نزار عادلة نزار عادلة

شركة الأسمدة.. صفقات فساد بالمليارات... أبطالها وزراء ومدراء عامّون

لم يستطع أي وزير أو مدير، أو أية جهة وصائية، أن تشخص بوضوح وصراحة واقع الإدارات في القطاع العام الصناعي تحديداً، كما أن جميع الوزراء الذين تواكبوا على وزارة الصناعة خلال العقود الماضية كانوا يتحدثون عن قصور إداري، وعن فساد، وعن ترهل، وعن محسوبيات وتجاوزات ومخالفات، وقد كانوا يعرفون أوجه الفساد، وبعضهم كان شريكاً، والبعض الآخر لا يملك الجرأة للإشارة إليه، وشكوى الإدارات الدائم من القوانين التي تقيد صلاحياتهم في المناقصات والعقود، والتصدير والاستيراد.

ضياع

أمام هذا الواقع الإداري، وعجز الوزراء عن اتخاذ قرار التعيين، أو الصرف من الخدمة، أو المحاسبة... استشرى الفساد، وفي خطوة للهروب إلى الأمام، استقدم وزير الصناعة السابق أكثر من جهة أوروبية، ويابانية، وإيرانية لتشخيص واقع الإدارة في سورية، وخرجت هذه الجهات بتوصية واحدة مفادها «في سورية صفق إداري في جميع المواقع الإنتاجية».

قبل أربع سنوات جرى اجتماع بين وزير الصناعة ومدراء الغزل والنسيج، وتحدث أحد المدراء عن أرباح حققتها الشركة التي يديرها، فرد عليه مدير آخر: «طالما هذه هي أرباحك، فلماذا لا تدفع الديون المستحقة لنا؟!» وجرت ملاسنة، ووصلت إلى الضرب بالكراسي، وكان الوزير يبتسم، ويقول: «هذا هو مستوى مدراء الشركات». 

أين المشكلة؟!

المشكلة تتعلق بما كان محرماً أن يقوله الوزير أو أية جهة وصائية أخرى، فالإصلاح السياسي أولاً قبل الإداري أو الاقتصادي، بينما الجميع يتحدثون الآن عن ذلك علناً، لأن الآلية المتبعة في تعيين الإدارات منذ عقود أربعة هي التي أدت إلى الفساد، وإلى نهب القطاع العام، وإلى الترهل واللامبالاة.

هذا الأمر ينطبق على القطاعات الأخرى كافة، في كل المؤسسات والوزارات الإنتاجية والخدمية و«غيرها»، حيث يرشح المدير من شعبة الحزب، أو فرع الحزب، أو من جهات أمنية من خلال علاقاته الخاصة، ولا يحق للوزير أن يعترض أو يحاسب، وما ينطبق على المدراء ينطبق على الوزراء أيضاً، وكما انغمس مدراء في الفساد، انغمس الوزراء أيضاً، لتصبح سلسلة مترابطة!.

الجهاز المركزي للرقابة المالية، والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، يحاسبان المدراء على مكافأة لعامل منتج قيمتها ألف ل.س، أو على هدر في القرطاسية، ولا تستطيع الاقتراب من الفساد الكبير، وإذا اقتربت ترمى تقاريرها في الأدراج، والجهات الأمنية تحاسب العمال إذا تحدث أحدهم عن خلل ما في المؤسسة لأنه يسيء للاقتصاد الوطني، وانطلاقاً من هذا الواقع تشكلت مافيا لنهب الاقتصاد الوطني من خلال القطاع العام بشكل علني ومكشوف.. 

الوقائع تتحدث

تم الاتفاق بين مؤسسة الصناعات الكيمياوية وشركة الأسمدة من جهة، وشركة «لاسكو» اللبنانية على توريد وتركيب وتشغيل معمل متكامل لإنتاج الزجاج المسطح بطريقة التعويم «فلوت»، على أن تلتزم شركة الأسمدة بتسليم «لاسكو» أسمدة من نوع يوريا، وسوبر فوسفات الثلاثي، بقيمة إجمالية تقدر بـ22،473 مليون يورو،

 والمعادل لنسبة /50%/ من قيمة التوريدات الخارجية المبينة بالاعتماد المستندي المحدد في المادة /9/ من العقد.

ووفق محضر الاتفاق في المادة الثالثة يتم تسليم الأسمدة إلى شركة لاسكو بناء على كتاب صادر عن المصرف التجاري السوري، ويتم الاتفاق بين شركة الأسمدة والشركة اللبنانية على البرنامج الزمني للاستجرار والأسعار بما ينسجم مع شروط العقد والاعتماد المستندي، وتقوم مؤسسة الكيميائية بتسديد قيمة الأسمدة المسلمة إلى شركة لاسكو إلى شركة الأسمدة على النحو التالي:

دفعة نقدية بقيمة /150/ مليون ل.س تسدد عند بدء تسليم شركة لاسكو أول دفعة أسمدة.

دفعة نقدية لا تقل عن /700/ مليون ل.س تسدد في بداية عام 2011 بعد تحديد الفوائض الاقتصادية في الشركات التابعة.

أبطال هذه الصفقة المشبوهة كل من وزير الصناعة السابق، مدير المؤسسة، المدير المالي في المؤسسة، مدير عام، الزجاج، مدير شركة الأسمدة.. وألزمت شركة الأسمدة بتسديد مبلغ مليار وخمسمائة وعشرون مليون ل.س على شكل سماد إلى شركة «لاسكو» اللبنانية تسديداً لثمن نصف معمل زجاج دمشق.

