«الأزمة» استباحت محظورات اقتصادية.. وتجاوزت «خطوطاً حمراء»..
تحقق ظروف الأزمة فرصة لتغييرات نوعية في التوجهات الاقتصادية في سورية، ولكن هذا التغيير وإن كان ميله العام إيجابياً يزيل الصفة «العشوائية» وغير المنطقية عن توجهات الاقتصاد السوري سابقاً، إلا أنه يعطي أيضاً فرصاً لمستثمري الأزمات..
فالسماح لغرف التجارة وللقطاع الخاص عموماً باستيراد المحروقات قد يشكل فرصة لمحتكري هذه المادة بتحويل تحكمهم الحالي غير الشرعي بالسوق إلى تحكم شرعي، فالمادة بذلك تخرج من احتكارهم غير المعلن عن طريق فشل الدولة في الضبط والتوزيع، إلى إمكانية الاحتكار المعلن حيث السعر غير محدد ومرتبط بكميات وأسعار وطرق استيراد القطاع الخاص لهذه المادة المهمة..
الخبر المعلن لا يسمح إلا برؤية أن التحرير الكامل هو الاتجاه القادم، ولابأس ولكن ماذا عن دعم الدولة؟..التفاصيل قد تغير الكثير من المعطيات.. فهل القرار مؤقت؟ وهل الكميات محددة؟ وما الضامن أن هذه المواد هي للصناعة والصناعيين؟ وكيف تحدد العلاقة بين سعر القطاع الخاص والحكومي؟ والكثير من الأسئلة التي تسمح لنا بمعرفة القرار لمصلحة من..
ما لم تحققه الخطتان الخمسيتان التاسعة والعاشرة، والتوجه نحو اقتصاد السوق خلال عقد من الزمن، أتت الأزمة لتضعه على طبق من فضة على طاولة التجار والمستوردين، فما كان محرماً حللته الأزمة، وفرضته على السوريين أمراً واقعاً لا مفر منه، فتحرير الأسعار آلم لقمة عيش السوريين، وأدخل الاسواق والأسعار في دوامة الارتفاعات غير المتناهية، إلا أن ما لم يتخيله أحد، هو دخول الفيول والمازوت هو الآخر على أجندة التحرير بعد الغاز المنزلي، وذلك من خلال السماح للصناعيين باستيراده..
«مخصصات الصناعة»..
بالسوق السوداء
التستر خلف الأزمة، وما تنتجه من أزمات وصعوبات في تأمين حاجات الناس الأساسية والضرورية، باتت العنوان العريض لاستباحة المحظورات، وفي هذا السياق تأتي موافقة اللجنة الاقتصادية على السماح للصناعيين باستيراد الفيول والمازوت، وذلك بناء على طلب من «غرفة تجارة دمشق» لتلافي قلة المحروقات، وارتفاع ساعات تقنين الكهرباء اليومية على المصانع، وإذا كان لهذا القرار ما هو إيجابي في تشغيل ما تبقى من المصانع المتوقفة عن العمل، فإن سلبياته لن تحصى بطبيعة الحال..
إذا كان الهدف من هذا القرار هو تأمين حاجة تلك المعامل والمصانع من المازوت والفيول، فإن تصريحات رسمية عدة، هي من كشفت وجود فعاليات اقتصادية متوقفة عن العمل تأخذ مخصصاتها من المازوت، وهذا لم يعد سراً على أحد، ولو لم يكن بالظاهرة الواضحة للعيان لما جرى الحديث عنها، فمدير عام «سادكوب» تحدث عن وجود بعض الفعاليات الاقتصادية المتوقفة عن العمل، والتي تأخذ مخصصاتها المعتادة، وتتصرف بها بطريقة أو بأخرى، رغم أن المنطق لا يفترض حصولها على تلك المخصصات، كما أن رئيس نقابة عمال النفط والثروة المعدنية في دمشق علي مرعي، أشار بدوره إلى أنه يتم تُزوّد محطات مغلقة من القطاع الخاص بمادة المازوت، على الرغم من أنها تقع في مناطق «ساخنة»، والاهم من كل هذا، أي أن الحاجة إلى المازوت لأغراض الصناعة يجري التلاعب به في هذه الحالة، وبدلاً من استخدامها للصناعة يجري توجيهها للمتاجرة في السوق السوداء، وهذا يتطلب اعادة توجيه تلك المخصصات لمستحقيها الفعليين من المصانع والمعامل التي تعمل حالياً، بدلاً من السماح لهم باستيراد الفيول والمازوت تحت حجة تلبية طلب المعامل والمصانع المتوقفة بجزء كبير منها، مما سيفتح الباب أمام سوقين لبيع المازوت والمشتقات النفطية الأول بالسعر الرسمي إن وجد، والثاني سيشرعن بورصة السوق السوداء وبأسعار لا تقل عن الـ70 ل.س الليتر الواحد، وترتفع حسب اشتداد الأزمة وارتفاع الطلب، وهذا ما لا يمكن للسوريين تحمله، فقدراتهم الشرائية لا تسمح لهم بذلك، مما سيفتح أبواب الفساد من جهة وطمع تجار الأزمات من جهة آخرى..
انخفاض الطلب على المازوت
تشير بعض المعطيات إلى توقف 60% من المصانع والمعامل في البلاد عن العمل، فمدينة حلب التي تشكل الرئة الاقتصادية للبلاد تعيش حالة من الشلل الاقتصادي في الوضع الراهن، وكذلك هي حال ريف دمشق، والكثير من المناطق التي تضم العديد من المصانع والمعامل، وهذا يعني بالمحصلة النهائية، أن الطلب على المازوت والفيول لأغراض الصناعة قد انخفض بشكل كبير، وهذا يعني أن القرار لم يأتِ لتلبية وضع طارئ، لأن مدة السماح بالاستيراد لم تحدد بوقت معين، والأهم هو منعكسات القرار على المستهلك النهائي، فهل سترتفع أسعار منتجات المصانع والمعامل السورية التي ستمارس نشاطها الاقتصادي بالمازوت بالأسعار المحررة من استيراد الصناعيين أنفسهم؟! وما سينعكس على جزء غير قليل من المواد المحلية!.. والحجة ستكون بأن المازوت لم يكن مدعوماً، فهل من ضامن لعدم ارتفاع الأسعار في هذه الحالة؟!
بانتظار الضوابط!
إلى اليوم لم ترشح أية معطيات حكومية حول الضوابط والتعليمات اللازمة للسماح للقطاع الخاص باستيراد الفيول والمازوت، والتي في ضوئها ستتحدد الكثير من المعطيات، وتبدد بعض الهواجس، خاصة الخوف من الاحتكار الناشئ في مجال استيراد المازوت والمشتقات النفطية، أسوة بباقي مستوردي المواد كالسكر وسواه، مما سيجعله حكراً على بعض المستوردين والمتنفذين الكبار..
السؤال الأساس: هل للصناعيين وسائلهم الخاصة لاستيراد حاجاتهم من المازوت التي تعجز عنها الجهات الرسمية؟! وهل لهم أساليبهم في تجاوز العقوبات المفروضة على الاقتصاد، خاصة الاعتمادات المصرفية والتامين، لأن مبالغ التأمين على النفط ومشتقاته كبيرة، وقليلة هي المصارف التي تستطيع تأمينها، أم أن القرار كان فرصة لدى البعض لتحرير أسعار المشتقات النفطية أسوة بباقي أسعار المواد في الأسواق المحلية تحت بند حاجة السوق الداخلية؟! دون أن يرى السوريون نتائج فاعلة لمثل هذا القرار على أرض الواقع!..