عشية الاستعداد لاستقبال رمضان: هموم وشجون كبيرة
لا يكاد شهر أيلول يذكر حتى يلزم المواطن السوري بالهم والحيرة، فهو شهر الهم المعيشي بامتياز، حيث (المونة) السنوية وتخزين ما يلزم لمواجهة الشتاء وأيامه، الباردة بلياليها، القاسية بمتطلباتها، فمع مؤونة الطعام، تأتي مؤونة المازوت، ومتطلبات المدارس من لباس وكتب وقرطاسية متنوعة، مع ملاحظة الحالة المعيشية المتردية التي وصل إليها الموطن السوري، من فقر وقلة، وانعدام القدرة على مماشاة السوق وحركتها اليومية.
كل ذلك هو نتيجة للانفلات العام الذي أوصلتنا إليه السياسات الليبرالية المتوحشة للحكومة، التي وضعت مصلحة المواطن وهمّه وراء ظهرها، وعملت على «تحرير» كل شيء من مراقبتها واهتمامها، وقتلت هامش الأمان والأمن الغذائي والاقتصادي، بعدما كنا نتمتع باقتصاد متماسك، بسبب الديون المنخفضة والاحتياطات الكبيرة من العملات، والإنتاج الوفير من النفط، كل ذلك تم القضاء عليه بسياسة مقصودة وأساليب مبتكرة، قد تكون ساهمت بتوفير البضائع المختلفة والمتنوعة على رفوف المخازن، ولكن مع فراغ تام في جيوب المواطن، وانعدامٍ كامل لقدرته الشرائية، فبات مجرد متفرج على الواجهات، تقتله الحسرة وخيبة الأمل، لعدم قدرته على الحصول على ما يريد ويشتهي.
هذا هو الحال العام للمعيشة اليومية لمواطننا، فكيف إذا ترافق الشهر التمويني مع المصاريف الإضافية التي يفرضها قدوم شهر رمضان، الذي يقال عنه شهر الخير والإحسان، شهر التآلف والتراحم، الذي ينتظره تجارنا لينقضوا على ما ادخرناه «لرمضان» طيلة العام، فيزيدون انفلات الأسعار وحشية وجشعاً، فلا حارس لأسواقنا، ولا رقيب لأسعارنا، وكل له قانونه وأسعاره، والضحية هو المواطن الذي تُرِك لمواجهة السوق المتوحشة وحيداً، يتعرض لكل أساليب الاحتكار وتحكم التجار، وغياب الرقيب وإحجام الدولة عن التدخل الإيجابي، والاكتفاء بسلبية دور المتفرج، ما خلق الفوضى والاحتكار، وانتشار قانون الأقوى، القانون الذي يمسك عليك لقمة عيشك.
وقد اعتاد المواطن السوري، أن يشهد مطلع شهر رمضان قفزات نوعية في أسعار جميع المواد الاستهلاكية والغذائية، وصولاً إلى الأقمشة والبضائع الأخرى، وهذا نتيجة منطقية لسياسة تحرير الأسواق وتحرير التجارة، التي تنتهجها حكومتنا الليبرالية، بمباركة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
إن المواطن السوري يتحمل فوق طاقته من شظف العيش، بدون هذه القفزات في الأسعار، فماذا سيحل به مع هذا الجحيم الذي ينتظره، والحكومة قد سحبت يدها من مراقبة الأسواق والأسعار؟!
نماذج من السوق السورية عشية استعداد الناس لاستقبال رمضان
إن كان لنا حق المقارنة بين أسعار ما قبل رمضان الذي سيطرق بابنا بعد أيام معدودة، وأسعار ما قبل رمضان الماضي، يتبين لنا حتماً الفارق الكبير والزيادة الفاحشة، التي وصلت إلى 60 - 65 %، وقد تصل في أسعار بعض المواد إلى 100 %، وخاصة بعد رفع الدعم عن المازوت، فأخذت الأسواق السورية تتجه نحو جحيم الغلاء، الذي رافقه فتور في حركة التسوق، فبات المواطن يحسب ألف حساب قبل الإقدام على شراء أية سعلة، مهما كانت ضرورية لاحتياجات بيته وعائلته.
قامت «قاسيون» باستطلاع آراء بعض المواطنين من مستهلكين وصغار كسبة وتجار مفرق،
وكذلك أصحاب محلات البقالة الصغيرة، أو بسطات الألبسة أو الخضار، فكان لنا استشفاف الآراء التالية:
ـ مواطن له أربع بنات متزوجات قال: «من طقوس رمضان أن تجتمع الأسرة بكل أفرادها وأنسبائها، حيث تكبر العزائم والدعوات، ولابد من طاولة طعام منوعة، ووجبة رئيسية، بالإضافة إلى المقبلات المتنوعة والمشروبات المرطبة، من أين سيأتي المواطن السوري بوجبة واحدة مثل هذه من وجبات رمضان، مع هكذا أسعار وتفاقم غلاء؟! والحكومة تتفرج، لا تراقب أحداً ولا تضع ضوابط، وعادة مع بداية رمضان سيكون هناك جنون آخر في الأسعار، خاص بهذا الشهر، الله يتلطف بنا».
ـ مواطن آخر قال: «في العادة، أنا شخصياً لا أحمل هم رمضان، ولكنه في هذه السنة ملازمٌ لشهر هموم المؤونة والمدارس والمازوت، فإضافة إلى الضربات المعتادة التي توجع رأس المواطن وتفرغ جيوبه، تأتي معها هذه السنة أسعار المواد الاستهلاكية التي ترتفع في رمضان لتقصم ظهرنا، نتمنى من التجار الذين يتحكمون بلقمة عيشنا، أن تأخذ بقلوبهم الرحمة والشفقة، في هذا الشهر الرحيم، فنحن نعرف أن الحكومة لن تحرك ساكناً لردع تفاقم الأسعار».
وترى الناس سُكارى وما هم بسكارى
ـ أصحاب محلات البقالة الصغيرة والبسطات المتنوعة، من ألبسة أو خضار، كان لهم أراء متشابهة، حيث قالوا: «ترى حركة الناس في الشوارع، عشية استعدادهم لاستقبال رمضان، حركة ضعيفة، يسودها القلق والتوجس، يتوقفون أمام البضائع المعروضة أو واجهات المحلات، بذهول وحيرة، ولكنهم لا يشترون، وكذلك حركة التسوق في سوق الهال، فهي أقل من المعتاد بكثير، هناك شيء من اليأس والاستياء في نفوس البشر، نحن نطالب الدولة أن تتدخل لوضع ضوابط للأسعار عند تجار الجملة، فنحن محكومون بأسعار التجار التي سنعكسها على المستهلك، ولا نريد أن يكون المواطن ضحية الجشع والاستغلال والاحتكار.
إن بناء الوطن وحفظ كرامة مواطنيه، المسؤولية الأولى للحكومة، صاحبة القرارات والقوانين، والمطلوب اليوم هو سياسة تؤمن أجوراً لمواطنيها، متقاربة مع تكاليف السلة المعيشية اليومية، وذات قدرة شرائية تؤمن كرامة المواطن وعيشه الآمن.