السبب الوحيد لارتفاع أسعار اللحوم كافة هو ارتفاع تكلفة العلف...!

هكذا يلخص أحد الاختصاصيين في التربية الحيوانية مشكلة ارتفاع أسعار اللحوم إذ يربطها بعامل التغذية بشكل أساسي. من ناحية البحث العلمي فإن التغذية (الأعلاف .. و..الخ) هي من أساسيات العوامل التي تحدد نمو وتطور واقع الثروة الحيوانية في أي بلد كان، فالمعادلة بسيطة: غياب التغذية سيؤدي إلى غياب المنتج الحيواني، وبالعكس توافر التغذية الصحية والرخيصة سيؤدي إلى توافر المنتج وبتكاليف منخفظة.

واقع التغذية في سورية

اعتمدت سياسة التغذية في سورية _ أو السياسة العلفية كما تسمى ضمن الاختصاص _ على استيراد المكونات الأساسية للعلف كالذرة مثلاً وليس زراعتها، والاستيراد مقتصر على أشخاص محددين جداً هم عملياً الـ«مافيا» المسيطرة على أهم مادة مستوردة إلى البلد من ناحية الكمية والأرباح والاستهلاك، ناهيك عن التحكم بمصير عامل اقتصادي وطني حساس وجوهري كالثروة الحيوانية. أما احتمال أن يكسر أحد ما هذا الاحتكار ففمصير هذا الاحتمال هو الصدام العنيف مع مجمل تلك الـ«مافيا» المسيطرة، إذ حدث مرة أن قام أحدهم باستيراد تلك المادة وهو خارج نطاق تلك الـ «مافيا»، وعند فحص المادة من المخبر المختص كانت النتيجة أن تلك الكمية غير صالحة للاستهلاك رغم أن الكمية كلها قد استوردت من المصادر نفسها التي تستورد منها الفئة الخاصة المسيطرة على استيراد الذرة، الأمر الذي يثبت أن المخبر (أو مجمل المخابر) متعامل مع تلك الفئة المسيطرة ومشترى فعلياً منها.

القصور العام لجهاز الدولة

دور المؤسسة العامة للأعلاف كان دوماً شكلياً وكما هي الحال بالنسبة لمعضم المؤسسات في البلد، فكانت تقدم الدعم للفلاح في العلف بما لا يكفي البقرة ليومين في الشهر، وعند السؤال لم الاقتصار على هذه الكمية فقط، يكون الرد من المدير والمعنيين أن تلك هي الكمية المسموحة للمؤسسة استيرادها أو تأمينها. و تدخل طبعاً المحسوبيات والفساد الصغير والكبير بكل أشكاله في مشاكل توزيع تلك الكمية القليلة.

إذاً، يتم استيراد المواد والمكونات الأساسية للأعلاف ولا تتم زراعتها، ومن هذه النقطة تحديداً تبدأ المشكلة، إذ إن الأرض في سورية جاهزة ومناسبة جداً وهي ما تزال بكراً وخصوصاً في المنطقة الجنوبية، والمياه متوفرة عبر المياه السطحية والجوفية، والكادر البشري المتخصص موجود وللأسف فإن هذا الكادر موظف في دوائر جهاز الدولة في مراكز بعيدة تماماً عن الاستثمار الفعلي للاختصاص والإمكانيات العلمية لذلك الكادر، وهذا الكادر يأخذ رواتبه أصلاً لكن دون الاستثمار الحقيقي لطاقة الكادر البشري المختص. وأيضاً فإن سياسة علفية واقعية وعلمية مبنية على زراعة ما يلزمنا من المكونات الأساسية لصناعة الأعلاف المختلفة هي بالمعنى الحقيقي قرار سياسي ضد الفساد المسيطر على استيراد تلك المكونات، وأيضاً سيادة وطنية بدل الاعتماد على استيراد تلك المادة و ربط القرار الاقتصادي وبالتالي السياسي للبلد بيد الخارج أياً كان.

واليوم، في ظل الظروف الصعبة لتفعيل هكذا سياسة وطنية إن وجدت النية والإرادة لرسمها، فمن الطبيعي الاستمرار بسياسة الاستيراد، لكن ليس من الطبيعي أبداً استمرارسيطرة الـ«مافيا» ذاتها على استيراد المواد الأساسية للعلف وخصوصاً بما يحمله ذلك من أثر على أسعار اللحوم بمختلف أنواعها وتبعيات ذلك على القدرة الشرائية للمواطن وخلق وتراكم المزيد من الاحتقان والمشاكل الاقتصادية الاجتماعية، لذا يكون من الضروري جداً والملح وطنياً وخصوصاً في ظل الأزمة الوطنية الإسراع بحصر الاستيراد بالمؤسسة العامة ومواجهة الفساد الذي سيطر على مدى سنين على الثروة الحيوانية للبلد على الأقل ضمن عامل التغذية.. وللحديث بقية.