ليبيا: ثلاثة اجتماعات دفعاً للحل السياسي في أقل من شهر!

ليبيا: ثلاثة اجتماعات دفعاً للحل السياسي في أقل من شهر!

أدى إعلان وقف إطلاق النار الذي جرى في 21 آب بين الفرقاء الليبيين إلى فتح الباب أمام الشعب الليبي ليعبّر عن نفسه ومطالبه، مشكلاً بذلك حملة ضغطٍ داخلية تراكبت مع السعي الدولي من الخارج إلى حل الأزمة الليبية، مما دفع وسرّع من خطوات عملية جمعت الفرقاء الليبيين على طاولة حوار واحدة في كل من المغرب وسويسرا ومصر.

فبعد إعلان وقف إطلاق النار بدأت تخرج المظاهرات الشعبية في عددٍ من المدن الليبية غرباً وشرقاً لدى مناطق سيطرة كلاً من مجلس النواب «حفتر» وحكومة الوفاق الوطني «السرّاج» مطالبةً بالتغيير ومحاربة الفساد، وبوضع دستور جديد وتحقيق السيادة الوطنية وإجراء انتخابات نزيهة، ومنددةً بتردي الأوضاع المعيشية وعدم توفر الاحتياجات الأساسية من مياه وكهرباء.
أدى هذا النشاط إلى نشوء عدة اشتباكات بين المتظاهرين والقوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس غربي البلاد، لتنشأ إثر ذلك موجة ضغطٍ أعلى تندد بالـ «قمع» الجاري من قبل حكومة الوفاق، ولترغمها بالتالي على تنفيذ عددٍ من الخطوات والتنازلات، وإن كانت شكلية، عبر إجراء تعديلات وزارية خاصة بالأمور الخدمية، إلّا أنها تعبّر عن تأثير الحراك عليها.
وبسبب تعالي الأصوات المتهمة لحكومة الوفاق بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، جرى توقيف وزير الدفاع الليبي فتحي باشاغا احتياطياً عن العمل، ومثوله للتحقيق الإداري بشأن قمع المظاهرات، كخطوة احتواء مؤقتة، ليعود بعدها بيومين متابعاً أعماله.

لقاءات المغرب

على المستوى السياسي، استضاف المغرب في مدينة بوزنيقة وفدين من المجلس الأعلى للدولة، ومجلس النواب، لإطلاق مفاوضات وحوار ليبي- ليبي، يهدف إلى تثبيت وقف إطلاق النار، والوصول إلى توافقات سياسية دفعاً للحل، حيث دعا وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إلى إعادة الثقة بين أطراف الأزمة الليبية، وتمهيد الطريق لحوار دون أي تدخل، معتبراً أن جميع المبادرات التي قدمت من أطراف الأزمة تشكل أرضية للتقدم نحو الحل.
وفي ختام اليوم الأول 6 أيلول أعلن الوفدان الليبيان عن «رغبتهما الصادقة في تحقيق توافق يصل بليبيا إلى بر الأمان لإنهاء معاناة المواطن الليبي»، بينما أكد بوريطة على أن «الحل لا يمكن إلّا أن يكون سياسياً» وأعرب عن ثقته «في قدرة المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب الليبي كمؤسستين شرعيتين، على تجاوز الصعاب والدخول في حوار لمصلحة ليبيا».
ثم أكد الليبيون في الثاني على أن هذه المفاوضات لا تشكل مبادرة موازية للجهود الدولية، وإنما تكميلاً لدورها في حلحلة النزاع، وقال رئيس وفد المجلس الأعلى إن المشاورات تهدف للوصول «إلى حل توافقي سياسي وسلمي»، بينما أكد رئيس لجنة الخارجية في مجلس النواب الليبي: «سنبدل قصارى جهدنا لتجاوز الماضي، والتوجه لرأب الصدع والسير نحو بناء الدولة الليبية»
واتفق الطرفان الليبيان في ختام جولة المفاوضات على مجموعة تفاهمات أولية تؤكد على: إنهاء حالة انقسام المؤسسات في الدولة الليبية، وتقاسم 6 مناصب سيادية مناصفةً من أصل 10، واستئناف المحادثات في الأسبوع الأخير من هذا الشهر.
وقال رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، بأنّ الاجتماع الأخير في المغرب «لم يكن من أجل توزيع المناصب على أشخاص كما يشاع، وإنما من أجل تقسيم المؤسسات السيادية على أقاليم ليبيا» مؤكداً إن بلاده بحاجة إلى تشكيل «سلطة جديدة واحدة».

