د. نبيل مرزوق لـ«قاسيون»: العجز هو انعكاس لفشل السياسات المالية والاقتصادية المتبعة

تعد قضية عجز الموازنة العامة من القضايا الجوهرية التي أثارت اهتمام الباحثين في الكثير من الدول، والتي يشكل ارتفاعها واستمرارها من عام لآخر عبئاً ثقيلاً على أي الاقتصاد، ومبرراً حكومياً للهروب من تنفيذ مهامها الاجتماعية والاقتصادية، ففي الوقت الذي تسمح دول الاتحاد الأوروبي بعجز لا يتجاوز 3■ من إجمالي الناتج المحلي، وذلك طبقاً لمعاهدة «ماسترخت» الخاصة باستقرار العملة الأوروبية (اليورو)، والتي دخلت حيز التنفيذ في العام 1993، فإن العجز في سورية شكل 8,5% في العام 2008، وكان بحدود 9,1% في العام 2009، ومن المتوقع أن يكون حوالي 7% حسب تقديرات العام 2010، وهذا كله مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي. لذلك، وأمام هذا العجز المتفاقم عاماً بعد عام، كان لا بد من الوقوف على الأسباب الفعلية والحقيقية لاستفحال هذا العجز، وللإضاءة أكثر على هذا الموضوع أجرت جريدة قاسيون لقاء مع الباحث الاقتصادي الدكتور نبيل مرزوق للوقوف على مستقبل هذا العجز والحلول التي يتوجب اتباعها للتخفيف منه إلى الحدود المسموح  بها اقتصادياً.

