فلسطين: دربٌ طويلة ولكنها ممكنة

فلسطين: دربٌ طويلة ولكنها ممكنة

تشهد الفصائل الفلسطينية تحركات ولقاءات كان آخرها الاجتماع الذي عقد في مقر منظمة التحرير الفلسطينية في مدينة رام الله، وكان حضور ممثلين عن «حماس» و«الجهاد الإسلامي» سبباً كافياً لتتوجه الأنظار إلى هذا الاجتماع الذي سيناقش «تعزيز الموقف الوطني الرافض للضم والتطبيع»، ويضاف إلى ذلك تحركات روسية جديدة والإعلان عن اتصالات مع ممثلين عن الفصائل الفلسطينية، فماذا يمكن أن ينتج عن هذه التحركات؟

شكّل الاجتماع الذي عقد في رام الله في 18 من شهر آب خطوة إيجابية في ملف وحدة الصف الفلسطيني، وبدت الأجواء التي رافقت هذا الاجتماع إيجابية، فتجاوز الفصائل لخلافاتها عبر بحثها عن تقاطعات وتوافقات يساهم برصّ الصفوف في وجه الهجمة الأمريكية على حقوق الشعب الفلسطيني، ودعمهم للكيان الصهيوني، بعد إعلان واشنطن عن تجاهلها لكل قرارات مجلس الأمن، ومحاولة الالتفاف على ما يشكل نقطة مركزية في الحقوق الفلسطينية، لم يعد من الممكن التراجع عنها، وخصوصاً مع ملائمة المناخ الدولي لتطبيق هذه القرارات المجمدة منذ عقود.

اجتماع رام الله وما بعده

على الرغم من أن الاجتماع الذي عقد في رام الله ما هو إلا خطوة أولى في طريقٍ وعرةٍ، إلا أنه ملمح إيجابي لطبيعة المرحلة الحساسة التي تعيشها القضية الفلسطينية، فما جمع مندوبو الفصائل هذه المرة واقعٌ ضاغط، فالإعلان عن تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني ودولة الإمارات يضع الجميع أمام استحقاق لا يمكن تجاهله هذه المرة، فباتت الفصائل والمنظمات التي يفترض منها تمثيل الشعب الفلسطيني معنية بإعلان موقفٍ بعيدٍ عن المواربة، موقفٍ واضحٍ مما يجري، ويشكّل إعلان المواقف – التي ملّها البعض، وبات يرى فيها قصوراً – خطوة تورّط أصحابها بخطوات ملموسة على أرض الواقع، وتفرض على أصحاب المفاصل المتكلسة تحريكها أخيراً، فتترقب الساحة الفلسطينية إعلاناً عن موعدٍ لاجتماع يضم الأمناء العامين للفصائل، ويعتبر انعقاد هذا الاجتماع تجاوزاً لمجموعة من الخلافات، ويفتح الباب أخيراً لصياغة إستراتيجية جديدة، أملاً في أن تنجح الفصائل الفلسطينية في التصدي للمهمات الصعاب القادمة. وقد حمل البيان الختامي لاجتماع رام الله رفضاً واضحاً للتطبيع مع العدو، وأكد على أهمية تفعيل المقاومة الشعبية وحق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه وأرضه ومقدساته، وطالبت القيادة الفلسطينية في اجتماعها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بتحمل مسؤوليتها بالدفاع عن قراراتها، داعيةً أمين عام الأمم المتحدة إلى رفض كل ما يخالف ميثاق المنظمة وقرارات مجلس الأمن.
وفي حديثٍ لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية قال بعد أن أعلن قبول الحركة لحضور «اجتماع الأمناء» إن الاجتماع يجري في «مرحلة مهمة للحديث عن كيفية وضع برنامج وطني، والإستراتيجية النضالية، وترتيب المرجعية القيادية»، بما في ذلك ترتيبات تسمح بدخول «حماس» و«الجهاد الإسلامي» إلى منظمة التحرير، وما سيرافق هذه العملية من إعادة لبناء المنظمة. ومن جانبه شدد عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي على أن يكون هذا اللقاء «بدايةً لمسار جديد لمواجهة تحديات تصفية ما تبقى من قضية فلسطين».

