أرقام دعم «خلبية» تختبئ خلف الفاقد الكهربائي ونسب الهدر الكبير!

من يقرأ تاريخ وزراء الكهرباء في سورية، فإنه سيجد دون أدنى شك تصريحات بالجملة عن الدعم وأرقامه، ولكنه قلما يجد حديثاً عن نسب الفاقد الكهربائي، أو عن فاقد الفساد في وزارة الكهرباء، أو تصريحاً عن مشاريع الوزارة «الطموحة» لتلافي الخلل البنيوي في بنية القطاع الكهربائي الذي يهدر الثروة الوطنية، والتي تفوق فاتورتها الدعم ذاته، وذلك من باب الشفافية والمصارحة المطلوبة مع السوريين على أقل اعتبار، إلا أن الدعم يبقى هاجس الوزارة ومحور لقاءاتها، وهم الباحثين عن تضخيمه لجعله قاعدة يخبئون خلفه أخطاءهم وفسادهم، وهو المحمّل بتكاليف الفاقد الفني والتجاري والهدر والفساد، وحتى المهمات وأذونات السفر توضع على فاتورة الدعم أيضاً، وإلا ما هو مبرر إعلان وزير الكهرباء قبل أيام أن القطاع الكهربائي مدعوم من الدولة بشكل كبير، حيث يزيد الدعم السنوي له على 400 مليار ليرة سورية، فهل من المنطق أن يعادل دعم الكهرباء بمفرده 30% من الميزانية السورية لعام 2012؟! وما يقارب 15% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد؟! ففاتورة الدعم الإجمالية بحسب الرقم الحكومي من الكهرباء والمازوت والزراعة والصناعة وغيرها ما يفوق حجم الموازنة العامة للدولة، وهذا غير وارد بالمنطق الاقتصادي، ولا يتعدى كونه محاولة تهويل بالأرقام غير الحقيقية لتشويه واقع الدعم الفعلي...

دعم افتراضي

رقم الدعم الافتراضي الذي قدمه وزير الكهرباء لا يوجد من أرضية داعمة له، فهو يعني أن كل ك. و. س يدعم بما يزيد عن 8 ليرات سورية، هذا إذا ما جرى حساب الدعم على اساس كمية الكهرباء الإجمالية التي تم إنتاجها في البلاد (50 مليار ك.و.س)، أما إذا استثنينا الفاقد الكهربائي (التجاري، الفني) المقدر بنحو 30% من إجمالي الطاقة المنتجة، فإن المسددين يستهلكون في هذه الحالة فعلياً 35 مليار ل.و.س فقط، وبهذا يصل رقم الدعم المقدم بشكل فعلي على كل ك.و.س إلى ما يقارب 11.5 ل.س، وهذا رقم يفوق تكلفة إنتاج ك.و.س في أي من الدول العربية المصدرة للبترول والمستوردة لمشتقاته على حدٍ سواء، على اعتبار الوقود المكون الأساسي في تكلفة إنتاج الكهرباء، وهذا سيساهم في تضليل وتشويه حقيقة الرقم الفعلي لدعم المستهلك السوري من مادة الكهرباء لحساب الهدر والفساد واستمرار أزمة القطاع الكهربائي على حالها دون حلول..

 
المقارنة تفضح المستور

تعطي أرقام النشرة الإحصائية للدول العربية لعام 2011 الصادرة عن الاتحاد العربي للكهرباء مؤشراً وتصوراً أكثر دقة لتكلفة إنتاج ك. و. س، حيث تبين النشرة أن تكلفة إنتاج كل ك. و. س في سورية -حسب أرقام النشرة- تصل إلى 8.50 سنتاً (6 ليرات سورية)، بينما تكلفة إنتاج ك. و. س في تونس 11.4 سنت (8 ليرات)، أما في لبنان فتصل التكلفة إلى 144.2 سنت (10 ليرات)، وهي الدولة الأعلى عربياً في تكلفة إنتاج ك. و. س الواحد من الكهرباء بعد فلسطين..
الدعم المقدم للقطاع الكهربائي بحسب التصريح الرسمي لكل ك. و. س يقدر بنحو 8 ليرات، وبالتالي فإنه يفترض بتكلفة الإنتاج أن لا تقل عن 12 – 14 ليرة للكيلو الواحد في هذه الحالة، لأن متوسط مبيع ك. و. س للاستهلاك 0،4 فولت يقدر بنحو 2 ل.س، وتعرفة الاستهلاك على التوتر الأعلى أكبر من سعر التعرفة السابقة بطبيعة الحال، بينما متوسط التكلفة في عام 2010 لا يتجاوز 6 ل.س لكل كيلو واط ساعي حسب أرقام الاتحاد العربي للكهرباء، وهذا بطبيعة الحال يفتح باب التساؤلات عن أسباب ارتفاع تكلفة الإنتاج الكهربائي في سورية بنسبة 100% منذ عامين حتى الآن، إذا ما أخذنا الحديث الحكومي عن تكلفة انتاج ك.و.س محلياً بنحو 14 ل.س على محمل الجد، علماً أن سعر النفط عالمياً كان مشابهاً وموازياً للسعر الحالي على المستوى العالمي، وهذا الربط ليس عشوائياً بين أسعار الوقود وتكلفة إنتاج الكهرباء، لأن سعر الوقود يشكل ما يتراوح بين 80 – 90% من إجمالي تكلفة إنتاج ل. و. س، وهذه المقارنة تفضح المستور من الحقيقة المغيبة التي تسعى إلى التعتيم عن واقع التكلفة الحقيقية لإنتاج الكهرباء في البلاد..

 
دعم مزدوج!

ومن جهة أخرى، فإن تكلفة إنتاج الكهرباء في تونس ولبنان تقارب حجم الدعم المفترض على كل ك. و. س في سورية حسب الادعاء الرسمي، وهذا ليس بالمقبول أو بالمنطقي، لأن لبنان وتونس يستوردان كامل احتياجاتهم النفطية التي تشكل الجزء الأكبر من تكلفة إنتاج الكهرباء، على الرغم من أن الواقع يفترض تكلفة إنتاج أعلى في هذه الدول مقارنة مع سورية التي تستورد 40% من استهلاكها الإجمالي من المازوت فقط، و50% من الغاز، إلا أن الإرقام الحكومية المصرح بها عن دعم الكهرباء تنسف هذا المنطق، كما أن البلاد تنتج جزءاً من طاقتها الكهربائية من خلال المياه التي تعتبر ذات تكلفة منخفضة مقارنة بالكهرباء التي تنتج عبر الطاقة الحرارية أو الكهراطيسية أو الريحية المستخدمة في هذين البلدين حاجاتهم الكهربائية..

وإذا سلمنا جدلاً بأن دعم المحروقات 300 مليار ليرة سورية (مازوت، فيول، غاز)، فإن حصة الوقود من إجمالي حجم تكلفة إنتاج الكهرباء لا تحتسب على أساس السعر المدعوم للطن الواحد من الوقود، ولا يحمّل دعم الوقود على تكلفة إنتاج الكهرباء أيضاً، لأن الدعم المفترض على الوقود سيدفع في هذه الحالة مرتين، في المرة الأولى على المحروقات، وفي الحالة الأخرى على تكلفة إنتاج ك. و. س من الكهرباء، وهذا سيساهم في تشويه حقيقة الدعم المقدم للسوريين في كل قطاع على حدة، وبالخارطة الإجمالية للدعم أيضاً..