الانطلاق من الضرورات هو أساس النمو
بين وزير المالية د. محمد الحسين بأنه يدعو للانطلاق من الضرورة وليس من الإيراد في الخطة الخمسية الحادية عشرة القادمة، وأكد أنه من أنصار إعداد الخطة على أساس احتياجات الاقتصاد الوطني والمجتمع السوري، وليس على أساس الإيرادات المقدرة، ومن مدخل احتياجات الاقتصاد والمجتمع السوريين وليس من مدخل حجم الإيرادات المقدرة، وبما ينعكس إيجابياً على اقتصادنا الوطني وحياة أبناء شعبنا.
ومما لاشك فيه أن مثل هذا التوجه إن أعتمد كأساس منهجي للخطة القادمة سيكون الممهد الأول لنجاحها, ومع موافقتنا الكاملة لهذا التوجه الهام, فلابد قبل تنفيذها من أن تجيب على التساؤلات المشروعة التالية:
1- الضرورة تعني محاربة الفقر والبطالة، وكنا قد بيّنا سابقاً خلال تقييمنا لنتائج الخطة العاشرة والفشل الذريع في تنفيذ أهدافها، بأنه كان المطلوب الوصول بالحد الأدنى للفقر من 11% إلى 8%، والحد الأعلى من 30% إلى 24%.. لكن الذي تحقق هو العكس.. وإن عدم إدراج هدف محاربة الفقر ضمن تحديات الخطة الخمسية الحادية عشرة يعتبر خطأً منهجياً، ينسف من حيث المبدأ مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي ويحوله في الممارسة إلى اقتصاد سوق بحت، منفلت ومتوحش..
2- هذه الضرورة هل ستؤدي إلى ارتفاع أرقام النمو الحقيقية في اقتصادنا؟ فمن المعروف أن اقتصادنا يحتاج إلى استثمارات لا تقل عن 30% - 40% من الناتج المحلي سنوياً حتى يستطيع امتصاص الوافدين الجدد إلى سوق العمل وامتصاص جزء من البطالة التراكمية الحاصلة، وهذا الأمر يستدعي ضرورة إيجاد الإيرادات الضرورية لتوظيفها في استثمارات حقيقية تؤدي بنهاية المطاف إلى توفر مختلف السلع لحد إشباع جماهير المستهلكين، وهذا لن يتم إلا من خلال الاستثمار في القطاعات الإنتاجية الحقيقية، وإلزام القطاع الخاص بتأدية ما يترتب عليه من ضرائب ورسوم حقيقية على أرباحه وإنهاء التهرب الضريبي الذي يسمه، والاعتماد على الذات في تأمين تلك الإيرادات الضرورية للتوظيف وعدم اللجوء للقروض الخارجية وشروطها المجحفة وعدم انتظار مجيء الاستثمارات الخارجية التي لن تأتي بفضل قوى الهيمنة العالمية.. إنه بدون أدنى شك انتظار للأبد.
3- هذه الضرورة يجب أن تؤدي إلى حل الخلل بين الأجور والإرباح: إن ميل معدل الاستهلاك للارتفاع في أي بلد يعبر عن تلك العدالة في توزيع الدخل الوطني وبدون رفع معدل الاستهلاك يصبح أي مبلغ يضخ في الاستثمار غير ذي جدوى. ومما لا شك فيه أن نسبة الأجور من الدخل الوطني يجب ألا تقل عن 40 % منه، بينما هي في ظروفنا تدور حول 15% و20%، كما لابد من ربط الأجور بالأسعار لأن التضخم الجاري يأكل نسبة كبيرة من الأجور.
4- هذه الضرورة يجب أن تؤدي لرفع القدرة التنافسية للاقتصاد السوري بقطاعاته الإنتاجية، وحتى تستطيع الدولة ممارسة دورها في تحفيز ونمو الاقتصاد خصوصاً في الزراعة والصناعة وجعل المنتج السوري فيهما منافسا للمستورد، لابد من استمرار الدولة في دعم هذين القطاعيين وعدم فرض ضرائب جديدة لا ضرورة لها، والسعي لاستيراد التكنولوجيا المتقدمة من الدول التي يمكن أن تقدمها لنا، والتوقف عن تصدير المواد الخام والسعي لتصدير السلع المصنعة ونصف المصنعة كالقطن والنفط والأعشاب الطبية على سبيل المثال وجعل عائدية الاستثمارات فيها لا يقل عن 50%.
5- الضرورة تعني ازدياد دور الدولة في إدارة الاقتصاد، مما يتطلب دوراً فعالاً ذكياً للدولة..
6- الضرورة تقتضي ازدياد الثروة الوطنية المتراكمة من الناحيتين العينية والنقدية، وحتى تستطيع الخطة أن تؤدي دورها في هذا المجال لابد أولا من ضرورة الحفاظ على ملكية الدولة للقطاع العام والابتعاد كليا عن فكرة خصخصته، وإبقاء يد الدولة على البنية التحتية ورصد الاعتمادات اللازمة من أجل تطويرها وتوسيعها وتمكينها من تقديم أفضل الخدمات لسائر الجماهير الشعبية.
أخيرا نكرر موافقتنا وتقييمنا الايجابي لهذا الطرح ذلك أن ارتقاء الإجراءات الحكومية وخاصة المالية منها بالنسبة للوضع الاقتصادي إلى مستوى الضرورات التي يفرضها منطق الدفاع عن الاقتصاد الوطني أمر مطلوب وهام، وإن دوراً جديداً للدولة تنموياً عقلانياً ومنفتحاً على المجتمع هو الضمانة الوحيدة لكسر حلقة المشكلات الكبيرة التي نواجهها من نهب وبطالة وتدهور لمستوى معيشة الشعب ونمو منخفض يكاد يتحول إلى اللا نمو..