بصمات روسية

على الرغم من أن موعداً لم يحدد بعد للاجتماع المرتقب في موسكو، إلا أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أعلن عن نية بلاده عقد لقاء لممثلي الأحزاب والحركات الفلسطينية الرئيسة فور ما يسمح الوضع الوبائي بذلك، وترافق تصريحات وزير الخارجية اتصالات مكثفة يجريها المبعوث الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط والدول الإفريقية ميخائيل بوغدانوف مع عدد من الفصائل الفلسطينية، وبحث المبعوث الخاص مع عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني، المستجدات، وتحديداً تلك التي تتعلق بتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وأبدى بوغدانوف ارتياحه لما يحدث من تقدم في ملف المصالحة، وجرى نقاشٌ مع الأطراف المتعددة حول التحضيرات الجارية للقاء موسكو.
يبدو واضحاً أن ضغطاً روسياً يدفع الأمور باتجاه محدد، وتبدو ملامح هذا الاتجاه شديدة الوضوح، فتجري الخطوات الروسية هذه على مجموعة من الأسس الثابتة، أولها: رفضٌ صريح لمولود واشنطن الميت «صفقة القرن»، والتي وإن بات واضحاً أنها فشلت، إلا أن تركيز موسكو على رفض هذه «الصفقة» سمح ببلورة موقف مقابل للسلوك الأمريكي، بل خطة عمل مرحلية، تنطلق من توحيد الصف الفلسطيني على الأرضية السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ليتلو هذه الخطوة صراعٌ في سبيل تطبيق قرارات مجلس الأمن، التي تحاول واشنطن الالتفاف عليها بعد أن تجاهلتها لعقود، لتشكل روسيا مظلةً دولية يمكن الاعتماد عليها إلى جانب طرفٍ فلسطينيٍ موحدٍ قادرٍ على إنجاز هذه المهمة.

دربٌ طويلة

قد يسجل التاريخ أن الولايات المتحدة دعمت القضية الفلسطينية ولو مرةً واحدة في تاريخيها، وتلك يوم أعلنت أنها ستخرج عن الشرعية الدولية وستأخذ الكيان الصهيوني إلى طريق مظلمة خطرة ربما لا يعود منها، فإن كانت المحاولات الروسية لرأب الصدع في الجسد الفلسطيني لم تثمر سريعاً، فقد شكّل الانتهاك الصارخ للحقوق الفلسطينية والمضي في التطبيع مع الإمارات وغيرها من خطوات ترامب ونتنياهو أثراً يشبه «حقنة أدرينالين» توقظ الجسد الخامل. فقد شكلت هذه الانتهاكات السريعة والمتلاحقة صدمات فرضت على القوى المختلفة أن ترتقي لخطورة المرحلة، وضرورة ضمان حقوق الشعب الفلسطيني واسترداد ما سلب منها، فإن كانت مواقف السلطة الفلسطينية من التطبيع مستهجنة بالنسبة للبعض فهي مفهومة إذا ما أخذت ضمن الظرف العام، فالشعب الفلسطيني يتحول إلى سيلٍ جارف سيصب في ما يخدم مصلحته في نهاية المطاف ويرد حقوقه، لذلك لن تكون الفصائل في مأمنٍ من هذا السيل، وخصوصاً وأنها تلقى في موقفها الرافض للسلوك الأمريكي والصهيوني مناخاً دولياً داعماً يحرمها من التذرع بأسباب واهية أمام الشعب.
وإذا ما نظرنا مجدداً لكل هذه العناصر مجتمعة، فلنا الحق أن نسأل ما هي الأسس التي تريد الفصائل أن تنجز وحدتها ضمنها؟ فإذا كانت هذه الوحدة ستجري على أساس رفض خطط الصهاينة وصفقة القرن ومقاومتها ورفض التطبيع واتخاذ إجراءات جدية في وجهه، يعني أن تجري إعادة هيكلة سياسية حقيقية للجسم الجامع، يرفض التواطؤ مع الكيان الصهيوني ضد مصالح الفلسطينيين، ولا يستثني المقاومة الشعبية من الخيارات لاسترداد الحقوق المشروعة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
981
آخر تعديل على الإثنين, 31 آب/أغسطس 2020 12:46