انتخابات الكيان... تكرار الظاهرة يجعلها قانوناً

انتخابات الكيان... تكرار الظاهرة يجعلها قانوناً

يشبّه البعض انتخابات الكنيست في الكيان الصهيوني بمسلسل ممل، تتالى حلقاته دون أحداث جديدة، وإن كان التشبيه هذا مفهوماً ومبرراً، إلا أنه لا يكفي لتفسير «ظاهرة التوازن» هذه التي تكررت لأربع مراتٍ على التوالي في أقل من عامين، وخصوصاً أن هذا «المسلسل» لا بد أن يحمل أحداثاً قادمة رغم بدايته المملة!

لا بد لنا أن نتوقف أولاً عند نتائج هذه الانتخابات، قبل أن نعرض بعضاً من الاستنتاجات السياسية، التي من شأنها أن تُخرج هذا الحدث من مجرد كونه انتخابات متعثرة، إلى كونه مؤشراً سياسياً هاماً، يحمل بذور احتمالات قادمة تشترك جميعها بأنها لا تصبّ في مصلحة الكيان الصهيوني المأزوم.

النتائج وما بعدها

مع إعلان النتائج شبه الرسمية لانتخابات الكنيست التي أُجريت في يوم الثلاثاء 23 آذار الجاري، حُسم الأمر مجدداً باللا حسم، ولم يستطع أيٌ من الأحزاب السياسية داخل الكيان الحصول على الأغلبية النيابية التي تسمح بتشكيل الحكومة، مما يعني: أن الغرض الأساس من أجراء هذه الانتخابات لم يُثمر! وكما كان متوقعاً، لم يحصل التحالف الذي يقوده نتنياهو على الـ 61 مقعداً التي تضمن له تشكيل الحكومة، ولم تنجح القوى المعارضة له بذلك أيضاً. فحصل نتنياهو وحلفاؤه على 52 مقعداً بمقابل 51 مقعداً للتيار المقابل. لتضعنا هذه النتائج أمام خيارات باتت معروفة، فإما أن ينجح أحد الفريقين بتوسيع قائمة حلفائه للوصول إلى حكومة. وإما حل البرلمان تمهيداً لانتخابات خامسة. وفي الواقع اختبر الكيان كلا الاحتمالين سابقاً دون الوصول إلى النتائج المرجوة.
وفي الوقت الذي يحاول البعض اختصار المشكلة بتخوّف نتنياهو من المحاكمة مما يجعله يتمسك برئاسة الوزراء، يثبت الواقع أن المشكلة معقدة أكثر من ذلك بكثير، فعلى الرغم من أن نتنياهو يستطيع تأخير محاكمته نظراً لتمتعه بالحصانة، إلّا أنه لا يمكن تفسير المشكلة من هذه الزاوية فحسب، أو على الأقل لا يكفي هذا لتفسير فشل خصومه في حسم هذه المعركة.
يمكننا القول: إن إعلان نتائج الانتخابات يحمل بين سطوره جملة من الإعلانات السياسية الأخرى، والتي يمكننا تلخيصها، وأبرزها:

أولاً: التطبيع المجاني للكيان أيضاً

في القراءة الأولية لاتفاقات التطبيع السوداء مع الكيان، والتي شملت حتى اللحظة كلاً من الإمارات، والسودان، والمغرب، والبحرين، كان لا بد من تفنيد الأكاذيب والذرائع التي وضعتها الأنظمة المطبعة أمام الرأي العام. وأظهرت الأشهر القليلة التي تلت اتفاقات التطبيع، أن هذه الأنظمة وإلى جانب تفريطها بالقضية الفلسطينية، وتفريطها بحقوق الشعب الفلسطيني، كانت – وكما عهدناها – تعمل بما يناقض مصالح شعوبها، وتجاهد في صف «الفوضى الخلاقة» أكثر من أصحاب المشروع أنفهسم. ومما أضاف الكثير من الهزلية إلى المشهد المخجل، هو أن الأنظمة العربية لم تتلق أجراً لقاء الدور الذي لعبته، ولم تحصد ثمرة لقاء «خدماتها السخية». وتبرهن الأحداث أيضاً: أن الخيبة شملت قصيري النظر جميعهم، فالكيان الصهيوني الذي تمنى أن تشكّل هذه الاتفاقات حقنة أدرنالين ضخمة في جسده المتعب، وجد نفسه في المأزق ذاته، ولم تقدم له هذه الاتفاقات مساعدة حقيقية كافية لانتشاله، لتقترب مسرحية التطبيع من النهاية، بعد أن فشلت وتعثرت أمام أول الاختبارات، ولتصبح أشبه بأوراق بالية مكدّسة فوق ظهور أصحابها.

ثانياً: تكرار الظاهرة يحولها إلى قانون

عندما تتكرر الظاهرة تتحول إلى قانون، يشمل هذا القول الظواهر الاجتماعية والسياسية، فالانتخابات الصهيونية أفرزت النتائج ذاتها في أربع تجارب متكررة، مما يجعلنا أمام علاقة قانونية واضحة، أطراف المعادلة في الظرف القائم لن يخرجوا بنتائج جديدة. لا يكفي الاستنتاج السابق وحده بالطبع، فالنتيجة واضحة أمام الجميع، وهذا الصحيح، لكن أطراف المعادلة لا تبدو بدرجة الوضوح ذاتها، فما هي أطراف المعادلة؟ هل يمكن حصرها بالليكود أو أبيض- أزرق؟ هل تنحصر بكونها مجموعة من السياسيين الذين فقدوا شعبيتهم فحسب؟! لا نعتقد هذا، بل إن نتائج الانتخابات هذه تؤشر مجدداً إلى انتهاء صلاحية المنظومة السياسية القائمة، وإن كان الكيان يشترك مع الدول الرأسمالية الأخرى بهذه المشكلة، إلّا أنه يضيف فوقها مشكلةً أساسية، وهي: أن الشكل القائم هو الشكل الوحيد الذي يسمح للكيان الصهيوني بالبقاء دون تغيير في جوهر بنيته، فالمشكلات التي يعاني منها لا تنحصر بكونها أزمة حكم مترافقة مع ظرف اقتصاديٍ صعب، فالكيان كان دائماً في صراعٍ وجودي مع شعوبٍ عريضة ترى فيه لغماً زرعه الغرب في أراضيها، ويعقّد التراجع المتسارع للولايات المتحدة موقف الكيان.
القوى السياسية المتصارعة في هذه الانتخابات تملك في الجوهر مشروعاً سياسياً واحداً اسمه: الكيان الصهيوني، قد تكسب بعض الوقت هنا وبعض الدعم هناك، إلّا أن الاستحقاق قادم، فالكيان سيكون عاجلاً أم آجلاً بمواجهة تغييرات سياسية، فالتوازن الدولي الجديد وتراجع المشروع الغربي من جهة، والتغييرات العميقة المرتقبة في الأنظمة المحيطة، وما ستحمله من موجة شعبية مضادة له من جهة أخرى، وفوقها أزمة وجودية داخلية ستفرض جميعها على الكيان مخرجاً وحيداً يفقد عبره خصائصه الأكثر جوهرية، تلك التي جعلت منه الكيان التوسعي العنصري الذي عرفناه دائماً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1011
آخر تعديل على الإثنين, 29 آذار/مارس 2021 15:02