الكهرباء في سورية: أزمة علاجها على حساب الاستهلاك مقابل غياب التخطيط

مع بداية الأزمة في سورية، وظهور معالم التأزم الاقتصادي، اتضح أن قطاع الكهرباء من أكثر القطاعات هشاشة، حيث أعلن النفير وامتد التقنين ليشمل جميع المناطق السورية، ووصل إلى 12 ساعة يومياً في فترات الذروة في فصل الشتاء، وهذا يعني أن إنتاج الكهرباء خلال الأزمة أصبح غير قادر على تأمين نصف استهلاك السوريين اليومي، هذا إذا ما اعتبرنا أن أسباب التقنين أسباب موضوعية تتعلق بإنتاجية القطاع..

تأزم قطاع الكهرباء خلال الأزمة له أسبابه الموضوعية العديدة التي تتعلق بجوانب أمنية، وبجوانب اقتصادية مرتبطة بالعقوبات. حيث أن محطات التوليد المتعددة توجد في مناطق متوترة أمنياً، وتعرضت للتخريب بجزء كبير منها.
إلا أن هذا يبقى على أهميته عرضياً، إذا ما قورن بمسببات أخرى تمس المستلزمات الأساسية لإنتاج الكهرباء، أي الوقود.

 

الوقود والمبررات الموضوعية للتقنين

إنتاج الكهرباء يتطلب كميات كبيرة من الوقود، الحصة الأكبر منها للغاز الطبيعي، يليها الفيول، ثم المازوت.
العقوبات الاقتصادية أثرت في كمية الوقود المنتج، والمستورد، واستدعت سياسة تقنين لكميات الوقود المتاحة..
أما مع تزايد التصعيد الأمني في المرحلة الأخيرة، فإن أزمة القطاع دخلت مرحلة تصعيد كباقي قطاعات الاقتصاد السوري، وأساسها تعطل طرق النقل الضرورية لإيصال الوقود إلى محطات التوليد، وأعلن عن توفر الفيول والمازوت، مع عدم القدرة على تزويد المحطات..
كل هذه تعتبر مبررات موضوعية لتقنين الكهرباء الذي شكل عبئاً إضافياً على المواطن والاقتصاد السوري خلال عامي الأزمة..

 

إزدياد إنتاج الكهرباء يلغي مبررات التقنين

بلغ إنتاج الكهرباء في عام 2010 حوالي 47 مليار كيلو واط ساعي، بينما تشير أرقام عام 2011 إلى إنتاج 50 مليار كيلو واط ساعي أما في عام 2009 فقد تم إنتاج حوالي 44 مليار ك.و.س..
تدل هذه الأرقام أن معدل نمو القطاع لم يتراجع خلال عام 2011 وبقي ثابتاً على معدل 6%، وهذا مؤشر جيد على قدرة القطاع على الاستمرار، ولكنه يفتح على تساؤل هام؟ ما المبرر الاقتصادي لكل هذا التقنين خاصة إذا علمنا أن الكهرباء المنتجة لا يمكن تخزينها؟! أي أن الكميات المنتجة ازدادت ولم تتأثر بعوامل الأزمة، فما الذي يستدعي مستوى عالي من التقنين، وخاصة أن المنتج غير قابل للتخزين أو إنشاء احتياطي.
لابد أن صفقات المولدات إحدى المبررات «الموضوعية» الهامة!!

 

القطاع خطوات بطيئة إلى الأمام

أزمة قطاع الكهرباء في سورية عمرها يسبق عمر الأزمة السورية حالياً، وأزمته البنيوية ليست الدعم الحكومي كما يشاع وإنما ضعف الإنفاق الاستثماري في كفاءة وتقنية المحطات، وكباقي القطاعات الاستراتيجية لم يشهد تغيرات على مستوى تطور الحاجة وتطور الاستهلاك. خطا القطاع خطوة نحو الأمام باتجاه الاعتماد بشكل أكبر على الغاز الطبيعي حيث أصبح يشكل ما نسبته 59% من الطاقة اللازمة لإنتاج الكهرباء بعد أن كان الفيول يشكل النسبة الأكبر، وتنعكس زيادة دور الغاز الطبيعي في التوليد بتخفيض نسبة التلوث الناجمة عن عمليات توليد الكهرباء.
أما بالنسبة للعنفات فهي موزعة على العنفات البخارية تنتج ما نسبته 45 %، الغازية 9% ، المركبة 40%، المائية 6%. الدارات المركبة هي الأجدى حيث أن الدارة المركبة هي عبارة عن عنفتين تعملان يستفاد من استرجاع غازات العادم لهما بتشغيل عنفة ثالثة وتعمل دون صرف أي ليتر من الوقود فقط من استرجاع الحرارة الكامنة في غازات العادم وهذه الطريقة تعطي مردوداً خيالياً يصل إلى 52% بينما المحطات البخارية عادة عندما تكون جديدة مردودها لا يتجاوز الـ 36%، إلى الآن يقتصر وجود هذه الدارات المركبة على ثلاث محطات فقط من أصل 11 محطة توليد تعمل في سورية. وعندما تم إنشاء المحطة الأحدث في دير علي لم يتم تزويدها بهذه الدارات المركبة.

