الغذاء السوري رهن التقلبات ودعم الزراعة نحو الأسفل

الغذاء السوري رهن التقلبات ودعم الزراعة نحو الأسفل

تتفاقم معاناة البلاد على جميع الصعد، وتفاقم الأزمة التي مضى على انفجارها 11 عاماً الخطر الذي يصيب البلاد على صعيد الزراعة والأمن الغذائي، حيث سبق أن استعرضنا في العدد السابق من قاسيون كيف أن أعداد السوريين المعرّضين لخطر انعدام الأمن الغذائي قد ارتفعت إلى حوالي 13.9 مليون شخص، (يواجه 12 مليون منهم انعدام الأمن الغذائي الحاد بالفعل، بينما 1.9 مليون منهم مهددين بالتعرّض إليه)، ذلك بالتوازي مع ارتفاع التصريحات المحلية التي «تبشرنا» بمزيد من التراجع في مجال الزراعة والغذاء نتيجة أن ارتفاع الأسعار بات «ظاهرة عالمية» بالتزامن مع أزمة الطاقة والغذاء العالمية.

ينتشر العوز الغذائي على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد، ويتوزّع السوريون الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي على محافظة إدلب (69%) وحماة (66%) والقنيطرة ودير الزور (كلاهما بنسبة 58%) وحلب (57%) ودرعا (56%) والحسكة (54%) والرقة (53%) وحمص (51%)، والسويداء وطرطوس (كلاهما بنسبة 50%)، وريف دمشق (46%)، بينما وصلت النسبة في محافظة دمشق إلى (41%) وفي اللاذقية (40%).

1060

غذاء أسوأ وأرخص

لا يطال تدهور الأمن الغذائي أولئك السوريين الذين لم يعودوا قادرين على إيجاد ما يسد رمقهم فحسب، بل إلى جانب ذلك، يعاني ملايين السوريين فيما يمكن اعتباره اختلالاً كبيراً بالنظام الغذائي، فوفقاً لتقديرات برنامج الأغذية العالمية WFP، حدث تحوُّل ملموس في سلوك الأسر السورية، تجلّى بعدم قدرتها على تناول البروتينات والفواكه ومنتجات الألبان والبقوليات، واعتمادها في التغذية على السكريات والدهون والخضروات فحسب، ما يسلط الضوء على تدهور كبير في تنوع النظام الغذائي، الذي يتألف الآن من الأطعمة الأرخص وغير الغنية بالمغذيات.
بالتوازي مع ذلك، أجبرت ندرة المياه والبنية التحتية المتضررة على صعيد الري، وانخفاض مستوى هطول الأمطار في ظل غياب الخطط الحكومية الفاعلة، معظم المزارعين - وخصوصاً في محافظتي ريف دمشق وريف حلب- على الاعتماد على الآبار السطحية لتغطية جزء من احتياجاتهم من الري. ما سيكون له تداعيات سلبية على انخفاض المياه الجوفية واستنزافها، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى ارتفاع تكاليف الضخ، ما يعني ارتفاعاً آخراً في أحد مدخلات الزراعة، فضلاً عن الصعوبات التي من المتوقع تفاقمها نتيجة تصاعد أزمة الطاقة وبالتالي صعوبة تأمين الطاقة اللازمة للتشغيل الزراعي.

