بمناسبة المجاعة العالمية القادمة... لدى الصين حلّ
نحن في العالم على حافة الدخول في مشكلة مجاعة حقيقية. في هذا الوقت تقوم بعض البلدان المتقدمة بمحاولة التعامي عن المشكلة والتهرّب من مواجهتها، كما قامت من قبل بالتهرّب من مشاكل المناخ والاقتصاد. كما تقوم النُخب في بلدان نامية، مثل: سورية، بمحاولة الاستفادة من المسألة للإيحاء لشعوبها بأنّ موتهم بالمجاعة قدر محتوم، أثناء التغاضي عن تهريب غذائهم مقابل أرباح للقلّة بالقطع الأجنبي. ثمّ، وفي ظلّ هذا الظلام البشري، يأتي النور من الصين التي تقوم بنجاح بتطبيق إجراءات لمكافحة هذه المشكلة العالمية. ضمن هذا السياق يصبح نهج الصين في مكافحة المجاعة من خلال مكافحة هدر الطعام، وإيجاد حلول لمعالجته موضع اهتمام بقيّة العالم.
حكومة الصين مصممة على العمل الاستباقي لمعالجة قضيّة هدر الطعام في البلاد. يظهر ذلك عبر اعتماد تدابير ذات صلة بالأمر، مثل: «حملة الأطباق النظيفة» التي أطلقها الرئيس الصيني تشي جين بينغ- وهي المبادرة التي تسعى إلى تخفيف هدر الغذاء وتعزيز الأمن الغذائي- وإقرار قانون مكافحة هدر الطعام في ٢٠٢١ في جلسة المؤتمر الوطني لنواب الشعب NPC، وغيرها من الإجراءات الوثيقة الصلة التي تشير إلى تصميم الحكومة الصينية بشكل كبير على الحد من هدر الطعام في البلاد.
بصرف النظر عن حقيقة أنّ النظام الغذائي في الصين يقدّم دروساً يمكن أن تحسّن صنع السياسات في كلّ من البلدان مرتفعة ومنخفضة الدخل، من المهمّ أن ندرك بأنّ الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، هي كذلك واحدة من البلدان التي تملك أقلّ الأراضي القابلة للزراعة. وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، تنجح الصين بإطعام خُمس «١/٥» سكان العالم باستخدام أقلّ من ١٠٪ من الأراضي القابلة للزراعة في العالم.
وبصفتها المُنتج العالمي للحبوب والبيض والفواكه ومنتجات الأسماك والدواجن واللحوم، فمساهمة الصين في الحدّ من هدر الطعام له تأثير كبير على الأمن الغذائي العالمي. فمن خلال الحدّ من هدر الطعام، تنقذ الصين المزيد من الغذاء من التدمير، ولكنّها أيضاً تقلل الضغط على الموارد الزراعية في البلاد، وتحافظ على البيئة «تحافظ على المياه، والأرض، والتنوّع الحيوي، وتقليص انبعاثات غاز الدفيئة»، الأمر الذي يدعم التنمية المستدامة. على الرغم من أنّ الصين لديها ما يكفي من الغذاء الذي يتمّ توفيره لمواطنيها، فانفتاح قطّاع الزراعة في البلاد على بقيّة العالم يعني أنّ أكثر من ١٤٠ دولة تستفيد من تعاون الصين في هذا المجال.
صفر جوع وحماية البيئة
من الواضح، أنّ مساهمة الصين في الحدّ من هدر الغذاء أمر رئيسي لتحقيق الهدف العالمي المتمثل في «صفر جوع» وحماية البيئة، لكنّ السؤال الهام يجب أن يكون: هل يأخذ بقيّة العالم في اعتباره وأولوياته مسألة معالجة الهدر الغذائي كضرورة ملحّة في مجابهة المجاعة وانعدام ونقص الأمن الغذائي؟ في الواقع، لم يتمّ إدراك الحجم الدقيق لنفايات الطعام العالمية، وتأثيرها الاجتماعي والاقتصادي والبيئي بشكل كامل ومناسب. السبب الرئيسي في ذلك أنّ الباحثين اعتمدوا في استقراء البيانات من عدد صغير من البلدان، وعادة ما يتمّ استخدام بيانات قديمة لأجل ذلك. قلّة من البلدان حول العالم التي تحتفظ ببيانات صلبة ودقيقة حول هدر الطعام، وهو الأمر الذي يحدّ من الجهود المبذولة في مكافحة الهدر العالمي للغذاء.
