الاستعانة بأسعار دول مستوردة لحاجاتها الغذائية يكشف المستور من الأرباح الفعلية للتجار
سورية ليست من البلدان المستوردة لحاجاتها من المنتجات الزراعية والحيوانية، لكي ترتبط أسعار السلع والمواد فيها بالسعر العالمي كما يجري في العديد من الدول المستوردة، بل إنها تصدر ما يزيد عن 60 صنفاً من هذه المنتجات، بدءاً من اللحوم بأنواعها وصولاً إلى الخضروات والفواكه بأغلبها، والتي تشكل بمعظمها سلة المستهلك السوري، وعلى الرغم من ذلك، فإن أسعار المواد الغذائية فيها أغلى من سواها في بعض الدول العربية التي تستورد الجزء الأكبر من حاجتها، كالسعودية ودول الخليج الذين يستوردون 80% من حاجاتهم الغذائية، وهذه مفارقة تطرح جملة من التساؤلات، هل من المنطق أن تكون أسعار المواد الغذائية في الدول المنتجة لها أغلى من أسعار سواها من الدول المستوردة للمواد الغذائية ذاتها؟! وألا يعكس هذا خللاً في معادلة تسعير المواد لدينا؟! والتي يتحكم التجار الكبار في تحديد تفاصيلها، دون أن يكون للدولة أي دور في مراقبتهم أو إلزامهم بأرباح منطقية، وإلا لكان يفترض أن تكون أسعار المنتجات في الأسواق المحلية أقل بنحو20 – 30% من أسعار دول الجوار بالحد الأدنى..
فضح المخفي
الاستعانة بأسعار دول الجوار قد يبدد شكاوى بعض مدعي انخفاض أسعار المواد الغذائية قياساً بأسعار هذه الدول، فالأردن ينتج 19% من حاجته المحلية من بيض المائدة فقط، بينما يستورد81% من البيض المستهلك في الأسواق المحلية، بينما تصدّر سورية 1.5 مليار بيضة سنوياً، والمنطق يفترض في هذه الحالة، أن تكون أسعار البيض في سورية أرخص بما لا يقل عن 20% قياساً بالأردن في أدنى الاعتبارات، والتي ستكون موزعة بين أرباح مربي الدواجن في بلاد المنشأ، وهامش ربح المستوردين الاردنيين، وتكلفة النقل، وهي حلقات إضافية لا يمر بها طبق البيض السوري، لأننا ننتج حاجتنا من هذه المادة، ولدينا فائض نصدره إلى الخارج حتى في أوقات الأزمة الحالية، حيث جرى تصدير 360 مليون بيضة في الأشهر الستة الأولى من عام 2012 على الرغم من تراجع حجم الإنتاج في المناطق الرئيسية (حمص، درعا، ريف دمشق)، حيث يمكن النظر للتصدير على اعتباره من جانب آخر المسبب الأساس والمخفي لارتفاع أسعار البيض في السوق المحلية، وهو ما يتجاهل المربون والجهات الحكومية الحديث عنه أو التنبيه إليه..
وبالعودة إلى معادلة الأسعار، فإن طبق البيض يباع بالأردن بنحو 3 دينار (4.23 دولار)، وبما يعادل296 ليرة سورية، أي أن سعر البيضة في السوق الأردنية تبلغ 9.87 ل.س، على الرغم من أن الأردن يفرض ضريبة مبيعات عن بيض المائدة بنسبة 4 في المئة، وعلى مدخلات إنتاج المواد العلفية أيضاً، بالإضافة إلى كل ذلك، فإن لمربي الدولة المصدرة للبيض هامش ربح لا يقل عن 10%، كما أن للمستورد الاردني هامش ربح وتكلفة نقل لا تقل عن 10% أيضاً، وفي هذه الحالة، وهذا يوصلنا إلى أن تكلفة شراء صحن البيض من بلد المنشأ لن تتجاوز 225 ل.س، أي أن تكلفة إنتاج البيضة الواحدة المعدة للتصدير لن يتجاوز 7.5 ل.س، بينما تباع بأسواقنا بما يزيد عن 10 ليرات، فما هو مبرر هذه الزيادة في الأسعار محلياً على اعتبار أن التكلفة هي ذاتها إذا ما اعتمدنا أسعار المواد العلفية بالسعر العالمي أساساً في تحديد تكلفة صحن البيض كما يفترض المنطق؟!
أرباح كبيرة
ومن المفارقات التي تستحق التوقف أيضاً، هو أن السعودية التي تستورد 80% من حاجتها الغذائية، ولا تنتج سوى 20% فقط، نجد أن أسعار المواد الغذائية المشابهة أقل من الأسعار في الأسواق المحلية أحياناً، أو توازيها في السعر، ولن نتحدث بالعام، بل سندخل في سياق التخصيص، فخلال شهر رمضان ارتفع سعر كيلو لحم العجل الذي كان يباع بنحو 20 ريال قبيل العيد، ارتفع إلى 30 ريال فيما بعد، وإذا ما افترضنا أن الريال الواحد يعادل 18 ل.س، فإن سعر الكيلو الواحد من لحم العجل في قمة ارتفاعه لم يتعد 540 ل.س، بينما يباع الكيلو من اللحم ذاته في السوق المحلية بنحو 700 ل.س، أي بنسبة زيادة تصل إلى 30% مقارنة بالأسعار في السعودية..
وإذا ما انتقلنا إلى أسعار لحم الغنم سنصل إلى النتيجة ذاتها أيضاً، حيث وصل سعر كيلو لحم الغنم إلى 50 ريال، أي ما يعادل 900 ل.س، في الوقت الذي يباع فيه كيلو لحم الغنم في البلاد بما يتراوح بين 900 – 1000 ل.س، أي بما يعادل أو يزيد بنسبة 11% عن سعر المنتج ذاته في السعودية، التي تعد من مستوردي غنم العواس السوري، وأسعار لحم الغنم مرشحة للزيادة محلياً بعد السماح بتصدير 300 ألف رأس من الاغنام حالياً، وهذه العينة تعمم على عدد غير قليل من المواد الغذائية في السعودية التي تستورد أغلب حاجتها الغذائية، بينما تُصدر سورية أغلب المواد الزراعية!
حقيقة التكلفة!
إذا، ليست التكلفة هي معيار التسعير النهائي للسلعة بالدرجة الأولى، وهوامش الربح ليست بالطبيعية أيضاً، ومع هذا يصرّ بعض الحكوميين على الحديث عن رقابة حكومية فاعلة لم يلمس السوريون أيً من نتائجها أو آثارها على أرض الواقع فعلياً، بينما تنفرد الساحات الإعلامية للحديث عن تبريرات الساعين لرفع أسعار المواد الغذائية، إلا أن هذه المبررات كانت تسقط بأول جولات التقصي، فالارتفاع العالمي لأسعار الغذاء يشكل على الدوام ركيزة لجوقة القائلين بارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية قياساً بالسعر العالمي، إلا أن انخفاض أسعار بعض المواد في أسواق بعض الدول العربية مقارنة بأسعار المواد ذاتها محلياً، على الرغم من أنهم يعدون من مستوردي ما يصدره الفلاح السوري في أغلب الأحيان، ليسقط مبرر الربط هذا، وليكشف الستار عن الخلل المخيف في معادلة التسعير، مما يعري غياب العلاقة بين عنصر التكلفة والسعر النهائي للسلعة، وفاضحاً المستور من هوامش الكبيرة التي تحمل على السلع..