القمح السوري: من سيء إلى أسوأ

أدى انخفاض إنتاج القمح والمحاصيل الأخرى خلال موسم الحصاد لعام 2021 إلى فجوة كبيرة بين العرض والطلب. ومن المتوقع أن تكون الظروف المناخية الزراعية، ولا سيما توزيع الأمطار وكمياتها، أسوأ على امتداد الموسم الزراعي الحالي 2021-2022، ولا سيما في شمال وجنوب البلاد. حيث انخفض إنتاج القمح والشعير في عام 2021 بشكلٍ كبير مقارنة بالسنوات السابقة بسبب عوامل الجفاف، وقلة المساحات المزروعة، ونقص لوازم المدخلات الإنتاجية للمزارعين.
ووفقاً للنتائج الأولية التي توصّلت إليها منظمة الأغذية والزراعة FAO، يقدّر إنتاج القمح السوري للموسم الماضي 2020-2021 بنحو 1.045 مليون طن، أي أنه انخفض بنسبة كبيرة مقارنة بموسم 2019 حين بلغ الإنتاج 1345 مليون طن، ويشكل هبوطاً كارثياً مقارنة بمواسم ما قبل انفجار الأزمة حين بلغ الإنتاج في عام 2011 على سبيل المثال ما يقارب 3858 مليون طن. وقد أثّر الأداء الموسمي الضعيف وخسائر الإنتاج والظروف المقاربة لحالة الجفاف تأثيراً كبيراً على محافظات دير الزور وريف دمشق والحسكة وحمص والرقة ودرعا والسويداء.
وفوق ذلك، لم تنفك الأصوات تحذّر من نقص بذور القمح. حيث تنبغي تلبية الاحتياجات من البذور لضمان استدامة إنتاج الأغذية. وهو ما استغلته الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر العام المنصرم، حين أرسلت الوكالة الأمريكية للتنمية USAID إلى شمال شرق البلاد 3000 طن قمح للزراعة ثبت أنها تحمل آفة «نيماتودا» ثآليل القمح وغيرها من الأمراض التي تساهم في تقليل إنبات الحبوب.

10602

ملامح الجوع: تقزُّم الأطفال وفقر دم..

تشمل العوامل التي تعزِّز انعدام الأمن الغذائي: ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وانخفاض قيمة الليرة السورية، والاستخدام الشحيح وغير المأمون للمياه، وانتشار الأمراض، والفجوة الهائلة بين الأجور والأسعار.
وبطبيعة الحال، لم يكن ليمرّ ذلك دون عواقب وخيمة: وفقاً للأمم المتحدة، عانى 25% من الأطفال في 58 ناحية سورية من التقزم. وفي 44 ناحية، عانى 46% من الأطفال (أعمارهم بين 6-59 شهراً) من فقر الدم الناجم عن نقص الحديد.

الدعم الحكومي للزراعة: تدهور متلاحق

كما ذكرنا سابقاً، تعالت بعض الأصوات التي حاولت الاستناد إلى «قول حق يراد به باطل» وهو أن ارتفاع الأسعار هو «ظاهرة عالمية» اليوم بسبب أزمة الطاقة والغذاء العالمية التي تعمّ الكرة الأرضية، ولا سيما في ظروف التوتر السائدة اليوم بين روسيا والولايات المتحدة على الساحة الأوكرانية.
لكن القول بـ«عالمية الظاهرة» يتعامى عن قصد أو عن غير قصد عن حقيقة أنه لا يمكن قصر أسباب الارتفاع - الحالي والمقبل- في أسعار السلع الغذائية وغيرها بوجود أزمة عالمية، فالسياسات الاقتصادية الحكومية، وبوجهٍ خاص في مسألة الزراعة، تتحمل مسؤولية أساسية في إيصال الوضع الحالي إلى ما هو عليه.
وليس أدلّ على هذا الكلام من حالة التراجع التدريجي والمتسارع في الدعم الحكومي للقطاع الزراعي عبر السنوات، حيث «ارتفع» الإنفاق التقديري للحكومة السورية على قطاع الزراعة (بالليرة السورية) من حوالي 29 مليار ليرة سورية في عام 2002، إلى ما يقارب 33 مليار ليرة في عام 2019، لكن الرقم ذاته - إذا قدّرناه بالدولار الأمريكي- يتضح لنا حقيقة الانخفاض الذي طال هذا الدعم، حيث هبط من 564 مليون دولار في 2019، إلى ما لا يزيد عن ٧٧ مليون دولار! علماً أن رقم الدعم على العموم هو «رقم تقديري» لا يوجد ما يثبت إنفاقه فعلياً من جانب الحكومة في ظل غياب قطع الموازنات.

 

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1060
آخر تعديل على الأحد, 27 آذار/مارس 2022 18:17