بعد خسارة الاقتصاد الوطني.. أين الحكمة في الاستمرار برفع الدعم؟
هل مشتقاتنا النفطية ما تزال مدعومة إلى درجة يجب معها تقليص حجم الدعم؟! وهل يتحمل الشعب السوري، والقطاع الصناعي والزراعي، والاقتصاد السوري، مزيداً من رفع الدعم عن المحروقات، وبالتالي مزيداً من الخسائر في هذه القطاعات الاقتصادية الأساسية؟! وما حال الصناعة السورية، العاجزة حالياً عن منافسة المنتجات «الغازية» لأسواقنا بفعل ارتفاع تكاليف الإنتاج؟ وهل سيكون المنتج الوطني عندها قادراً على منع إغراق المنتجات الأجنبية له على كثرتها؟ يبدو أن هذه الأسئلة الضرورية العديدة غابت في الماضي وتغيب مجدداً عن أذهان العديد من صانعي القرار الاقتصادي في سورية، والسبب بالتأكيد ليس عصياً عن الإجابة، لكن ما يهمنا ليس التكهن بأسباب هذا التجاهل، وإنما البحث عن الضرورات الفعلية التي تقتضي اتخاذ إجراءات كهذه، والنتائج المترتبة عليها.
بخطوة هجومية جديدة على الدعم، أعلن نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردري أن الحكومة لن تتكلف المزيد من الخسائر على دعم المحروقات، ودعا إلى استثمار هذه الخسائر في قطاع التعليم، قائلاً «إن الحكومة لن تتكلف المزيد من الخسائر على دعم المحروقات الذي كلف الخزينة 1350 مليارا هذا العام»، مضيفا «انه سيكون من الأولى إنفاقها في المرحلة المقبلة على الاستثمار في قطاع التعليم»، حسب صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر يوم الاثنين 9/8/2010.
إن لهجة النائب الاقتصادي وكعادتها تفتقر للكثير من الدقة اللغوية والاقتصادية، وقد يكون هذا الافتقار مقصوداً، بمعنى أن الطريقة التي يتكلم بها النائب الاقتصادي تعبر عن الفهم الفعلي له، وتعبر بالضرورة عن السياسات التي يريد توجيه الاقتصاد إليها، فالقول بأن الدعم على المحروقات «خسارة»، يعني أن دعم المواطن السوري في معيشته وزراعته وصناعته بات يعد خسارة للاقتصاد الوطني، كما أنه يشكل استهانة من قبل النائب الاقتصادي لعموم الشعب السوري، لأن للدعم - الذي يقول عنه الدردري «خسارة»، له مبرراته وأسبابه التي أوجدته في الماضي، وتتطلب استمراره اليوم؟! هذا بالإضافة إلى أن الاقتصاد الوطني، وعلى الضفة الأخرى يستفيد هو أيضاً من هذا الدعم، فهل إغلاق آلاف المنشآت الصناعية، أو تراجع الإنتاج الزراعي، بفعل ارتفاع تكاليف الإنتاج - إذا ما اتخذ قرار كهذا مجدداً - يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني ؟! ألن ينعكس هذا الإغلاق أو تراجع حجم الإنتاج الزراعي على المواطن السوري أيضاً، وذلك من خلال تدني مستويات معيشته وازدياد معدلات الفقر بالضرورة؟! فأين الحكمة الاقتصادية – الاجتماعية في اتخاذ هذا النوع من الإجراءات الآن؟!
كان يقال في الماضي ـ قبل رفع الدعم في نيسان 2008 ـ إن فاتورة المشتقات النفطية كبيرة، وإن إنتاجنا النفطي في تراجع دائم، وهذا - بحسب الحكومة - الدافع لرفع الدعم في الماضي، لكن هذه الخريطة ليست ذاتها اليوم، ففاتورة الدعم انخفضت بنسبة 50% حكومياً، وهي أكثر من ذلك في الحقيقة عملياً، كما أن الإنتاج النفطي لهذا العام ارتفع بمقدار عشرة آلاف برميل يومياًَ، أي نحو 3 مليون برميل سنوياً أو أكثر، أي أن المبررات التي تم سوغها في الماضي لتبرير اتخاذ قرار رفع الدعم ليست ذاتها اليوم، فما هي الأسباب التي دفعت الدردري للقول بضرورة رفع الدعم مجدداً؟! وهل هو محاولة لجس نبض الشارع السوري مجددا؟
لكن «الانكى» من ذلك محاولة النائب الاقتصادي «ذر الرماد في العيون»، والذي تجسد بطلب النائب الاقتصادي استثمار هذه «الخسائر» المفترضة في قطاع التعليم، فلا يختلف اثنان بالتأكيد على أهمية قطاع التعليم، وعلى ضرورات استثمار مزيد من الأموال الحكومية في هذا القطاع الذي تقلصت حصته بشكل مستمر في الموازنات العامة للدولة خلال الأعوام السابقة، لكن السؤال الأهم: هل الدردري صادق في ادعاءاته بأن هذه الأموال ستصب أساساً في قطاع التعليم؟ وهل يستطيع أن يوضح لنا أين تم استثمار نحو 200 مليار ليرة سورية تم توفيرها في الموازنات السابقة بعد تخفيض الدعم على المشتقات النفطية؟! ولماذا لم ينعكس هذا الفائض على الاقتصاد الوطني أو على الاستثمارات الحكومية في القطاعات الاقتصادية الأساسية في الموازنات السابقة؟ وهل انعكس هذا التوفير الحكومي المفترض على المستوى المعيشي للمواطن السوري وعلى مستويات الرواتب والأجور؟! فأين قامت الحكومة بصرف هذه المليارات؟ ولماذا لا تسعى الحكومة، وهي قادرة، لاستئصال الفساد المستشري في كافة قطاعات الاقتصاد الوطني بما يوفر مئات المليارات، خصوصاً وأن دراسة إحصائية حديثة للدكتور فريد خليل الجاعوني من كلية الاقتصاد في جامعة دمشق «حول مؤشرات الفساد المالي والإداري في الدول العربية» أكدت تربع سورية مرتبة متأخرة جداً على المؤشر العام لمكافحة الفساد إذ حلت بالمرتبة 19 من أصل 22 دولة عربية، ولم يتخلف عنها على هذا المؤشر سوى السودان والعراق والصومال؟!