القطاع الخاص والمشاريع الذاتية فشلا في حل مشكلة البطالة.. البلاد بحاجة إلى استثمارات حكومية كبرى تنطلق من متطلبات التنمية وضروراتها
البطالة.. معضلة بمساحة الوطن، وأزمة من العيار الثقيل، ترخي بظلالها منذ زمن ليس بالقليل على المجتمع السوري، وقد اعتبرتها الأمثال الشعبية «أم الرذالة»، وشخصها الاقتصاديون بقولهم، إنها هدر الإمكانات والقوة البشرية الشابة، التي كان من المتوجب استثمارها في شرايين الاقتصاد الوطني، دعماً لهذا الاقتصاد، وتنفيذاً لمقتضيات الدستور، وهذا يعني أن ارتفاع البطالة هو بوابة خلل في الاقتصاد أولاً، وتجاوز وخرق لدستور كفل للسوريين حق العمل ثانياً، فالمعادلة ليست بالبسيطة كما يخيلُ للبعض، وتأمين فرصة العمل هو واجب على الدولة تجاه مواطنيها..
الهجرة لتثبيت رقم البطالة
مؤشران اثنان، هما البطالة ومعدل النمو، يعدان مرتكزين أساسيين لتبيان الحقيقة فيما يقال، فالبطالة ارتفعت من 8% في العام 2006 إلى نحو 8,5% في العام 2010، وهذا حسب الأرقام الرسمية، أي أن معدل البطالة قد شهد ارتفاعاً في النسبة والرقم أيضاً، حتى وإن كان هذا الارتفاع طفيفاً، إذا ما سلمنا سلفاً بصحته، ولكن كيف حصل هذا الثبات النسبي لرقم البطالة؟! هل كان بفضل فرص العمل التي استطاع الاقتصاد الوطني تأمينها بفضل السياسات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة في السابق، أم أن الهجرة بحثاً عن فرصة العمل في الخارج هي التي ساهمت في ذلك؟!
رقم البطالة الفعلي اكبر من الرقم المعلن، وهذا ليس نوعاً من التجني، وإنما هو محصلة عوامل غير حكومية، ولا ترتبط «بالانجازات الاقتصادية»، وأهمها تناسي ظاهرة البحث عن العمل في الدول الأخرى، سواء بالهجرة الشرعية أو غير الشرعية (تهريب)، فالفرق بين أعداد القادمين والمغادرين يصل إلى أكثر من 2.5 مليون سوري لمصلحة المغادرين، وذلك وفق بيانات الهجرة والجوازات في الفترة الواقعة بين 1/1/2004 و30/9/2008، وهذا يعني، أنه وخلال كل عام من هذه الأعوام الخمسة السابقة كان يغادر ما يقارب 500 ألف سوري دون عودة للهجرة أو للعمل، وهم يشكلون ضعف عدد الداخلين إلى سوق العمل سنوياً، وهذا ينسحب على العامين الماضيين أيضاً، فأرقام الهجرة الرسمية كفيلة بتفسير الثبات النسبي لرقم البطالة، وهذا يعني أن رقم البطالة الفعلي –لو لم يهاجر هذا الرقم سنوياً- سيكون أعلى من 12% في أسوأ الأحوال..
إدانة إضافية
إن ما لم تنجزه الحكومة لا يمكن أن تتباهى به، ومحافظة معدل البطالة على حاله، والمترافق بالضرورة مع الهجرة المكثفة للشباب السوري إلى دول العالم الأخرى، لا يشكل إلا إدانة تضاف على جدول الارتكابات السيئة التي مارستها الحكومة السابقة بحق الشباب السوري، لأنهم المعنيون الأساس بفرص العمل والبطالة..
الاستثمارات الحكومية هي الحل
إذاً، نسبة البطالة لم تنخفض في سورية على الرغم من أرقام الهجرة الكبيرة إلى الخارج، وعلى الرغم من الحديث الدائم عن أرقام نمو تصل إلى 6%، مما يفترض لو كان هذا صحيحاً أن تكون أرقام البطالة أقل من ذلك بنحو 2% على الأقل، فالمشاريع الصغيرة والمتوسطة لم تؤدِ دورها في الحد من البطالة، كما روجت الأوساط الحكومية في السابق، ومعادلة لـ«نشجع السوريين على ابتكار فرص عملهم بأنفسهم» اصطدمت بحاجز التمويل الذي اعترفت به هيئة التشغيل وتنمية المشروعات مؤخراً، وتؤكده نسبة التجاوب المتدنية من المصارف مع تمويل مشاريعها المقترحة، وهذا يحتم ضرورة البحث عن استثمارات حقيقية قادرة بطبيعة مشاريعها وحجم تمويلها على تحقيق اختراقات جدية في مجال البطالة..
الاستثمارات الحقيقية التي نتحدث عنها هي من النوع الحكومي تحديداً، وذلك عبر ضخ مليارات الليرات في جسم الاقتصاد الوطني من خلال توسيع الموازنة الاستثمارية للدولة، وهذه الاستثمارات هي الوحيدة القادرة على المساهمة في تحريك الاقتصاد الذي يعاني من الركود، وهو في الوقت ذاته يساهم ببناء مشاريع تحتاجها عملية التنمية، وخصوصاً المشاريع الكبرى التي يحتاجها البلد، ويؤدي بالضرورة إلى استثمار الطاقات البشرية المتاحة، مما يساهم في تقليل وإنهاء مشكلة البطالة المزمنة، وذلك لعجز تجربة القطاع الخاص خلال السنوات الـ 20 السابقة في تحقيق اختراق في هذا المجال، هذا القطاع الباحث عن آليات زيادة أرباحه فقط دون وضع متطلبات التنمية وضروراتها في اعتباراته..