فوائد هامة للأزمة المالية العالمية!! (2 - 2)

هل ستكون الأزمة المالية العالمية بمثابة درس للراكضين وراء تنفيذ الإملاءات أو التقليد الأعمى بمعزل عن الخصوصية التي يتمتع بها بلدنا، رغم أنها أدت إلى الكثير من عدم الاستقرار، وانعكست سلباً على المواطن وعلى إيرادات الدولة؟

هل ستكون هذه الأزمة سبباً في نسيان فكرة الخصخصة أو تخسير القطاع العام الذي كان ولا يزال الموازن لاستقرار وتطور المجتمع؟

هل اقتنع هؤلاء أن دور الدولة وتدخلها أمر إيجابي لابد منه ضمن شروط وضوابط تمليها السياسات العامة الاقتصادية والاجتماعية؟

هل وصل هؤلاء إلى أن المنافسة هي الأساس في التطور الاقتصادي، والحجم الذي يجب أن يصله كل من القطاعين العام والخاص والمشترك، وبالتالي التعددية الاقتصادية لا بد منها في ظروف طبيعية واقتصادية، ومنافسة عادلة لا تقوم على إلغاء أو إقصاء الآخر من أجل الاستمرار؟؟

إن التنمية الحقيقية تنمية تشاركية يقوم بها كل من القطاعين العام والخاص وفق رؤية البقاء والاستمرار للأصلح، انطلاقاً من مناخات طبيعية تنافسية.

لم تتبلور رؤية صحيحة حول الأزمة حتى الآن، وليس واضحاً إن كان سينجم عنها إعادة تكوين لنهج اقتصادي إمبريالي عالمي جديد وفق رؤية جديدة لاحتكارات وقوى عالمية جديدة في مرحلة جديدة، أم لا، وقد لا يهمنا كثيراً ماهية مقتضيات المصلحة الجديدة لقيادة العالم، وماهية المؤسسات المالية والاقتصادية والسياسية الجديدة التي ستعتمد عليها، ولكن المهم أن الظروف الدولية السياسية والاقتصادية الضاغطة تمر بحالة من عدم التوازن الآني، وإن كان هناك حكمة في تجاوز المطبات الكثيرة الماضية عن طريق مؤسسات وقوى وطنية ذات تجربة كبيرة وذات فكر متجذر متجدد ونظرة موضوعية، وذات تصرفات رزينة مضبوطة، فإن المرحلة المقبلة أدق وأسهل للسير قدماً نحو إستراتيجية وطنية شعبية قادرة على البناء القوي والمتين العادل، الذي يعتمد على رفض التقليد في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وعلى عدم الاقتناع إلا بتلك السياسات التي ترسخ وحدة الوطن وقوة المواطن، تلك السياسات التي تنطلق من مبادئ وأهداف لا تحابي أحداً إلا الوطن، والتي تكون انعكاساتها ذات أثر إيجابي يحقق السياسات الكلية للبلد.

وبالتالي فإنه يجب العودة إلى تنفيذ الإطار العام الذي انطلق منه حزب البعث كإطار نظري واقعي وهادف، ألا وهو اقتصاد السوق الاجتماعي والذي يمثل بعد نظر، ولكن يجب أن نعود إلى النظام بحذافيره، وألا ننسى الجزء الاجتماعي، وأن نطبق الجانب الاقتصادي على أكمله، فنحارب الاحتكار والبيروقراطية والفساد، ونركز على المالي، ونتصالح مع القطاع العام، ونعمل بجد لإعادة الاعتبار إلى هذا القطاع الذي ظلم كثيراً على الرغم مما قدمه ويقدمه وسيقدمه في ضوء قلة الإيرادات وقلة التوظيفات، وإعادة الاعتبار لدور الدولة حيث ثبت أن هذا الدور هام جداً، وكذلك إعادة النظر بالسياسة الضريبية والضغط الكبير الذي أثقل به كاهل هذا المواطن، ونسيان التسرع في سياسة رفع الدعم، لأن أية سياسة مالية أو اقتصادية يجب أن ترى الانعكاسات السلبية على المواطن وعلى الوطن، ومواجهة الأقلام التي تمهد لرفع الدعم عن الخبز والذي يعد خطاً أحمر، وعن الكهرباء والمياه والتي قبل رفع الدعم عنها يعجز أغلب المواطنين عن دفع قيمها، وتوصيف المشاكل بوقائعها. فإذا كان صندوق الدين العام قد التهم أموال التأمينات، علينا ألا نفكر بتقليص راتب التقاعد للمواطن الذي بالكاد يكفيه، وإنما نبحث عن الأسباب الحقيقية ونعالجها، ونؤسس صناديق الضمان الاجتماعي التي تخفف من انعكاسات الأمراض الاجتماعية كالبطالة والفقر.

كما يجب الالتفات إلى سياسات اقتصادية واجتماعية قادرة على النمو المستمر والتنمية المتواصلة، ومنها سياسات إدارية ورقابية تستطيع تحصيل التهرب الضريبي البالغ 200 مليار ليرة نقلاً عن أحد الوزراء، أو تنظيم القطاع غير المنظم، ومكافحة الفساد والإفساد والذي إذا أردنا أن نلاحظ جزءاً منه، فما علينا إلا مراقبة من يعمل في المالية والجمارك، أو المحاسبة قبل الولوج للوظيفة وبعد الخروج منها، ونعيد النظر بالأساليب الكفيلة بحماية الصناعات والزراعات الوطنية بما يكفل منافستها للبضائع الأجنبية والتي تعمل أغلبها وفق مبدأ الإغراق.

وأخيرا ثبت للملأ أن من ينطلق وفق سياسات أخلاقية موضوعية واقعية ناتجة عن قراءة دقيقة ومتابعة ومراقبة، ومن يمتلك الفكر المتجدد المرن، يستطيع أن يستفيد من الإمكانات، والسير بأمان ودون خوف أو ردع، ومن لبس لباس غيره، فلابد أن يصاب بالأمراض.