هذه الأسمدة قدر سعرها للشركة اللبنانية أقل من سعر المصرف الزراعي وأقل أيضاً من المبيع للقطاع الخاص، والنتائج: خسارة الشركة الأسمدة /600/ مليون ل.س، والمثير أيضاً أن خط الزجاج صيني، ولم يتم إنشاؤه حتى الآن.

جاء في محضر اجتماع عقد في الشركة مع ممثل الشركة اللبنانية وتمت الموافقة عليه من اللجنة الإدارية في شركة الأسمدة بيع كمية /100/ ألف طن أسمدة على مرحلتين وفق الكميات والأسعار التالية:

المرحلة الأولى: كمية /35/ ألف طن سماد يوريا بسعر /11000/ ل.س للطن، علماً أن سعر الكلفة على الشركة /12.213/ ألف ل.س للطن، وكمية /10/ آلاف طن TSP بسعر /14/ ألف ل.س الكلفة /16.591/ ل.س

المرحلة الثانية: كمية /45/ ألف طن سماد يوريا بسعر /11.50/، وكلفة سماد السوبر /18.134/ ألف ل.س للطن.

وكانت الشركة تبيع اليوريا للمصرف بـ/13.5/ ألف ل.س للطن وللقطاع الخاص بـ/15/ ألف ل.س وبيع للشركة اللبنانية اليوريا بـ/11.5/ ألف ل.س علماً أن السوبر أغلى أنواع السماد. فماذا نسمي هذه الصفقة المشبوهة؟! ولماذا لم تتم مساءلة أحد من أبطال هذه الصفقة؟! 

فساد آخر

أجبرت شركة الأسمدة على إقراض معمل زجاج دمشق بمبلغ /800/ مليون ل.س في بداية عام 2008، وحتى تاريخه لم يسدد هذا المبلغ، وبين سيدي العقد رقم /113/ تاريخ 2008 بين الشركة العامة للأسمدة من جهة ومكتب الليث للتجارة والنقل في العراق، يلتزم المكتب بتوريد مائة ألف طن من مادة الكبريت الخام بسعر /390/ يورو للطن الواحد، واتفق على المواصفات، وقيمة العقد بالكامل /39/ مليون يورو، وعقد آخر رقم /50/ لعام 2009 بين شركة الأسمدة وشركة شياركو تلتزم الأخيرة بتوريد كمية /100/ ألف طن متري من مادة الكبريت المحبب، وقد اتفق على المواصفات بالعقد والقيمة الإجمالية للعقد تبلغ /12.50/ مليون يورو على أساس سعر الطن الواحد /125/ يورو.

وعقد آخر رقم /70/ لعام 2010 بين شركة الأسمدة وشركة المتين المساهمة المغفلة في حمص، وبهذا العقد يلتزم المتعهد بتسليم الشركة كمية /13.500/ مليون كيس بولي بروبلين، وتراوحت أسعار الأكياس بين /10 ـ 15 ـ 15.5 ـ 16.40/ ل.س..

المثير هنا أنه تم رفض /22/ ألف طن من العقد الموقع مع مكتب الليث، لأنها مخالفة كلياً للمواصفات، وتم رفع دعوى قضائية من جانب شركة الأسمدة، ووضعت هذه الكمية في العراء مما أدى إلى تلوث نهر العاصي البحيرة والمياه الجوفية، وماتزال الدعوى قائمة على كمية /22/ ألف طن من أصل كمية العقد، وتم قبول بقيمة الكمية علماً تم رفضها أيضاً من اللجنة الفنية ولكن المدير العام وحده وبمفرده وافق عليها.

سعر الطن /390/ يورو والعقد /550/ دولار والسعر وفق النشرة العالمية وبالفترة نفسها 1-16/10/2008. 149-202 دولار.

السعر ثلاثة أضعاف السعر العالمي، وتم قطع الانترنت لعدم معرفة السعر، وقيمة العقد 2.8 مليار ليرة، وتسبب هذا الكبريت بوقف معمل TSP بسبب الشوائب الموجودة في العقد شرط أن تكون نقاوة الكبريت 98 – 100%، وتم قبول نقاوة /92%/ من المدير العام والمدير التجاري، وهذه مخالفة للمواصفات، وبسبب ذلك تعطل معمل TSP، وتوقف عن العمل كلياً، علماً أنه وقبل خمسة أشهر أجريت صيانة، والخسارة مئات الملايين لإصلاح المعمل.

والسؤال: ما هي حاجة الشركة إلى هذا الكبريت؟! وهل المهم توقيع العقود والسمسرة لأن الكبريت مرمي في العراء!!.

هكذا دمرت أكبر شركة إستراتيجية في سورية، ونهبت بالمليارات منذ تأسيسها قبل أكثر من ثلاثة عقود، وفضائح وملفات الفساد في الأسمدة متنوعة بتنوع طموحات العابثين بمقدراتها منذ تأسيسها وحتى تاريخه، وفي مقدمة العابثين بها إدارات ووزارات وأجهزة رقابة ظهرت تقاريرها، وحفظت لقاء رشاوى، وتهديدات وضغوطات، و«لدينا وثائق تدين عشرات المدراء في هذه الشركة».

آخر تعديل على الأربعاء, 12 تشرين1/أكتوير 2016 13:32