يُظهر تقرير «مؤشر نفايات الطعام» لعام ٢٠٢١ مدى التأثير الكبير لنفايات الطعام السلبية على الاستدامة والجوع [يفاقم الرعب في التقرير أنّه لا يشمل الهدر في مرحلة البيع بالتجزئة]، يظهر التقرير أنّ ثُلت «١/٣» الغذاء العالمي الذي يتمّ إنتاجه للاستهلاك البشري يُهدر، وهو ما يقدّر بحوالي ١,٣ مليار طن سنوياً. تعلن منظمة AOF أنّ تقريرها يسعى لمواجهة التحديات التي تعيق تنفيذ الأمم المتحدة لبرنامجها لتحقيق التنمية المستدامة «UN-SDGs»، لكن تبدو المشكلة في أنّ ١٧ دولة حول العالم فقط لديها بيانات عالية الجودة عن نفايات الطعام متوافقة مع أهداف التنمية المستدامة، وفي آسيا هناك دولتان فقط تملكان مثل هذه البيانات، والصين هي إحداها.
المشكلة، أنّ الأمر طارئ ويهدد الأمن الغذائي العالمي بحق، وبشكل متزايد يثير الرعب. وفقاً لتقرير منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة لعام ٢٠٢١، لم يتمكّن ما يقرب من ٢,٣٧ مليار شخص من الحصول على الغذاء الكافي في عام ٢٠٢٠. يمثّل هذا زيادة قدرها ٣٢٠ مليون شخص بالمقارنة مع عام ٢٠١٩ وإذا ما تحدثنا عن الجوع الشديد، لدينا حوالي ٨١١ مليون شخص عانى من الجوع حول العالم في ٢٠٢٠، بزيادة قدرها ١٦١ مليون عن العام السابق.
بالتأكيد، لا يحرز العالم تقدماً نحو القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية بحلول ٢٠٣٠. والحاجة لإجراءات كبيرة على قدر المسألة أكبر من أيّ وقت مضى.
الأسوأ أمامنا لكن هناك أمل...
من الواضح، أنّنا لم نصل إلى الأسوأ بعد، وأنّه لن يطول الوقت الذي نصل فيه إلى القاع إذا استمرّ العالم على هذا المسار، وتحديداً مع معاظمة أثر وباء كوفيد-١٩ الاجتماعي والبيئي والاقتصادي على الغذاء. يبدو من هنا أنّ نهج مكافحة هدر الغذاء ونفايات الطعام لم يعد ترفاً، بل حاجة. يستدعي هذا الوضع المؤسف اعتماداً فورياً لتدابير عمليّة وفعالة على جميع الجبهات، مع إدراك أنّ هذا التحدي يتطلّب جهوداً متضافرة، والاستفادة من خبرات وتجارب البلدان التي تُحرز تقدماً كبيراً في هذا المجال لمعالجة الهدر الغذائي العالمي.
يُعتبر تبني التكنولوجيا الخضراء المبتكرة أمراً أساسياً للتخفيف من هدر الغذاء، ويوفّر هذا النهج العديد من الفوائد: تقليل هدر الطعام، وتحسين الأمن الغذائي، والحدّ من التلوث، وتقليل الضغط على موارد الأرض والمياه، وحماية المناخ. تدعم كلّ هذه المكاسب التنمية المستدامة. يمكن استخدام الأدوات التكنولوجيّة لتوفير بيانات كافية عن الهدر الغذائي، وبالتالي الخروج بحلول أفضل لتحديها.
من الضروري لواضعي السياسات الراغبين بالنجاح في مهمّة مقارعة الجوع استخلاص الدروس من البلدان التي أحرزت تقدماً كبيراً في استخدام التقنيات الخضراء المبتكرة للحدّ من هدر الطعام. على سبيل المثال: خلال فترة الخطة الخمسية الثالثة عشرة للصين «٢٠١٦- ٢٠٢٠»، تمّ توفير حوالي ١٣ مليون طن من الغذاء سنوياً بعد الإنتاج- وهي مساهمة كبيرة في عملية الحدّ من هدر الطعام وتحسين الأمن الغذائي العالمي.
من المسلّم به، أنّ هذا الإنجاز لم يكن ليتحقق لولا الاستخدام واسع النطاق للتكنولوجيا الخضراء المبتكرة، التي تمّ تعزيزها من خلال برامج التثقيف الخاصة بنفايات الطعام المنتشرة في جميع أنحاء البلاد وعرضها. بالمثل، يمكن للحكومات وأصحاب المصلحة المعنيين في جميع أنحاء العالم الحدّ من هدر الطعام بشكل كبير من خلال تعزيز اعتماد تقنيات، مثل: التعبئة والتغليف النشط، وتأمين مرافق التخزين البارد التي تعمل بالطاقة الشمسية، ونشرها... الخ. وذلك جنباً إلى جنب مع برامج تعليم الاستفادة من مخلفات الطعام والتعامل معها، وإنترنت الأشياء، وتطبيقات الهواتف المحمولة التي تقدّم حلولاً مبتكرة وسهلة الوصول، للتقليل من هدر الغذاء العالمي.
بتصرّف عن:
https://mronline.org/2022/02/24/mitigating-global-food-waste-does-china-provide-lessons/
https://www.fao.org/food-loss-and-food-waste/flw-data)
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1059