تجربة زيجيانغ الصينية في الازدهار العام والمساواة
في تموز 2022، حددت الصين مقاطعة زيجيانغ الساحلية كمنطقة تجريبية لسياسات «الازدهار المشترك». بوصفها موطناً للكثير من المشاريع والشركات المشتركة نجاحاً، تمتلك زيجيانغ الأساس والمزايا اللازمة لتنفيذ البرنامج التجريبي. على الرغم من أنّ ناتجها المحلي الإجمالي احتلّ المرتبة الرابعة بين جميع المقاطعات والمناطق الصينية في العام الماضي، إلّا أنّ الدخل المتاح للفرد ولسكان الريف احتلّ المرتبة الأولى لمدّة 36 عام متتالية. بقي التفاوت في الدخل بين سكان الحضر والريف هو الأصغر في الصين. كيف حققت زيجيانغ كلّ هذا؟ لننظر إلى لمحة سريعة.
ترجمة: قاسيون
قد تكون ميزتها الجغرافية والقطاع الخاص والتكامل الحضري والريفي والممارسات المبتكرة لحكومة المقاطعة الاستباقية لعبت دوراً كبيراً في الازدهار العام لمقاطعة زيجيانغ، ما يجعل تجربتها الممتدة على مدى 40 عاماً ذات قيمة لتحسين السياسات، ومعالجة عدم المساواة في الدخل في جميع أنحاء العالم.
نتيجة لموقع زيجيانغ الجغرافي الفريد وكثافتها السكانية، استفادت من احتوائها على مدينتين ساحليتين، لتصبح هذه الظروف أكثر أهميّة بعد الانفتاح الاقتصادي للصين. في 1984 وسّع مجلس الدولة الوطني «الحكومة» 14 من مدن المرافئ، شملت مدينتي نينغبو ووينزو في زيجيانغ. عبر اتباع استراتيجية التنمية القائمة على «إن ازدهر الميناء تزدهر المدينة، ويزدهر الاقتصاد». هدفت نينغبو إلى بناء مدينة ميناء دولي. في 2020 وصل عدد مسارات الشحن في ميناء المدينة إلى 287، بينما وصل عدد شحنات البضائع إلى 1.172 مليار طن، لتحتل المرتبة الأولى عالمياً على مدى 12 عاماً.
كانت الخطوة التالية المهمة لتحقيق الهدف، هي بناء نظام مواصلات عصري كأولوية. فبدأت المبادرة للوصول بالبناء إلى شانغهاي، وساهمت في بناء حزام نهر يانغتزي الاقتصادي، لتدفع بذلك استراتيجية الحزام والطريق الصينية العامة قدماً.
من الأمثلة النموذجية على نجاح الاستراتيجية هي مدينة ييوو، التي تعتبر أكبر سوق للسلع الصغيرة في العالم. بحملها لقب «سوبرماركت العالم»، تجمع ييوو أكثر من 2.1 مليون نوع مختلف من البضائع. سهّلت جميع وسائط النقل: السكك الحديدية، والأوتسترادات، والميناء، ومركز اللوجستيات، شحن هذه البضائع إلى 210 بلد وإقليم. كانت ييوو ناجحة لدرجة أنّ «مؤشر ييوو» الذي يعكس ديناميكية تجارة السلع الصغيرة في الصين وحول العالم، قد ساعد مجموعة من البائعين المحليين على توقّع نجاح ترامب في الانتخابات الأمريكية في 2016 قبل خمسة أشهر من الانتخابات، بالاعتماد على مواد الحملات الإعلامية التي تمّ طلبها، وأهمها: القبعات التي استخدمت في حملة ترامب، والتي تمّ طلبها بكميات أكبر.
ييوو تسهم بتطبيق وتنفيذ مبادرة الحزام والطريق منذ إنشائها، فمنها انطلقت أوّل شبكة لقطارات الصين السريعة «ين- جين- أوروبا» الممتدّ على 13.052 كيلومتراً. من ين- جين ينطلق القطار الذي يعبر دول كازخستان وروسيا وبيلاروسيا وبولندا وألمانيا وفرنسا قبل وصوله إلى مدريد. منذ إطلاقه في عام 2014 بدأ يُشغّل 3200 قطاراً عبر 16 خط، ليصل إلى 50 دولة وإقليم في أوراسيا، لتظهر الكثير من السلع التي يتمّ إنتاجها في ييوو في أسواق وسط آسيا وأوروبا.