 

قطاع الكهرباء مهدد

الدكتور محمد حسن أحد المختصين بقطاع الطاقة في سورية، حذر علناً بأن القطاع الكهربائي في سورية مهدد..
 وهو تحذير من اختصاصي تطلب منا الاستيضاح حول ما الذي يهدد إنتاج الكهرباء في سورية.
يرى الدكتور محمد أن أزمة القطاع البنيوية قائمة على إعاقة التطويرات الجدية وذلك برأيه لا يعود إلى أسباب موضوعية وإنما بكل بساطة إلى عوامل ذاتية أي الفساد.
« في الواقع كل دولة في العالم تقوم بتطوير وتحديث قطاع الطاقة الكهربائية لديها بما يتماشى مع النمو السكاني والصناعي ويأخذون بعين الاعتبار زيادة الطلب على الكهرباء في المستقبل القريب والبعيد ويكون لديهم ما يسمى بالاحتياط إذا ما انهارت عنفة ما أو محطة ما لسبب أو لآخر، أو للحرص على عدم انقطاع الكهرباء وذلك لأن الكهرباء باتت تدخل في كل المجالات العملية والإنتاجية وانقطاعها لدقائق يسبب خسارات لا متناهية فما بالنا بساعات وساعات طويلة ويوميا».
« السبب الرئيسي والوحيد، لأزمة قطاع الكهرباء، وضعف تطويره، هو العمولات والأتاوات التي كانت تطلب من الشركات الغربية العاملة بشكل أساسي بسورية، فيما يتعلق بالجانب الفني من إنشاء المحطات، مع الوقت أدى هذا إلى تمنع الشركات الغربية عن التقدم للمناقصات المطروحة قبل أن تكون هناك أزمة سياسية.»
أما التوجه نحو الشرق فلم يتم نظراً للسبب نفسه عدم دفع الأتاوات.
« تقدمت شركة صينية عملاقة ورائدة في هذا المجال لتوسيع محطة زارة وهذا لم يحصل لأن الشركة لا تدفع عمولات للمسؤولين عن صنع قرار التطوير، علماً بأن هذه الشركة تبني في أوربا محطات حرارية ... وهذا ما حصل أيضاً مع المصفاة الثالثة مع شركة صينية أخرى..»
«المحطات والكهرباء في سورية بخطر كبير، فالحظر الاقتصادي وعدم توفر القطع وعدم التوجه شرقاً سوف يؤدي إلى كارثة حقيقية قريباً وقولي قريباً يعني لن يتجاوز السنة.»
يرى الدكتور محمد بأن طريقة المناقصات أحد أسباب المشكلة، ويكمن الحل بتغييرها.
«الحل الوحيد والسريع هو بالعمل بطريقة التراضي وليس المناقصات العالمية،وعلى الدولة وفوراً التوجه شرقاً والعمل بطريقة التراضي. إذا لم يحصل هذا اليوم ستقع الكارثة ، وذلك نظراً لوضع المحطات التي تعاني في الظرف الحالي ونتيجة الحظر من صعوبة كبيرة في الصيانة، نظراً لكونها تصان من خبراء أوروبيين تابعين لهذه الشركات.»
تعاني العنفات اليوم من مشاكل وضعف في المردود نتيجة حظر القطع من الشركات، وعدم وجود خبراء للصيانة.
«في محطة توليد بانياس المردود لا يتجاوز الـ 28%. عنفتين بخاريتين متهالكتين وتم إعادة تأهيلهما من الإيرانيين ولكن لم تنجح عملية تأهيلهما.»

 

مقترحات لتطوير القطاع

يقترح الدكتور محمد حسن حول تطوير المحطات.
- العمل الفوري على توسيع المحطات القائمة لدينا وبناء محطات جديدة وذلك بالاتجاه شرقاً لبناء هذه المحطات ومقولة بأن الغرب صناعته في هذا المجال أفضل من الشرق غير صحيحة، لأنه شرقاً هناك من يضاهي الغرب في هذا المجال.
- لا بد من توسيع المحطات الحرارية ذات الدارة المركبة، حيث أن المحطات الحرارية العاملة في سورية مردودها  النظري لا يتجاوز 37 % والفعلي يقارب 33% .
- تأمين الكهرباء يجب أن يكون مرفقاً دائماً باحتياطي دائم يمكن توظيفه عند الكوارث مثلاً الطبيعية أو المفتعلة، والتخطيط لتطوير هذه المحطات وتكبيرها حسب الحاجة المستقبلية أخذين بعين الاعتبار النمو السكاني والصناعي والحاجة المتوقعة وفق إحصائيات حقيقية.