جهل اقتصادي.. أم ضحك على اللحى؟

دعم المواد الأساسية، موضوع الشعوب الدائم في البلدان النامية، الذي يعود مع كل ارتفاع إلى واجهة النقاش بين الحكومة و«مدعوميها» من جهة، وبينها وبين القوى الوطنية من جهة أخرى.

تعد فلسفة الدعم التي اعتادها المواطن السوري نتاجاً وضرورة موضوعية اقتضتها الظروف الاقتصادية السيئة التي تعيشها شرائح مجتمعية كبيرة غير القادرة على تأمين أساسيات بقائها بمعزل عن الدعم الحكومي.

ومن الطبيعي أن تفصح اية حكومة عن أرقام الدعم التي تقدمها لهذه المادة أو تلك، لكي تبرهن بشكل أو بآخر عن اهتمامها وحرصها على مواطنيها، لكن الغريب في بلادنا هي كثرة التصاريح الحكومية عن هذا الموضوع، حتى يخيل للبعض أننا الدولة الوحيدة التي تقوم بالدعم، وبالطبع هذا مناف للحقيقة حيث ثبت أن دول العالم قاطبة على اختلاف أنظمتها الاقتصادية تقوم بأشكال مختلفة من الدعم. فكيف تدعم البقرة اليابانية يومياً بـ 12 دولار والفرنسية بدولارين في أقطاب رأسمالية أساسية في الوقت الذي ترفع فيه حكومات البلدان النامية ومنها سورية الدعم عن شعوبها؟ والأغرب من هذا، التناقض الدائم بين التصاريح الحكومية للمسؤولين حول أرقام الدعم، وفي بعض الاحيان بين تصريحين للمسؤول ذاته باختلاف الفترة الزمية، مما يطرح علامات استفهام عديدة حول مدى صدقية هذه الأرقام، والطريقة الفعلية التي تنتج بها الإحصاءات في سورية!!!

فقد نشرت صحيفة الثورة بتاريخ 17/12/2008 إحصائية لشركة المحروقات السورية، التي أوضحت أن الدعم على المشتقات النفطية بلغ خلال الشهور التسعة الاولى من السنة (الفائتة) بما فيها شهور الصيف طبعاً 324 مليار ليرة سورية، وهذا يعني أنه إذا أضفنا إلى السنة ربعها الرابع فإن أرقام الدعم ستصل إلى ما يقارب 425 مليار ليرة، أي بما يعادل 71 % من ميزانية العام الماضي، وهذا غير واقعي لأكثر من سبب: أولها أن وزير المالية أكد في أحد تصريحاته أن دعم المشتقات النفطية لا يتجاوز أكثر من 100 مليار ليرة، كما أن النائب الاقتصادي عبد الله الدردري أكد في معرض هجومه على الدعم، وبإحصائية غريبة أن دعم النفط في سورية حوالي 385 مليار ليرة، وهذا ما دفع عدد من الاقتصاديين والاحزاب السياسية لتفنيد حجم الكذب في هذه الارقام المفبركة.

والسؤال: كيف ارتفع حجم دعم المشتقات النفطية هذا العام بعد رفع الدعم الحكومي جزئياً عنها؟؟ وكيف استطاعت الحكومة تغطية نفقاتها الجارية والاستثمارية بالحجم المتبقي من الميزانية (30 %)؟؟

من جانب آخر صرح رئيس الوزراء خلال شهر أيار بعد رفع الدعم عن مادة المازوت مباشرة أن الدعم على المازوت لايزال 50%، وهذا يعني أن تكلفة ليتر المازوت المنتج محلياً والمستورد بحدود 38 ل.س. لكن وزير المالية وبتصريح له بتاريخ 7/1/2009 في جريدة الوطن قال: إنه تم هدر 80 مليار ليرة سورية على بطاقات المازوت، لأن لدينا 5 مليار ليتر توزع عبر البطاقات، والدولة تدعم الليتر بـ16 ل.س، وهذا يعني أن تكلفة الليتر بحسب قوله هي 25 ل.س، فهذا التصريح ينفي ذاك!!

هل الارتفاع طال فقط المشتقات النفطية التي نقوم باستيرادها؟؟ أم أن الارتفاع شمل أيضاً نفطنا السوري الذي نقوم بتصديره إلى البلدان المختلفة والمقدر بـأكثر من 200 ألف برميل يومياً!؟ لذلك فإن حجة ارتفاع أسعار النفط عالمياً كمبرر لرفع أسعار المشتقات النفطية محلياً قد سقطت.

لابد من تذكير المعنيين الرافضين لخفض سعر النفط محلياً الذين يمنون على المواطنين في كل تصريح ولقاء بهذا الدعم وأرقامه، بأن دولاً عالمية وعربية كثيرة قامت ومنذ نهاية شهر تموز 2008 بخفض متدرج لأسعار النفط في الأسواق المحلية تبعاً لتراجعه عالمياً، فقد خفضت الامارات العربية الأسعار 12 مرة متتالية وبنسبة تقدر بــ 36% حتى تاريخ 18/12/2008، كما قامت لبنان والأردن المستوردتين كلياً لحاجتهما النفطية من الأسواق العالمية بخفض الاسعار منذ نهاية شهر تموز وحتى منتصف شهر كانون الأول الماضي 8 مرات متتالية، حتى وصل سعر بعض هذه المشتقات في هاتين الدولتين إلى أقل من أسعاره في السوق السورية بــ50%، حيث وصل سعر ليتر البنزين «غير المدعوم» في الأردن إلى 0،35 ديناراً أي ما يعادل 22 ل.س علماً أن سعره المحلي هو 45 ل.س.