على مدى 40 عام ساعدت المعجزة الاقتصادية الصينية في تحسين حياة عدد هائل من الصينيين، وخلقت ملايين فرص العمل، خاصة بالنسبة للأشخاص ذوي الدخول المتوسطة والمنخفضة، في كلّ من الأرياف والمناطق المدينية. في عام 2021 كانت الشركات تشكّل 97٪ من كافة الأعمال المنشأة، لترتفع النسبة بشكل هائل من 6٪ في 1979. كما أنّ 87.5٪ من الوظائف هي في هذه الشركات. يُقال: إنّ 1 من كلّ 8 أشخاص في زيجيانغ هو مالك عمل، وقد تمّ إدراج 18 من أصل 33 مقاطعة في زيجيانغ بأنّها من ضمن أكثر 100 مقاطعة تنافسية اقتصادياً في الصين.
من حيث الدخل المتاح في المناطق المدينية، والدخل الريفي المتاح، ونصيب الفرد من هذا الدخل، يحتلّ إقليم زيجيانغ مراتب أعلى من أقاليم أخرى، مثل: شاندونغ وجيانغسو وقوانغدونغ، رغم أنّ هذه الأقاليم الثلاثة كان لديها أعلى ناتج محلي إجمالي بين جميع الأقاليم الصينية في 2020.
مستفيدة من مراكز التجارة الراسخة وتكتّل المصنّعين، إلى جانب الرقمنة والابتكار، أصبحت زيجيانغ مكاناً خصباً للتجارة الإلكترونية. الشركة العملاقة الصينية علي بابا التي تأسست عام 1999 في هانغشو، عاصمة زيجيانغ، لم تكن فقط منصّة للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، بل أيضاً حفزت حيوية التجارة الإلكترونية في المناطق الريفية، وخلقت فرص عمل ومصادر دخل للفلاحين.
من الحالات البارزة هي قرى تاوباو التي يصل فيها عدد المتاجر النشطة على الإنترنت إلى أكثر من 10٪ من الأسر المحلية. وحيث يصل حجم التجارة الإلكترونية السنوي إلى أكثر من 1.57 مليون دولار أمريكي «10 ملايين يوان». في 2009 وصل حجم التجارة الإلكترونية السنوي في قرى تاوباو إلى أكثر من 1.57 مليون دولار أمريكي، ثمّ تضاعف الرقم لتحتلّ المرتبة 7.023 على مستوى الصين بأسرها.
لا يقتصر نجاح زيجيانغ على الجانب الاقتصادي، فهي مثال على التوازن في التخطيط لتنمية الريف والمدينة. كان الفارق بين الدخل في المناطق الريفية والمدينية في 2020 هو 1.96 مرّة، أي أدنى بكثير من المتوسط الوطني عند 2.56 مرة. وقد بدأ التفكير في دمج تنمية الريف والمدينة في الإقليم منذ بداية الألفية.
في 2002 اقترح تشي جين بينغ، والذي كان قد وصل حديثاً إلى زيجيانغ كسكرتير للجنة الحزب الريفية، أن يتمّ تخطيط المدينة والريف بوصفهما كتلة واحدة، بعد إجراء مسح ميداني لـ 11 مدينة و25 مقاطعة. في 2005 أصدرت حكومة زيجيانغ موجزاً لتطبيق نظام مدمج لتنمية الريف والمدينة. ولد مشروع «ألف قرية للإنشاء، عشرة آلاف قرية للتنمية» لتطبيق هذا النظام المدمج. بعد 19 عاماً من هذا البرنامج، تمّ منح 30 ألف قرية في زيجيانغ شكلاً جديداً، وفي مجال البنية التحتية وصلت بشكل عملي إلى مياه شرب بالنوعية ذاتها التي يصل إليها سكان المدن، وبات لدى جميع القرى إمكانية الوصول إلى الطرقات ومواقف الباصات ومراكز البريد وشبكات الهاتف والإنترنت. أدّى هذا المشروع إلى تعزيز الصناعات الخضراء وتعزيز القرى وإثراء الناس.
وفقاً للخطّة التي أُعلن عنها العام الماضي، تهدف زيجيانغ إلى رفع الدخل المتاح للفرد إلى 11807 دولار (75 ألف يوان) بحلول 2025، أي أعلى بكثير من دخل سكان المدن «9871 دولار– 62,699 يوان»، وسكان الريف «5027 دولار– 31,930 يوان» بحلول عام 2025. وكذلك أن ترفع حصّة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 1574 دولار «10 آلاف يوان» في 2021 إلى 2046 دولار «13 ألف يوان» خلال خمسة أعوام، لتصل إلى مستوى الاقتصاد معتدل التطور القياسي. وقد كانت الحكومة واضحة بأنّ التركيز في الخطة الخمسية الأخيرة لن يكون مقتصراً على النمو الاقتصادي، بل على تنمية المناطق الريفية والمدينية وحلّ مشاكل التفاوت على مستوى الإقليم، سواء بين الريف والمدينة، أو التفاوت في الدخول، مع تعزيز الازدهار العام من خلال التنمية عالية الجودة.
بتصرّف عن:
What can we learn from Zhejiang’s practices in common prosperity?
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1105