العوز السوري المتنامي بعد

العوز السوري المتنامي بعد

بعد 11 عاماً على انفجار الأزمة في البلاد، تتفاقم الحاجات الإنسانية في سورية بالنظر إلى العواقب طويلة المدى التي نتجت عن الدمار الواسع الذي طال البنى التحتية على امتداد البلاد، وتسريع حالة التراجع الاقتصادي التي كانت قد بدأت منذ ما قبل انفجار الأزمة وتعاظمت وتيرتها خلالها مسببة تحول البلاد إلى أكثر دولة تحوي نازحين داخلياً في العالم.

في هذا السياق، أصدر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع لمنظمة الأمم المتحدة OCHA مؤخراً تحليلاً تضمن نظرة عامة على الاحتياجات الإنسانية في البلاد لعام 2022، كاشفاً عن تطورات بعض جوانب حالة التدهور الاقتصادي التي طالتها، حيث انتقلت قفز عدد السوريين الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية من 13.4 مليون مواطن في عام 2021، إلى 14.6 مليون مواطن في عام 2022، أي أن ما يقارب 1.2 مليون مواطن إضافيين باتوا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية خلال عام واحد فقط.

تدهور اقتصادي على كافة المستويات

أشار التحليل إلى أن جميع مؤشرات الاقتصاد الكلي قد تدهورت خلال عام 2021، وازدادت سوءاً، مؤدية إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية، وارتفاع أسعار السلع في الأسواق، وانخفاض الإيرادات المالية للدولة، وارتفاع الدين المحلي.
وقد أدت هذه العوامل المجتمعة إلى خسائر واسعة في سبل معيشة وإلى إغراق شرائح إضافية من السكان في الاحتياجات الإنسانية، ولم ينحسر تأثير ذلك على المناطق التي شهدت مواجهات ومعارك فحسب، بل طال كذلك حتى المناطق الأقل تأثراً بالأعمال العسكرية.
بالإضافة إلى ذلك، ففي عام 2021، اشتدت الصدمات المناخية والآثار السلبية على الموارد الطبيعية، ولا سيما المياه. حيث لم يؤد عدم انتظام هطول الأمطار- إلى جانب انخفاض مستويات المياه تاريخياً في نهر الفرات- إلى الحد من إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب والاستخدام المنزلي لأكثر من خمسة ملايين شخص فحسب، بل تسبَّب أيضاً في خسائر كبيرة في المحاصيل ودخل الزراعة، وانخفاض توليد الطاقة الكهرومائية، وزيادة الأمراض المنقولة عن طريق المياه.
ومن المتوقع أن يكون لهذه التطورات في الأجلين المتوسط والطويل أثر خطير ومتراكم على الصحة، وانعدام الأمن الغذائي، ومعدلات سوء التغذية، مع ما قد يترتب على ذلك من عواقب لا رجعة فيها.

تعاظم حاجات 6.9 مليون نازح داخلي

لا تزال الاحتياجات طويلة الأمد لما يقدر بنحو 6.9 مليون نازح داخلياً تتفاقم على نحو كبير، ولا سيما بالنسبة لأكثر من مليوني شخص في حوالي 1760 تجمّع غير رسمي ومخيمات.
وفي العموم، غالباً ما يعيش النازحون داخلياً في أماكن لا تؤمن لهم عناصر الاكتفاء، ولا تتوفر لهم فيها فرص الحصول على الخدمات الأساسية. وأولئك الذين عادوا إلى أماكن سكنهم الأصلية - التي تم تدمير غالبيتها - يواجهون تحديات كبيرة في تلبية احتياجاتهم الأساسية.
وينعكس تدهور الحالة الاقتصادية بشدة على جميع سكان البلاد تقريباً. ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإن الفئة التي تظهر أعلى مستوى من الاحتياج حالياً هي الفئة التي لم تنزح سابقاً، ما يشير بقوة إلى أن التدهور الاقتصادي الآن هو المحرك الرئيسي للاحتياجات في المناطق الأقل تأثراً بشكل مباشر بالأعمال القتالية، حيث ارتفع عدد المحتاجين للمساعدة في صفوف هؤلاء من من 6.4 مليون شخص في عام 2020 إلى 9.2 مليون شخص في عام 2021.

