أكثر من نصف الشعب السوري بات يحتاج مساعدة صحية
يواجه القطاع الصحي السوري أزمات ومشاكل مزمنة تنعكس نقصاً في توافر الخدمات الصحية وجودتها في جميع أنحاء البلاد. فبالتوازي مع عدم القدرة على تحديد الآثار الحقيقية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا في البلاد في ظل غياب الأرقام الحكومية الموثوقة حول الإصابات والوفيات، يتواصل التعطل في الخدمات والنظم الصحية، لا بسبب انتشار الفيروس وظروف الأزمة السورية فحسب، بل ولسبب أساسي يعود إلى تراجع الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة الذي لم ينفك يتقلّص بشكلٍ متواصل ومتسارع.
على امتداد العام الماضي، تراكبت مجموعة من العوامل التي أدت إلى مفاقمة تعطل الخدمات الصحية في البلاد، فإلى جانب جائحة كورونا، أدت الحوادث الأمنية التي وقعت - بشكلٍ خاص في شمال شرق وشمال غرب وجنوب البلاد- إلى خروج العديد من المرافق الصحية الإضافية عن الخدمة، وكذلك إلى نزوح ما يقدّر بحوالي 140,000 مواطن سوري بحاجة إلى خدمات صحية.
ووفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن خمسة محافظات سورية (هي الرقة ودير الزور وحماة وحمص وريف دمشق) هي المحافظات التي تحتوي على أكبر عدد من النواحي التي تعتبر من المناطق الأكثر خطورة على الصعيد الصحي.
جائحة كورونا واستحقاق اللقاحات
حتى شهر شباط الماضي، بلغ إجمالي عدد اللقاحات التي تسلمتها سورية من خلال مبادرة الوصول العالمي للقاحات كوفيد-19 (كوفاكس) 8,352,740 جرعة، بالإضافة إلى 2,713,640 جرعة تسلمتها سورية من خلال الاتفاقيات الثنائية. وتكفي هذه المخصصات مجتمعة لتغطية حوالي 38% من السكان. وفي المستقبل القريب، من المتوقع أن تتسلم البلاد ما يقارب 3.7 مليون جرعة من اللقاحات من خلال كوفاكس، وهي كافية لتغطية 18.2% إضافيين من السكان.
12.2 مليون محتاج للمساعدة الصحية
لا يحتاج التردي الحاصل في قطاع الصحة إلى إثباتات كثيرة، حيث تكفي الإشارة إلى أن ما يقارب 12.2 مليون من أصل 21.7 مليون مواطن سوري تقدّر الأمم المتحدة أنهم بحاجة إلى مساعدة صحية خلال العام الحالي 2022، أي أن أكثر من نصف الشعب السوري (54%) بات بحاجة إلى مساعدة صحية.
ومن بين هؤلاء، هنالك 6 ملايين إناث (بنسبة 49%)، و6.2 مليون ذكر (51%). أما الأطفال، فلا تقل نسبتهم عن 44% من إجمالي المحتاجين. ومن أصل 12.2 مليون، هنالك ما لا يقل عن 3.4 مليون مواطن (28%) من أصحاب الإعاقات.
المحافظات الأكثر تضرراً
حسب تقديرات الأمم المتحدة، أظهرت محافظات الحسكة والرقة والسويداء ودير الزور قدرات صحية أقل، حيث تعاني المحافظات بقدرٍ أعلى من حيث تكاليف الصحة وتوافرها.
غير أن الواقع الصحي في باقي المحافظات ليس أفضل حالاً، حيث تعاني المدن ذات الكثافة السكانية العالية من النقص المتنامي في إمدادات المياه النظيفة، وهو ما فاقم خطر الإصابة بالأمراض المعدية، فضلاً عن أوقات الانتظار الطويلة في المرافق الصحية التي ارتفعت بشكلٍ ملحوظ خلال العام الفائت.
الإنفاق الحكومي في 2021 ثلث الإنفاق في 2011
رغم التصريحات الرسمية التي لم تنفك تمنِّن الشعب السوري بالإنفاق الحكومي على قطاع الصحة. إلا أن خلف أرقام الإنفاق المتزايدة (بالليرة السورية) تكمن الحقيقة الماثلة في تراجع الإنفاق بشكلٍ حاد إذا ما قدرناه بالدولار.
