بين تأييد الصناع ورفض التجار... برنامج الرقابة على المستوردات معلق حتى إشعار آخر

وجه القرار الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء السوري حول إيقاف جميع الخدمات المقدمة من شركتي المراقبة على المستوردات SGS السويسرية وBUREAU VERITAS  الفرنسية، لحين إنهاء أعمال اللجنة القانونية لدراسة العقود الموقعة معهما، الضوء إلى التضاربات في الآراء والمواقف تجاه عمل الشركتين، من التجار والصناعيين، الذين يختلفون فيما بينهم على تأييد أو معارضة جدوى البرنامج ومدى خدمته للسوق المحلية عموماً.

ففي الوقت الذي شددت فيه غرف الصناعة عامة وغرفة صناعة حلب خاصة عدة مرات سابقة على ضرورة استمرار تطبيق البرنامج وأهميته لحماية الصناعة الوطنية، ترى غرف التجارة أن «موجبات التعاقد مع شركات الرقابة على المستوردات بغية مكافحة الإغراق وحماية المنتجات المحلية انتفت حالياً، لظروف المرحلة الراهنة التي تستوجب الاستيراد لسد النقص الحاصل في المنتجات محلياً بفعل ظروف الحرب الدائرة والمقاطعة الاقتصادية المفروضة على سورية من الخارج».

وحسب رأي محمد عبد الوهاب مدير برنامج الرقابة على المستوردات: إن «البرنامج يسعى في عمله لحماية المستهلك، وبالتالي حماية الصناعة، فإدخال مواد مختبرة ومحددة المواصفات تدفع باتجاه التنافس وتحسين سوية الصناعة الوطنية، فهدف البرنامج وقائي، أي اختبار البضاعة من بلد المنشأ قبل وصولها إلى الأراضي السورية».

وأضاف مدير البرنامج في هيئة المواصفات والمقاييس السورية إن» ما تقوم به الشركتان لا يمكن لهيئة وطنية أن تقوم به، حيث ستقتصر المراقبة على البضاعة حين وصولها، لأنه من المكلف وغير الممكن إرسال موظفين لكل دول العالم لإجراء اختبارات على البضاعة المستوردة إلى سورية، في ظل تعدد وتنوع التعاملات التجارية، بينما تكون الشركتان ملزمتين بإرسال خبراء لأية دولة في العالم لاختبار البضائع قبل شحنها، فضلاً عن مراقبة عمليات التحميل التي تفتح مجالاً للتلاعب والفساد، علماً أن مثل هذا النوع من الشركات يكثر التعامل معه في الدول التي يكثر فيها الفساد»، لافتاً إلى أن «المخابر المخصصة لاختبار السيارات وقطع الغيار والأدوات الكهربائية غير متوفرة في سورية، لذا لا بد من الاستعانة بالمخابر الأجنبية».

وعن المخالفات، قال عبد الوهاب «لا توجد أية مخالفة موثقة بحق الشركتين، فالمخالفات قد تكون بالمواصفة أي مخالفة البضاعة للمواصفات، أو بالمنشأ، وكلا الحالتين لم تحصلا، باستثناء مخالفات السعر التي تتكرر بشكل دائم، لوجود سعر استرشادي من الجمارك يعتبر كل سعر مغاير له مخالفاً»، وحالياً  أصبحت إدارة الجمارك معنية بالتسعير وهي قادرة على ذلك، علماً أن الشركتين كانتا تقومان بالمهمة بما يفيد الجمارك في صنع قاعدة معلومات للأسعار».

وعن مصدر أرباح الشركتين، بين عبد الوهاب إن «الشركتان كانتا تتقاضيان نسباً على قيمة المواد كمصدر للأرباح، فتأخذ كحد أعلى نسبة 6 بالألف، و3 بالألف حداً أدنى، وتدفع %2 من هذه النسبة للدولة وتحتفظ بالباقي كأرباح».

