الأزمات الحكومية مستمرة.. طالما استمرت حكومة الأزمات!
تتكاثر الأزمات المحيطة بالمواطن السوري بقدر ما تتكاثر الكلمات المسجلة للمسؤولين، ويوماً بعد يوم يترسخ اعتقاد لدى البعض بأن السوريين اعتادوا الأزمات وباتوا يتعايشون معها وكأنها «قضاء وقدر»، ولذلك ربما لم يعد القضاء على أصل هذه الأزمات هاجساً لدى هؤلاء البعض!.
كل عام تتجدد المهزلة؛ تقنين غير معلن للطاقة ينغص اليوميات ويتلف الكثير من المقتنيات الكهربائية التي يمتلكها الناس استجابةً لتطور الحياة.. كل عام ولا أحد يسعى جدياً لإيجاد حل! إنها إذاً أزمة دورية تشبه تلك التي تصيب الرأسمالية من فترة لأخرى، والسبب في أزمة الكهرباء عائد- كما هي حال الأزمات الرأسمالية- إلى خلل في النظام، وكذلك هي حال أزمة المياه والسكن والبنى التحتية وحتى الاستثمار!.
في الكهرباء تعود المشكلة المتكررة إلى البطء غير المفهوم للجهات المعنية بالتخطيط لتلبية الاحتياجات المتزايدة من الطاقة، وهو الوجه الأبيض للمشكلة، أما الوجه الأسود لها فهو تعويل هذه الجهات- ومن ورائها اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء- على القطاع الخاص لسد ثغرة الحاجات عبر إشادة محطات توليد جديدة تحت عنوان «التشاركية»، وهو ما لن ينفع أحداً في البلاد سوى أصحاب الأموال الراغبين بمضاعفتها مستغلين حاجات التنمية الاقتصادية إلى الطاقة التي سيبيعونها بأسعار تلتهم مدخرات الخزينة شيئاً فشيئاً!.
أزمة المياه تعود بالأصل إلى سوء التخطيط الإقليمي، وانعدام القدرة- أو الرغبة- في حل مشكلات الهجرة الداخلية من جذورها عبر تنمية أرياف المدن والمحافظات «الثانوية» في البلاد، وهو ما يضغط على مصادر المياه في مناطق دون مناطق، ويهدد بتحويل دمشق إلى مدينة «ميتة» بحلول 2025- وفقاً لدراسات وتقارير اقتصادية. وهذا مرتبط بخلل تخطيطي مستمر تتخبط بين جدرانه عقلية الحكومة بكل أجهزتها. وبالنسبة للسكن، تعود الأزمة بالأصل أيضاً إلى سوء التخطيط الإقليمي، ولكن تزداد أزمة السكن لؤماً بغياب التشريعات القانونية المقرون بغياب النية الحكومية للجم أطماع أفراد من القطاع الخاص يحلمون بتحقيق أرباح خيالية عبر المتاجرة بالعقارات، أو عبر إبعاد العقارات عن سوق المتاجرة لرفع أسعارها قبل بيعها في مرحلة قادمة. ناهيك بطبيعة الحال عن عدم جدية الحكومة في تنفيذ خططها الإسكانية المتلاحقة وعدم مراعاتها للشرائح ذات الدخل المحدود وما دون المحدود حين تطلق العنان للجمعيات السكنية كي تبدأ بـ«قص» مدخرات المواطنين الهزيلة!.
وكذلك الأمر في أزمة البنى التحتية، حيث تنظر الحكومة إلى «التشاركية» على أنها الحل الوحيد للنهوض بالمشروعات الضرورية لإيقاظ الاقتصاد الوطني من سباته الطويل، ويكمن الخلل هنا في كون «التشاركية» شكلاً آخر من التعويل على رؤوس أموال القطاع الخاص (المحلية والأجنبية) لأداء المهام التي يجب على الحكومة التصدي لها!.
ومشكلة أو أزمة الاستثمار تتضخم فقط لأن كل الأزمات السابقة لا تجد حلاً يحيلها إلى التقاعد.
وعليه، يمكن القول إن تزايد الأزمات الجزئية وتفاقم آثارها على مختلف المستويات يهدد بإضعاف قدرات الاقتصاد الوطني الكامنة، ويشير صراحةً إلى وجود خلل في «نظام التفكير» الحكومي تجاه القضايا المعاشية للمواطن، ومن الواضح لكل ذي بصيرة أن الخلل يكمن في بنية النهج الاقتصادي الذي تتبناه الحكومة بفريقها الاقتصادي الذي يخطط اليوم للانطلاق في فضاء السنوات الخمس القادمة.. دون قدرة طبعاً على تقديم أي جديد يساعد في إنقاذ الاقتصاد أو المواطن من براثن الأزمات!.