فصحيح أن الإنفاق التقديري للحكومة على قطاع الصحة (الإنفاق التقديري يعني الاعتمادات التي تخصصها الحكومة في موازنتها لإنفاقها على القطاع، لكن هذا الإنفاق ليس إنفاقاً فعلياً، بل الإنفاق الفعلي هو فقط الموجود في حسابات قطع الموازنة التي لم يتم إصدارها منذ أعوام) قد زاد من 11 مليار ليرة سورية في عام 2011 إلى 38 مليار في 2015 ثم إلى 99 مليار خلال العام الفائت 2021. لكن تقديرات الإنفاق ذاتها كانت تتقلّص إذا ما قومناها بالدولار (حسب سعر الصرف لدى مصرف سورية المركزي) حيث انخفضت تقديرات الإنفاق من 248 مليون دولار في 2011، إلى 170 مليون في 2015، ثم شهدت انخفاضاً حاداً في عام 2021 إذ لم تتجاوز 80 مليون دولار.
ما يعني أن تقديرات الإنفاق في 2021 لم تتجاوز 31.7% من تقديرات الإنفاق في 2011.
حصة الفرد من الإنفاق الحكومي على الصحة: انخفاض كارثي
تقدّر الأمم المتحدة عدد سكان سورية بحوالي 21.7 مليون نسمة. وبتقسيم المبلغ الذي رصدته الحكومة لإنفاقه تقديرياً في موازنتها للعام 2021، أي 79,058,690 مليون دولار على عدد السكان، بإمكاننا تبيّن الحصة السنوية للفرد السوري من تقديرات الإنفاق الحكومي على الصحة.
وبهذه الطريقة، فإن حصة الفرد الواحد من الصحة حسب موازنة 2021 تبلغ ما يقارب 3.6 دولار سنوياً! وهي حصة كارثية لن نقارنها بدول أخرى حتى لا تبدو الأرقام فلكية (يبلغ الوسطي العالمي حوالي 554 دولار سنوياً)، بل سنكتفي بمقارنتها مع بيانات العام 2019 حين كانت حصة الفرد السوري من الصحة 33 دولاراً سنوياً، وكذلك ببيانات العام 2010، حين كانت الحصة 42 دولار سنوياً.
بكلامٍ آخر، فإن حصة الفرد السوري من تقديرات الإنفاق الحكومي على الصحة في عام 2021 بأكمله تقارب حصة الفرد خلال شهرٍ واحد من عام 2019! أي أن الحصة شهدت تراجعاً بنسبة 89% خلال عامين فقط.
النقص الحاد يعمّ القطاع
كما ذكرنا سابقاً، فإن التراجع على صعيد القطاع الصحي لم يبدأ مع انفجار الأزمة في البلاد، بل هو سابق لها، ونظرة سريعة على واقع الأرقام لدى المكتب المركزي للإحصاء كفيلة بإثبات ذلك، حيث انخفض عدد المشافي الحكومية في سورية من 150 مشفى في عام 2002 إلى 113 مشفى في عام 2019.
وفوق ذلك، فقدت البلاد ما يقارب 10 آلاف سرير مشفى حكومي خلال الفترة ذاتها، حيث انخفض عدد أسرّة المشافي الحكومية من 30,094 سرير في 2002 إلى 20,994 في 2019.
أخيراً، تبقى الإشارة إلى أن حصة قطاع الصحة السوري عموماً من تقديرات الموازنة السورية هي بالأصل حصة استثنائية بالنظر إلى قلتها، حيث لا تعادل نفقات الصحة سوى 1.1% من إجمالي الإنفاق في الموازنة العامة للدولة لعام 2021، وهي نسبة منخفضة تاريخياً في البلاد، حيث لم تتجاوز 6.8% موازنة العام 2019، و7.5% في موازنة العام 2003.
أما بالمقارنة مع دول أخرى، فتخصص الدول وسطياً نسبة 15% من موازناتها للإنفاق على قطاع الصحة، وبحسب تقديرات سابقة لقاسيون، تصل هذه النسبة في إيران إلى 22%، وفي تركيا تبلغ 10%، أما في الاتحاد الأوروبي فتقارب 16% من مخصصات الإنفاق الحكومي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1061