الصناعة السورية واقتصادها يتراجعان عشرات السنين .. والخسائر في نمو

أغلقت مدينة «الشيخ نجار» إحدى أكبر المدن الصناعية بسورية أبوابها، بعد أن أهملت الحكومة مطالب الصناعيين بحماية المنشآت والمناطق الصناعية في محافظة حلب، ناصحة إياهم «بحماية أنفسهم» من الاعتداءات، ما أدى لإغلاق %75 من المنشآت الصناعية في حلب حتى الشهر الثامن الماضي، وهجرة أو سفر العديد من الصناعيين خارج البلاد، بينما أعلنت الحكومة في شهر شباط الماضي أن خسائر وزارة الصناعة السورية وصلت إلى 1,6 مليار ليرة.

الحكومة أهملت مركز الاقتصاد

ووصف الصناعي حازم الصالح منطقة الشيخ نجار بأنها «مركز الاقتصاد في حلب الذي تم إهماله بالكامل من الحكومة وعدم الاستجابة لمطالب حمايتها، حيث وقعت المعامل والمنشآت تحت سيطرة السلاح، وبقيت حوالي %10 من المعامل فقط مستمرة في العمل، بينما تعرضت معامل أخرى للحرق».
حازم الصالح رئيس لجنة صناعة مواد البناء في غرفة صناعة حلب، قال إن «خسائره تجاوزت الخمسين مليون ليرة سورية، وهناك خسائر سرقات، وخسائر تشغيل تقدر كل شهر بمليون ونصف مع عدم القدرة على منح الأجور للعمال، والحال مستمرة منذ ثلاثة أشهر».

الاقتصاد منهار لولا المساعدات

واعتبر الصالح أن «الاقتصاد والصناعة السورية تراجعت عشرات السنين إلى الوراء جراء الخسائر، كما أن المساعدات الخارجية هي التي أبقت الاقتصاد السوري بتماسكه حتى اللحظة»، منوهاً إلى أن «عدداً كبيراً من أصحاب رؤوس الأموال في حلب تركوا البلاد، بعضهم خوفاً على نفسه بعد تكرر حالات الخطف مقابل فدية، ثم القتل، وبعضهم خرج بنوع من الخيانة».
وتردد في الآونة الأخيرة أنباء عن هجرة استثمارات وأموال من سورية نظراً لتزايد أعمال العنف التي تعيشها البلاد، ما أكده رئيس اتحاد غرف صناعة حلب فارس الشهابي لوسائل إعلامية بأن «معظم صناعات النسيج التي غادرت سورية أصبحت في مصر وبدأت بالاستثمار واشترت أراضي وباشرت بإنشاء المعامل».
وطالب اتحاد غرف صناعة حلب مؤخراً المصرف المركزي أن يتم بيع العملة الصعبة للتجار والصناعيين عبر المصرف التجاري، بهدف تجاوز عقبات ناجمة عن سلوك خاطئ لبعض شركات الصرافة التي لا تمارس دورها الصحيح، وذلك بعد تنصل الحكومة من مطالبات عديدة بتأمين الحماية للمدن والمناطق الصناعية.
ونتيجة لهذا، أسست غرفة صناعة حلب مكتب السلامة المهنية، لتنظيم عملية الحراسة الأمنية الضرورية للمدينة الصناعية، بالاعتماد على كوادر مدربة، لكن هذا الحل لم يجد كثيراً، حيث يحتاج إلى رصد الأموال ما يحمل المصانع أعباء مادية إضافية لا تستطيع تحملها، وخاصة في هذه الظروف التي ينهك فيها الصناعيون لتأمين مواد الطاقة وبالأسعار المرتفعة جداً، إذ إن الحد الأعلى لرسم السلامة المهنية يصل إلى 30 ألف ليرة، ورغم أن غرفة صناعة حلب اقترحت على المحافظ تخفيضه إلى 15 ألف ليرة، بحيث يدفع الصناعي 5 ليرات سورية عن كل متر مربع على ألا يتجاوز المبلغ 15 ألف ليرة، ولا يقل عن 5 آلاف ليرة سورية شهرياً، رغم اعتبار أي مبلغ سيدفعه الصناعي في هذه الظروف يشكل عبئاً عليه.