ومن جهته عبر رئيس اتحاد غرف الصناعة فارس الشهابي أن «تجربة التعاقد مع شركتي الرقابة أشابتها العديد من العراقيل التي سببت التأخير وزيادة الكلف، ما ألحق الضرر بالتجار والصناعيين وأتاح الفرصة لبعض المتضررين من كشف أسعارهم الحقيقية، بالمطالبة بفتح الثغرات واستثناء المواد بشكل يؤدي إلى تفريغ البرنامج من مضمونه تمهيداً لإلغائه».

وبناء على مذكرة مقدمة سابقاً لوزير الاقتصاد والتجارة، حدد اتحاد غرف الصناعة مجموعة من العراقيل لنتمكن من الاستفادة من البرنامج، متمثلة بعدم قبول إدارة الجمارك بالتحاليل المقدمة من شركات الرقابة في بلد المنشأ وفق المعايير والمواصفات السورية أو العالمية وإعادة التحليل مرة أخرى في القطر، وعدم قبولها بتقييم V.O.R المقدم من شركات الرقابة في حال كان أقل من الأسعار الاسترشادية المعتمدة.

ونقص كوادر شركات الرقابة ونقص عدد الشركات حيث أن السوق وحجم العمل يستوعب شركات أخرى، وعدم وجود مخابر تحليل وفحص معتمدة عالمياً (ISO 17025) مما يضطر إلى إرسال العينات إلى مخابر أجنبية للتحليل، إضافة لاعتماد الجانب السوري للوائح الأسعار المقدمة من شركتي الرقابة حول التعرفة دون الطلب بتخفيضات تراعي الوضع الاقتصادي مما شكل كلفاً إضافية غير تنافسية على المستوردين، والتأخير في منح شهادات الرقابة نظراً للتعقيدات والأسباب السابقة وبشكل يضر سرعة التخليص.

واقترح الاتحاد، في ظل ضرورة الرقابة على المستوردات في المرحلة الراهنة لحماية الصناعة الوطنية التي تعاني من ارتفاع كلفها الإنتاجية وركود أسواقها، اعتماد مخابر وزارة الاقتصاد، وزارة الزراعة، وزارة الصناعة (هيئة المختبرات والأبحاث)، ومخابر الجامعة، من أجل تسهيل عمليات التحليل لحين وجود مخابر محلية ذات معايير عالمية (ISO 17025).

وقبول تقييم V.O.R وشهادة C.O.C دون اعتماد تسعير الجمارك ودون أي مخالفات متعلقة، وقبول شهادات الفحص في بلد المنشأ وفي كافة المناطق الحرة دون الحاجة إلى إجراء فحوصات تحليلية أخرى.

ومنح شهادات التحليل خلال أسبوع واحد كحد أقصى، والطلب من شركات الرقابة تعرفة جديدة مخفضة لسورية تراعي الظروف الاقتصادية، وإدخال شركات رقابة أخرى بما يؤدي إلى المنافسة وتقديم الخدمات الإضافية والتسهيلات للمستوردين، مع دراسة تخفيض رسوم وتعرفة شركات الرقابة وكذلك رسوم وزارة المالية المفروضة على تلك الشركات وكافة الرسوم المتعلقة الأخرى بما يؤدي إلى تخفيض كلفة الرقابة على المستورد بنسب كبيرة ملحوظة.

فيما يتمثل المطلب الأساسي بتأسيس هيئة وطنية للرقابة على المستوردات والصادرات تملك مخابر بمعايير عالمية معتمدة وفي كافة المناطق والمنافذ الحدودية، وتكون على شكل شركة مساهمة مشتركة بين الحكومة والغرف الصناعية والتجارية تعود فائدتها على الجميع وتحفزهم على الانخراط بالعمل الشفاف والمراقب أصولاً بما يحفظ حقوق الخزينة والمستهلك والصناعة الوطنية ولا يضع العراقيل الكبيرة أمام عملية الاستيراد.