10592

ازدياد اعتماد الأسر على النساء

انخفضت قدرة الناس عموماً على تلبية الاحتياجات الأساسية في عام 2021 بشكلٍ كبير مقارنة بعام 2020، مع تأثير متفاقم ومتزايد على الأسر المعيشية التي ترأسها نساء، وكبار السن الذين لا يملكون دعماً أسرياً، والأشخاص ذوي الإعاقة، والأطفال.
وتشير بيانات تقييم الاحتياجات المتعددة خلال عام 2021 إلى أن فجوة الدخل استمرت في الاتساع في كل مكان، على الرغم من أن 64.1% من الأسر أبلغت عن وجود فرد واحد (على الأقل) من أفراد الأسرة عامل بأجر. وشهدت سورية خلال العام الماضي زيادة سريعة في أعداد «العمّال الفقراء»، ما ساهم بشكل كبير في ارتفاع عدد المحتاجين في عام 2022.
وفي جميع أنحاء البلاد، اعتمدت الأسر السورية آليات التكيّف السلبية بشكل أكثر تواتراً من ذي قبل. ويشمل ذلك عمالة الأطفال، وتزويجهم بغرض التخلص من تكاليف معيشتهم، وبيع الأصول الإنتاجية… إلخ. وكل هذه الآليات تزيد بشكلٍ حاد من ضرورة دعم الأسر، وتقلل من قدرة الأسر على الاعتماد على ذاتها في المستقبل.

انعدام الأمن الغذائي ونوايا النازحين

لا يزال انعدام الأمن الغذائي مرتفعاً للغاية في جميع أنحاء البلاد: فمع وجود ما يقدر بنحو 12 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد، تحتل سورية موقعاً متقدماً بين البلدان العشرة الأكثر انعداماً للأمن الغذائي على مستوى العالم بحلول منتصف عام 2021.
ووفقاً للدراسات الاستقصائية الأخيرة لنوايا عودة النازحين داخلياً إلى مناطقهم، تعتزم غالبية الأسر المشردة أو تتوقع البقاء في موقعها الحالي خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة، في حين أن ثلث الأسر لم تقرر بعد إن كانت ستعاود النزوح مرة أخرى أو تعود إلى أماكن سكنها الأصلية. وتشمل العوامل التي تؤثر على قرار الناس الحالة الأمنية، وانعدام فرص كسب العيش، وتدهور الحالة الاقتصادية، والمساعدة الإنسانية… إلخ.

نزف الكفاءات من أكبر المشكلات

يستمر وصول الناس إلى الخدمات الأساسية في جميع أنحاء البلاد في التراجع، بسبب البنى التحتية المتضررة ونقص الإمدادات الحيوية وانخفاض القدرة الشرائية، بما في ذلك التحديات التي تواجه حرية التنقل والسلامة.
ومن أكثر الشواغل إلحاحاً نقص الموظفين اللازمين لتقديم الخدمات الصحية الأساسية وصيانتها، أو لتشغيل شبكات إمدادات مياه الشرب، نتيجة للتشرد أو الوفاة أو الإعاقة، والافتقار إلى التدريب التقني. حيث نصف المحافظات السورية تدخل حالة طوارئ بسبب نقص العاملين في مجال الرعاية الصحية.
الكهرباء: 15% من مستويات

ما قبل الحرب

وفقاً للتحليل، فإن مستويات الكهرباء، التي تعتبر بالغة الأهمية لتوفير الخدمات والسلامة والصحة والسعي إلى كسب الرزق، تبلغ الآن 15% مما كانت عليه قبل انفجار الأزمة في عام 2011.
ولا تزال شبكات معالجة المياه وتوزيعها آخذة بالتدهور - إذ يعتمد 47% من السوريين الآن على بدائل غير آمنة في كثير من الأحيان للمياه المنقولة بالأنابيب، بعد أن كانت نسبتهم 37% في العام السابق. ويتم تصريف ما لا يقل عن 70% من مياه الصرف الصحي دون معالجة، ولا يعمل ما لا يقل عن نصف شبكات الصرف الصحي، بينما تأخذ الأمراض المنقولة بالمياه في الازدياد.

1059

 

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1059
آخر تعديل على الثلاثاء, 12 نيسان/أبريل 2022 15:14