ليكن الاستهلاك الحقيقي والاستثمار المدروس محركي عجلة الاقتصاد السوري
في أولى محاضرات ندوة الثلاثاء الاقتصادية الـ23 التي افتتحها رئيس هيئة تخطيط الدولة (حينها) د. تيسير الرداوي، أوضح أن محرك الاقتصاد السوري هو الاستهلاك وليس الاستثمار،
وأشار إلى أن سورية تشهد اليوم ثورة ديمغرافية حدثت بسبب التزايد السكاني المرتفع خلال الخمس عشرة سنة الماضية، وأن الفجوة الديمغرافية هي سبب أساسي وضاغط لارتفاع معدلات البطالة.
وهنا لدينا بعض الملاحظات على الخطة القادمة ارتأينا ضرورة عرضها لأن المثل الشعبي القائل (المكتوب مبين من عنوانه) ينطبق عليها وهي:
أولاً: مما لا شك فيه أنه يجري اختراع مسميات هدفها التغطية والإيهام بأن الهدف من اقتصاد السوق الاجتماعي هو تلبية الحاجات المتزايدة للمجتمع السوري عبر رفع نسب النمو وتحسين الحالة المعيشية للمواطن، ولكن الواقع المعاش يقول عكس ذلك، فبنظرة سريعة لنتائج الخطة الخمسية الماضية نرى أن نسبة البطالة لم تنخفض، بل ازدادت عما كانت عليه، كما أن نسب التضخم أيضا مالت للارتفاع بدلا من انخفاضها، وبشكل عام ازدادت فيها نسبة الإفقار بدلاً من تحسين مستوى المعيشة، فلماذا آل تنفيذ هذه الخطة إلى هذه النتائج التي أقل ما يقال عنها بأنها كارثية على الوطن والمواطن؟ وهل سيضطر المواطن إلى الانتظار خمس سنوات أخرى كي تنعكس عليه نسب النمو المحققة بحدها الأدنى؟ ومن يدري، فربما جاءت نتائج الخطة الخمسية الحادية عشرة بسنواتها الخمس أيضا مخيبة للآمال كسابقتها أو أكثر، مما يعني انتظار الشعب السوري وشرائحه الفقيرة لمدة عشر سنوات أخرى.. وهكذا دواليك!!.
ثانياً: مهما كانت الخطط صحيحة وناجعة، فإن التنفيذ الخاطئ وغير المدروس لها، يوصلنا إلى الفشل الكامل، وهذا يعتمد على مقدار الفساد الذي يشوب التنفيذ، فكلما ازداد كان الفشل أكبر، وكلما نقص حققنا نذرا يسيراً من الأهداف المعلنة للخطة، بمعنى أنه إذا لم نضرب الفساد فلا مستقبل لأية خطة، وسيبقى حال المواطن في تراجع وترد مستمرين.
ثالثاً: إن الحديث على أن الاستهلاك وليس الاستثمار هو محرك الاقتصاد السوري في المرحلة القادمة، وهما في واقع الأمر وجهان لعملة واحدة، فهذا تناقض جلف بين ما تريده الخطة القادمة وبين نتائج الخطة السابقة، ذلك أن اعتبار الاستهلاك بأنه محرك الاقتصاد يعني تفضيله على الاستثمار دون أن نوجد الأسس الفعلية والعملية التي تجعل من الاستهلاك محركاً فعلياً. والكل يعرف أهمية الاستهلاك في البنيان الاقتصادي وفي تحريك عجلة الاقتصاد، ويبدو أنه حق يراد به باطل لأن العلاقة بين الاستهلاك ومستوى الدخل علاقة راسخة، فحصة الاستهلاك بالنسبة إلى حجم الدخل تزداد على حصة الادخار (الاستثمار) كلما انخفض المستوى العام للدخل، ولكن الاستهلاك في حالة انخفاض المستوى العام للدخل يذهب جله إلى استهلاك الطعام الذي مهما عظم لن يشكل الدافع المحرك لعجلة الاقتصاد. وأما الاستثمار فإنه لا يقل أهمية عنه، فهو الذي يخلق فرص عمل جديدة، وهو بالتالي يرفع معدل الاستهلاك الكامل، ويحرك عجلة الاقتصاد نظرياً، خصوصا إذا علمنا بأن نسبة الإنفاق الحكومي في سورية لا تتجاوز 30% من إجمالي الناتج المحلي، وهي نسبة متدنية، فلابد من رصد الأموال والاعتمادات الكافية وضخها في جسم الاقتصاد السوري، خصوصا على القطاع العام كقائد أساسي لعجلة النمو دون النظر لمساهمات القطاع الخاص الذي يجبن دائماً عن الاستثمار في الصناعات المتوسطة والثقيلة، وبهدفه للربح لا يستثمر إلا في الصناعات الخفيفة ذات المردود السريع أو في القطاعات الخدمية التي لا تلعب دوراً هاما في زيادة الإنتاج ورفع نسب نمو الاقتصاد.
رابعاً: إن ما يصح على البلدان المتقدمة الغنية قد لا يصح على بلدٍ مثل بلدنا، بسب تدني مستوى الدخل ووجود نقص في رؤوس الأموال الفائضة والقابلة للاستثمار. إننا بالمحصلة نعتمد على تأمين سلعنا، سواء تلك التي تدخل في الرأسمال الثابت، أي الآلات والسلع الصناعية الأخرى على استيرادها من الخارج، وهو استهلاك واعتبار ذلك نمواً في الاستهلاك اعتبار خاطئ، لأن الاستهلاك هنا سيكون محركاً لاقتصاد الدول الموردة لهذه السلع، ولن يولد نشاطاً في عجلة اقتصادنا أو يفيده قيد أنملة، كما أن بقاء نسبة الأجور (الاستهلاك) إلى نسبة الربح (الاستثمار)، 25% تقريباً للأجور و75% للأرباح، وهي نسبة متدنية لا تسمح لا للاستهلاك ولا للاستثمار بالنمو إطلاقاً. إن زيادة الدخل وتوزيعه بشكل عادل اجتماعياً وردم الهوة بين الأجور والأرباح بحيث يشعر المواطن بانعكاس مستوى النمو الحاصل، أمر مهم وأساسي، أضف إلى ذلك ضرورة الاعتماد على الذات وتخفيف الاعتماد على القروض الخارجية ورفع وتيرة الضريبة المباشرة على أرباح شركات القطاع الخاص أمر لابد منه لنجاح أية خطة.
خامساً: إن التذرع بنسبة الزيادة السكانية في سورية كونها من أعلى النسب في العالم أمر مردود على من يردده، فلو كانت نسبة الزيادة هي السبب لعانت الصين والهند أكثر بكثير منا، فإن لم نلحظ نسبة نمو عالية بشكل سنوي فإن السوريين سيبقون يعانون من تدني مستوى حياتهم المعيشية ولو توقفوا نصف قرن عن الإنجاب.
وأخير ا نقول: إن التغاضي عن هذه الملاحظات سيؤدي إلى أمر واحد متكرر ألا وهو ازدياد الأغنياء غنى والفقراء فقرا وعدداً.