صناعة دمشق: هيئة

وطنية للرقابة بمخابر محلية

وبدورها أكدت «غرفة صناعة دمشق» في كتاب وجهته إلى «هيئة المواصفات والمقاييس» على ضرورة إيجاد هيئة وطنية للرقابة على المستوردات وبمخابر محلية، والاستغناء عن شركات الرقابة الأجنبية بحيث تعمل «هيئة المواصفات» على تحقيق هذا الهدف.

وبيّنت الغرفة وبشكل مرحلي ومؤقت، أنها تقدمت بقائمة للمواد والمنتجات التي توافق عليها بأن تبقى خاضعة لبرنامج الرقابة على المستوردات، والتي تم مناقشتها مع «هيئة المواصفات» مع التأكيد على استثناء كافة الآلات والمعدات والأدوات المستوردة لمصلحة المنشآت الصناعية، وكذلك أجهزة الطعام المستوردة لمصلحة المنشآت الصناعية من إخضاعها لبرنامج الرقابة على المستوردات.‏

وحددت الغرفة قائمة بالمواد والمنتجات الخاضعة للرقابة على المستوردات وغير المستوردة لمصلحة المنشآت الصناعية منها، ألعاب الأطفال والمواد الكهربائية من قواطع وكونترات ومحولات وموصلات ومفاتيح كهربائية، وأجهزة الاستقبال والأدوات الكهربائية المنزلية فقط، وأجهزة إعداد الطعام المنزلية وآلات التصوير وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأجهزة العرض التلفازية بأنواعها، والخلايا الكهروضوئية والشمسية والسيارات والمركبات بأنواعها والروافع بأنواعها والجرارات والتركسات بأنواعها والإطارات بأنواعها داخلي وخارجي، والبطاريات بأنواعها والأنابيب البلاستيكية ومتمماتها واكسسواراتها، الزجاج بكافة أنواعه والسيراميك والغرافيت والأسمنت ومقاطع الألمنيوم.‏

التجار: نطالب بإلغاء البرنامج فوراً ...

 و الجمارك تفي بالغرض

وفي المقابل تناقلت وسائل الإعلام مؤخراً مطالبات عضو مكتب اتحاد غرف التجارة السورية وعضو مجلس إدارة غرفة تجارة حلب ليون زكي «باتخاذ قرار جريء وفوري وعلى قدر عال من المسؤولية بإلغاء برنامج الرقابة على المستوردات دون انتظار أي مهلة لدراسة تفاصيل وجدوى العقد الذي مدد العمل به بداية العام الجاري لمدة عامين مع الشركتين ذاتهما مع عدم الأخذ بعين الاعتبار الانتقادات التي وجهها التجار للبرنامج ولاسيما إثر إلغاء أهم شرط في العقد المبرم مع الشركتين بالتحقق من أسعار وقيمة السلع المستوردة، وذلك في الاجتماع الذي عقد مع المسؤولين عنهما لتجديد العقد، وبالتالي، لم يعد هناك أي مبرر لاستمرار العمل بالبرنامج ما دامت الجمارك السورية تفي بالغرض راهناً وفي ظل مبادرة رجال أعمال سوريين لتأسيس شركة محلية وطنية بمساهمة اتحاد غرف التجارة تتولى اختصاص شركات الإشراف والرقابة على المستوردات». 

رأي آخر

إن مثل هذه البرامج وحسب تجربة العديد من البلدان تركت نتائج كارثية على جوانب متعددة من الاقتصادات الوطنية، ويمكن الاستعاضة عن مثل هذه اللجان بكفاءات وطنية هي أكثر حرصاً بالتأكيد على حماية الإنتاج الوطني وتقطع الطريق على الدور المشبوه التي لعبته مثل هذه البرامج في بلدان عديدة بحجج مختلفة.