رفع الدعم... المبررات.. الانعكاسات.. الحلول (2 - 2)
هل يتناقض الدعم الذي كان يقدم مع نظام السوق الاجتماعي؟
الجواب بالعكس تماماً، إن الدعم هو أحد السياسات التي تستخدمها الدولة للتخفيف من حدة الانعكاسات السلبية لاقتصاد السوق.
إذاً ماهي مبررات رفع الدعم عن المحروقات على الرغم من معرفة انعكاساته الكبيرة والتي سنتطرق إلى أهمها؟
لقد أدى رفع الدعم إلى آثار سلبية كثيرة على مختلف نواحي التنمية:
تآكل الأجور بالنسبة للعاملين خارج سورية مما سيؤدي إلى انخفاض الدافع الذي كان لدى العاملين المتمثل ببعض الادخارات التي تعوض عن بعض المعاناة من سلبيات الغربة، والمعاملة القاسية أحياناً إضافة إلى الحرمان الذي يعيشه العامل من أجل بعض الادخارات.
انسحاب الكثير من أصحاب الأراضي الزراعية وترك أراضيهم لتكبدهم الخسائر نتيجة ارتفاع التكاليف الناتجة عن زيادة أجور النقل وأجور المواد اللازمة للعملية الزراعية.
انعكاسه على الأمن الغذائي الذي كان السند لنا في مواقفنا الوطنية والقومية وفي صمودنا بوجه المخطط الغربي الامبريالي المدعوم من قوى وأنظمة في المنطقة تابعة فمخزون القمح الاستراتيجي تراجع إلى حدود أننا سوف نلجأ إلى استيراد القمح بنوعيه لأول مرة منذ حوالي العقد من الزمن وإنتاج القطن وإنتاج التبغ والشوندر نتيجة عدم تناسب الأسعار المقدمة من الدولة مع التكلفة ومع الأسعار في السوق السوداء أو في الأسواق الخارجية.
إغلاق الكثير من الصناعات نتيجة ارتفاع التكاليف الناجمة عن أجور النقل والإنتاج والعمالة وعدم قدرة الكثير من الصناعات المنافسة في ظل الاتفاقات الموقعة وفي ظل التحرير الشبه الكلي للتجارة.
تناقص وتآكل القوة الشرائية للنقود وبالتالي شبه اندثار للطبقة الوسطى هذه الطبقة الموازنة للمجتمع وأداة التطور وحاملة القيم والأخلاق والمبادئ.
ارتفاع تكاليف السياحة سواء للوافدين أو للسياحة الداخلية.
ارتفاع الأسعار بنسب كبيرة متجاوزة نسبة زيادة الأجور والتي لم يحصل عليها سوى العاملين في القطاع العام والتي كانت طردية مع كبر حجم الرواتب من جهة، ولم ينل القطاع الخاص سوى 10 % للمسجلين في التأمينات الاجتماعية أما الباقي فلم يحصلوا على الزيادة، لعدم وجود قوى تستطيع فرض هذه الزيادة وبالتالي أصبح هناك اختلاف بالتعامل بين القطاعين الخاص والعام وبين من يستطيعون أن يحصلوا على شبه حق من العمالة الخاصة والعمالة المغلوب على أمرها.
ارتفاع أسعار المواد الداخلة في البناء وأجور العاملين في هذا القطاع (الرمل البحري المنقول 35 %، البحص والنحاتة والرمل المطحون 100 % لسببين أجور الطحن والطحن على المازوت وأجور النقل، البلوك 100 %، أجور اليد العاملة حوالي 35 % بسبب البطالة )، مما أدى إلى ارتفاع عال في أسعار البناء مما أدى إلى صعوبة إمكانية استئجار منزل بسبب التكلفة العالية واستحالة اقتناء المسكن بالنسبة للطبقة الوسطى وما دون والتي تشكل حوالي 90 %، وهذا مايكرس ظواهر اجتماعية خطيرة كتأخر سن الزواج والعنوسة وماينتج عنها من أمراض نفسية وجسدية واجتماعية.
الانعكاسات السلبية لارتفاع أجور النقل على مختلف المجالات ومنها: الحراك الاجتماعي: أعباء كبيرة على طلبة المدارس والجامعات وعلى من يؤدون الخدمة الإلزامية، وما لهذا من انعكاسات على التنمية الاجتماعية وعلى الشعور الانتمائي.
انخفاض الفائض بالنسبة للقطاع العام، وازدياد صعوبة إصلاح القطاع العام الصناعي الذي يعاني من نقص سيولة بحيث لايستطيع إعطاء الأجور للعاملين فكيف الآن بعد زيادة الأجور وأسعار الطاقة، وفي حال التناسي المفتعل لتأخير إصلاحه أو إلغاء الفكرة بشكل كامل من أجل بيعه كأراضي استثمارية للقطاع الخاص.