«بردى» متوقفة بالكامل

ومن جهتها، تعرضت شركة (بردى) لصناعة الأدوات المنزلية إلى الاعتداء، ما أدى لتوقفها بالكامل عن العمل دون القدرة على تحديد حجم الضرر الذي لحق بها، إلا أنه وحسب مدير عام المؤسسة العامة للصناعات الهندسية الدكتور نضال فلوح «يبلغ ملايين الليرات السورية»، بينما تأثرت شركات أخرى تابعة للمؤسسة بشكل غير مباشر، عبر توقف النقل أو صعوبته وبالتالي عدم قدرة العمال من الوصول إلى عملهم وانخفاض الإنتاج كنتيجة حتمية لذلك.
بينما توجد أربع شركات متوقفة عن العمل قبل الأحداث بفترات مختلفة (الألمينيوم والأخشاب والمحركات والكبريت)، لعدم قدرتها على المنافسة في السوق نتيجة الانفتاح.

و»سيامكو» دون قطع سيارات

«فيما توقف إنتاج سيارات( شام) في شركة (سيامكو)، لعدم إمكانية توفير قطع الإنتاج من مصدرها في إيران، بسبب العلاقات المتأزمة مع تركيا، وبالتالي البحث عن نوع جديد من السيارات لإنتاجه قد يكون (لادا) التابعة لشركة (أفتوفاز) الروسية، التي تدرس إرسال مكونات السيارة والتكلفة، ليجري بحث ملاءمتها للمواطن السوري من قبلنا»، حسب فلوح.
وحول نسب التنفيذ والصعوبات، بين الدكتور فلوح إن «نسب التنفيذ كانت عالية  وتتجاوز الـ%100، لكن حالياً نتيجة الظروف تدنت نسب التنفيذ، إلا أن السبب الرئيسي هو توقف شركة الحديد عن الإنتاج، حيث تشكل أكثر من %50 من إنتاج المؤسسة»، مضيفاً إننا « نواجه صعوبات بفتح الاعتماد لتوفير المواد من الخارج، فشركة الكابلات موادها مستوردة في معظمها، كما توجد صعوبات في الطرقات ووصول المادة إلى وجهتها، حيث لم نعد قادرين على توزيع المنتجات في كل المحافظات رغم وجود صالات عرض متفرقة».

ثلاثة مشاريع مؤجلة

وعن أثر الأوضاع الأمنية على سير المشاريع، قال فلوح إن «بعض المشاريع كان من المتوقع أن تقلع أو تستلمها المؤسسة في وقت سابق، لكن الظروف الحالية حالت دون ذلك، فقد سافر الخبراء الهنود الذين كانوا يعملون على مشروع تأهيل واستبدال معمل صهر الخردة في معمل حديد حماة، بعد أن وصلوا لمراحل دقيقة جداً، علماً أن كلفة المشروع 34 مليون ليرة سورية، 25 مليون منها قرض من الحكومة الهندية، ويهدف إلى تطوير إنتاج المعمل من 60 ألف طن إلى 288 ألف طن سنوياً».
وتابع مدير عام المؤسسة إن «مشروعاً مع بيلاروسيا لإنتاج الشاحنات والباصات، تم تأجيله لبداية العام من قبلهم بسبب الظروف، رغم انتهاء مرحلة دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، فيما تأخر إلى بداية العام القادم إقلاع مشروع إنتاج أجهزة تسخين المياه بالطاقة الشمسية (سانسير) نظراً لتأخر وصول خط الإنتاج».

تخفيض الاعتماد أكثر من النصف

وفيما يتعلق بتخفيض اعتماد المؤسسة، أوضح مديرها العام إنه «تم تخفيض الاعتماد بعد أن كان يضم خططاً لكل الشركات التابعة للمؤسسة، ثم حاولنا تخصيص اعتماد للأساسيات، وأجلنا ما يمكن تأجيله للعام القادم، حيث حاولنا دعم الشركات التي نريدها أن تستمر بالعمل وخصصنا لها اعتماداً، إضافة لتخصيص اعتماد لكل من كان استمرار عمله متوقفاً على ذلك، وكان التركيز على شركة الكابلات في دمشق وحلب والبطاريات،  وتم تخفيض اعتماد بقية الشركات بالتحاور معهم».
ونوه فلوح إلى أن «الاعتماد كان يبلغ 900 مليون ليرة خفضناه إلى 455 مليون بداية، ثم إلى حدود 400 مليون».
وتعتبر المؤسسة العامة للصناعات الهندسية إحدى المؤسسات الصناعية بسورية، وتهتم بشكل خاص بالصناعات الهندسية للقطر، أحدثت عام 1975، ويتبع لها 12 شركة صناعية، متوضعة في ست محافظات.
وصدر عام 2011 مرسوم أحدثت بموجبه الشركة العامة لتصنيع وتوزيع الآليات الزراعية، التي أتبعت  للمؤسسة العامة للصناعات الهندسية، إلا أن المرسوم تأجل ليتم المباشرة به بداية عام 2013.