لقاءات سويسرا

بالتوازي مع اجتماعات المغرب، جرى بين 7 و9 أيلول اجتماع تشاوري بين عدد من الشخصيات الليبية في مدينة مونترو السويسرية برعاية مركز الحوار الإنساني، وقد أصدرت الأمم المتحدة بياناً ترحب فيه بنتائج هذا الاجتماع، حيث أعلنت فيه عن إحراز تقدم ملموس ضمن إطار جهود البحث عن تسوية النزاع في البلاد، ونوهت البعثة الأممية بتوافق آراء المشاركين في مشاورات مونترو بشأن وجوب إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في نهاية فترة تمتد 18 شهراً، وفقا لإطار دستوري يتم الاتفاق عليه، موضحة أن هذه الفترة تبدأ بإعادة تشكيل المجلس الرئاسي، وإنشاء حكومة وحدة وطنية تمثل الجميع، وتكرس جهودها لتقديم الخدمات وتهيئة الظروف اللازمة لإجراء الانتخابات الوطنية، وأكدت البعثة: أنها في ظل المشاورات في سويسرا والمغرب وبعد أسابيع من المحادثات المكثفة مع الأطراف الرئيسية الليبية والدولية، ستطلق الآن الترتيبات اللازمة لاستئناف مؤتمر الحوار السياسي الليبي الشامل، مضيفة: أن الإعلان عن ذلك سيتم في الفترة القادمة، ويختتم البيان بدعوة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته لدعم هذه العملية و«الاحترام المطلق للحق السيادي للشعب الليبي في تقرير مستقبله».
وقد رحب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بمخرجات المشاورات الليبية في مدينة مونترو السويسرية، وأكد في بيان له: أنه تم الاتفاق على «أن تتولى كل منطقة من مناطق ليبيا الثلاث على حدة اختيار ممثلها في المجلس الرئاسي المكون من رئيس ونائبين عبر مجمعات انتخابية، وأن تكون مدينة سرت مقراً للمؤسسات التشريعية والتنفيذية ومصرف ليبيا المركزي، خلال المرحلة التمهيدية للحل الشامل لكي تتمكن السلطات الجديدة من ممارسة عملها، نظراً لموقع سرت الجغرافي الذي يتوسط البلاد».

زيارة وفد الوفاق الوطني إلى مصر

في 9 أيلول وصل وفد ليبي يضم أعضاء من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة إلى العاصمة المصرية القاهرة، لبحث الحل السياسي في إطار إعلان القاهرة لحل الأزمة الليبية، دون أن تخرج عن الاجتماعات تصريحات تفيد بالوصول إلى تفاهمات جديدة من عدمها، إلا أن زيارة وفد من الوفاق الوطني تمثل خطوة إيجابية بعد كل التصعيد السابق بين القاهرة وحكومة الوفاق، مما يخدم التقارب بين وجهات النظر الليبية من جهة، ويُعطي مؤشرات بتقارب مصري تركي.
تُعطي هذه الاجتماعات والمبادرات بنتائجها وتصريحات المعنيين بها تفاؤلاً جيداً بالمضي نحو عملية حل سياسي شامل للأزمة الليبية، وربما من أهم الأمور التي أدت إلى هذا التسارع بالإضافة إلى الضغطين الداخلي والخارجي على الفرقاء الليبيين، هو غياب الطرف الأمريكي عن المشهد بشكل شبه تام، عدا عن التصريحات المتباعدة والمحدودة بعد دخول الطرف الروسي إليها واتفاقه مع تركيا قبل شهرين.. وبالإمكان القول: إنّ إمكانية استمرارية هذا الطريق أو عرقلته وتأخيره ترتبط مباشرةً وأولاً بالنشاط الأمريكي فيه، وقدرة تأثيره عليه.

معلومات إضافية

العدد رقم:
983
آخر تعديل على الإثنين, 14 أيلول/سبتمبر 2020 12:38