ارتفاع أسعار السلع المحلية مقابل المستوردة وخصوصاً أننا كنا نعتمد على خاصيتي أجور ضعيفة وطاقة ضعيفة، وخاصة في ظل الانفتاح الحاصل في التجارة الخارجية ونتيجة الاتفاقات الموقعة مع البلدان الأخرى.
ارتفاع تكاليف الاستثمارات نتيجة غلاء الأسعار وخاصة مواد البناء وغلاء أجور العاملين، هذه الاستثمارات التي تعاني من نقص شديد وما لهذا من انعكاس على عدم إمكانية حل مشكلة البطالة وغيرها.
عدم العدالة في توزيع البطاقات التي تعطي لكل أسرة 1000 ليتر بسعر 9 ل.س بمعزل عن عدد أفراد الأسرة وبمعزل عن الوضع المناخي للمكان الذي تعيش به، إضافة إلى تكوين ثروات للمئات نتيجة المتاجرة ببيع وشراء هذه البطاقات، نتيجة الإغراءات المالية، هذا البيع الذي سيؤدي إلى تخفيض الاستهلاك القسري في الشتاء القادم نتيجة تكلفة المحروقات.
استمرار الكساد وبقوة نتيجة سحب الأموال الناجمة عن فرق الأسعار من التداول في السوق وعدم ضخه من جديد، وهنا نبين أن وزير المالية في أحد التصريحات قال بضرورة تسنيد العجز وعدم الاعتماد على الأموال الناجمة عن رفع الدعم، إن هذا التسنيد سيؤدي إلى كوارث من حيث اشتداد الكساد وما ينجم عنه من عواقب اقتصادية واجتماعية.
وهنا نقول:
هناك من يدرس ويبحث سنوات قبل أن يصدر القرار الذي يتواقت مع جميع الحلول والعلاجات لكل المشاكل الناجمة عن القرار خلال فترة قصيرة ومنها الإدارة اليابانية والأوروبية.
وهناك من يأخذ القرار دون أية دراسة عميقة ودون مقارنة مع البدائل المتاحة، لإرضاء معرفته ومبادئه ذات الاتجاه الواحد، أو لإرضاء قوى معينة. وهنا لايهمهم إلا اتخاذ القرار ويبقى «الشقا على من بقى».
وهنا نسأل فريقنا الاقتصادي إلى أية فئة من الفئات السابقة ينتمي في اتخاذ قراراته؟
لقد اتخذ القرار ولاينفع البكاء على الميت، فالمهم الآن كيفية تجاوز الآثار السلبية، فالمرحلة الحالية تقتضي إصلاح الانعكاسات السلبية للقرار الأول ضمن رؤية واقعية من ناحية تشخيص المشكلات ووضع الحلول، هذه المرحلة التي تستغرق فترة زمنية ممتدة لعدة سنوات بحال وجود كوادر مؤهلة ومدربة مؤمنة بالعمل من أجل العلاج وفق الإمكانات الموجودة، وبما يراعي الخصوصية السورية، وبإشراك جميع الكفاءات والموارد العامة والخاصة، وذلك من خلال:
الاهتمام بالبيانات والمعطيات الإحصائية من أجل معرفة حجم المشكلة بدقة لوضع العلاجات المطلوبة.
تحسين مستوى المعيشي للمواطنين عن طريق زيادة الرواتب والأجور.
تحسين جودة الخدمات التعليمية والصحية وخصوصاً في ضوء تقرير التنافسية والذي أنخفض ترتيب سورية فيه من 96 إلى 104، مع العلم أن من أهم أهداف نظام السوق الاجتماعي هو الاهتمام بالتعليم والصحة.
التصدي لمشكلة البطالة والفقر مع العمل على إنشاء صناديق اجتماعية هدفها التخفيف من البطالة والحد من الفقر.
الاهتمام بجودة المنتج الصناعي والسياحي من أجل المنافسة مع المنتجات الأجنبية والاستفادة من المزايا التي تتمتع بها سورية من مناظر طبيعية ومناخ معتدل وأماكن آثرية ودينية.
تشكيل لجنة جديدة ومحايدة ذات صلاحية واسعة من أجل دراسة الواقع العام الصناعي ووضع الحلول والمقترحات لإصلاحه أو الجدوى الاقتصادية للاستفادة منه في حال تعذر إصلاح إحدى الشركات.
دراسة واقع الزراعة دراسة دقيقة للوصول إلى التكلفة الحقيقية للمحاصيل وخاصة الإستراتيجية من اجل وضع الأسعار التي تكون عادلة للبلد وللمزارع.
دراسة الانعكاسات الناجمة من رفع الدعم على الصناعة الخاصة، والمساعدة على تجاوز الصعوبات قدر الإمكان.
مكافحة جادة وقوية للفساد والإفساد، وتنظيم مانستطيع من القطاع غير المنظم، ومكافحة التهرب الضريبي.
مراجعة شاملة للضرائب والرسوم التي فرضت والتي أثقلت كاهل المواطنين عبر ضغط ضريبي غير عادل.
* أستاذ محاضر في كلية الاقتصاد من جامعة تشرين