 ما أسباب العجز؟
ما هو العجز في الموازنة العامة؟! وما هي الأسباب التي أدت إلى تطوره ونموه الكبير خلال أعوام قصيرة؟!!
هناك عجز ظاهري في الموازنة يقدر بـ/45.500/ مليار ليرة سورية، وعجز فعلي يبلغ حوالي /222/ مليار ليرة، والذي يشكل /29%/ من إجمالي الموازنة، والسبب الرئيسي لهذا العجز هو قصور الإيرادات التي لم تنمُ بشكل كاف خلال الفترة الماضية، مما أدى إلى تحميل الموازنة هذا العجز، ولكن لا بد من التأكيد على مجموعة من الأسباب التي تقف وراء هذا العجز وهي: ضعف الموارد الناجم عن ضعف أداء النظام الضريبي، ووجود تهرب ضريبي كبير، وإعفاءات ضريبية، إضافة إلى الفساد الذي يؤدي لضياع أموال الدولة بشكل عام، هذا كله أدى لمحدودية الموارد، في الوقت الذي تكبر فيه مسؤولية الدولة حالياً وخلال الفترة القادمة.
يقال إن العجز الفعلي أقل مما هو معلن، فهل تضخيم العجز هو لتبرير عملية إلغاء الدعم التي تجري حالياً؟!
العجز الفعلي أكبر وليس أقل، لأن الديون الخارجية هي عجز، والسحب من الاحتياطي هو عجز أيضاً، فبذلك نصل إلى إجمالي عجز يقارب /222/ مليار من إجمالي الموازنة العامة للدولة.
من يتحمل مسؤولية ذلك؟!
تكمن المشكلة في القطاع العام الذي لا يحقق فوائض وإيرادات في قسم منه، وهو مخسّر، ويحرم بالتالي الدولة من الإيرادات، لأننا أحياناً نعطي للقطاع العام إيرادات بدل أن نأخذ، كما أن المصافي تعاني من عجز أيضاً، كذلك المؤسسات الإنتاجية حيث يعاني العديد منها الخسارة.
الفساد واقتصاد الظل
ألا يتحمل الفساد واقتصاد الظل وكبر حجم القطاع الاقتصادي غير النظامي مسؤولية  عجز الموازنة العامة؟!؟!
الفساد سبب هام في تقلص الإيرادات الجمركية، وإيرادات العديد من الخدمات العامة والمرافق، والفساد يحجب الكثير من الموارد عن الموازنة، لكن الاقتصاد غير المنظم هو أمر طبيعي في أي اقتصاد في العالم، وينتظم وفق آلية اقتصادية بحتة، لأنه ينشأ ويتطور نتيجة عوامل عدة أهمها العامل الاقتصادي والمتمثل بضعف الاستثمارات، وضعف النمو، وعدم توفر فرص عمل في الاقتصاد المنظم، وهذه العوامل هي التي تؤدي لنشوء هذا القطاع وتوسعه، ولكن لا يمكن إجبار الناس على جعل هذا القطاع منظماً، وإنما يتطور القطاع حتى يصبح منظماً إذا ما أتيحت له فرص النمو والتطور، ولعبت الدولة دوراً جدياً في تطويره ونموه، وعندها فقط يستطيع توريد ضرائب للدولة.
يحاول دعاة الليبرالية دائماً تصوير المصروفات والنفقات العامة، (الأجور ، التعليم، الصحة، مياه الشرب والصرف الصحي، الدعم) كإحدى أسباب العجز.. ما رأيك بذلك؟
الدور الذي تقوم به الدولة في مجالي التعليم والصحة يتم وفق الدستور والقانون الأساسي في البلاد، وبالتالي فهو واجب يجب على الدولة القيام به، وما يحكى لن يغير بتقديري هذا الدور، والسؤال الذي لا بد من طرحه: إذا لم تسأل الدول عن هذه القطاعات فعن ماذا ستسأل إذاً؟! لأن هذا يجردها من أي دور أو وظيفة في النتيجة!!
يقال إن العجز في الموازنة العامة ما هو إلا نتيجة واضحة لسوء الأداء الاقتصادي.. ما مدى واقعية هذه المقولة؟!
العجز هو انعكاس لفشل السياسات المالية والاقتصادية المتبعة، وهذا مؤشر واضح، فالعجز قائم، لأن النفط كان يؤمن موارد كبيرة لكنه تراجع نسبياً، وبعض المؤسسات كذلك الأمر، كما أن الإيرادات الضريبية لم تنمُ إلا بشكل طفيف، وظلت دون المستوى المطلوب، ولكن لا يعني هذا المطالبة بالبحث عن ضريبة جديدة، بل لابد من تحصيل الضرائب من القطاعات المتهربة أو من سواها الحاصلة على إعفاءات، وبذلك ترفع الإيرادات.
هل دخل عجز الموازنة في سورية مرحلة الخطر، وأضحى إحدى سمات أي موازنة عامة في سورية؟!!
الحكومة هي التي يجب أن تقرر درجة الخطورة بالنسبة لها، فهناك حكومات تتقبل عجزاً أكبر من ذلك، وحكومات تكون حريصة على عدم تزايد العجز، لذلك الحديث عن إعلان الخطر هو مجرد أمنية!!
مثّل العجز خلال عامي 2008، 2009، ئلث الموازنة العامة، كما يقدر بربعها في العام 2010، ألا يعتبر ذلك مؤشراً خطراً مقارنة بنسب التضخم العالمية؟!
الموازنة تعكس في هذه الحالة التوازنات الاقتصادية الكلية، وهذا العجز يعني أن هناك خللاً في التوازنات الكلية، وفي توزيع الدخل، وهذا يفرض على أي حكومة أن تقوم بمعالجة الوضع الذي وصلت إليه، لأنه وضع غير سليم، ولابد من مواجهته بأسرع وقت ممكن.
كيف نمول عجز الموازنة العامة؟!
التمويل يتم بعدة طرق، ويعد مشروع السندات الحكومية الذي سيطرح من جديد على الجمهور إحداها، لكن الأهم أن تفادي هذا العجز، والقضاء عليه، يتم من خلال تنمية الموارد، وإيجاد أماكن ضريبية جديدة، وتحسين أداء النظام المالي، وتنمية الموارد الذاتية للحكومة من القطاع العام وتطويره وجعله رابحاً، وهذا لا يكون إلا بمكافحة الفساد بشكل كامل، كما أنه يجب النظر إلى العجز من الوجهة الكلية المرتبطة بالنمو الاقتصادي، وتحسين الإنتاجية، وازدياد دخول المواطنين، وعندها فقط نحصل على نظام ضريبي أفضل يعطي نتائج أفضل.

إعداد وحوار حسان منجة