة التعليم بشقيها التربية والتعليم العالي نسبة لا تتعدى 3.5% فقط من موازنة العام 2022. وهي نسبة استثنائية إذا ما قارنها مع السنوات السابقة، حيث مثّلت 6.7% من موازنة العام 2015، و7.0% من موازنة العام 2011.
وتعدُّ هذه النسبة استثنائية أيضاً ليس بالمقارنة مع السنوات السابقة فحسب، بل وكذلك إذا ما نظرنا إلى الوسطي العالمي الذي يشير إلى أن الحكومات حول العالم تخصَّص وسطياً نسبة تقارب 14% من موازناتها للإنفاق على قطاع تربية والتعليم.


1105f


6.9 مليون سوري بحاجة مساعدة في قطاع التعليم

تقدّر أرقام الأمم المتحدة أن ما يقارب 6.9 مليون مواطن سوري (بين طلاب وتلاميذ وعاملين في القطاع التعليمي) يحتاجون إلى مساعدة على صعيد التعليم، ويبلغ عدد الإناث منهم 3.2 مليون (47%)، بينما يصل عدد الذكور إلى 3.6 مليون طفل (53%).
ومن بين الـ6.9 مليون مواطن سوري الذين يحتاجون إلى مساعدة تعليمية، تؤكد الأمم المتحدة أن 73% منهم حاجتهم ملحة، و24% منهم حاجتهم شديدة بشكلٍ حاد، بينما تعتبر حالة 2% منهم كارثية.


1105e


من 25 إلى 1,6 دولار للطفل الواحد شهرياً!

وفق موازنة العام 2022، يبلغ الإنفاق التقديري على قطاع التربية قرابة 478 مليار ليرة سورية (478,180,440,000)، بينما يصل عدد الأطفال السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 5-18 إلى حوالي 6.6 مليون طفل (وفقاً لبيانات المكتب المركزي للإحصاء المنشورة في عام 2022).
ما يعني أن حصة الطفل السوري من موازنة التربية في 2022 بلغت 71,519 ليرة سورية سنوياً، أي ما يقارب 5,959 ليرة شهرياً، أي 1,6 دولار شهرياً (على سعر صرف 3605 خلال عام 2022)، وهو ما يمثّل هبوطاً حاداً، حيث كانت حصة الطفل في موازنة عام 2019 ما يقارب 10 دولارات شهرياً، والتي شكلت في حينه هبوطاً أيضاً عن الحصة ذاتها في موازنة العام 2010 حيث بلغت 25 دولار شهرياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1105