أزمة كشمير مجدداً:  محاولة أمريكية لتفخيخ الحزام الصيني..!

أزمة كشمير مجدداً: محاولة أمريكية لتفخيخ الحزام الصيني..!

تزامن تجدّد التوتر بين الجارين النووين، الهند وباكستان، حول إقليم كشمير خلال الأسابيع الماضية مع محاولات أخرى لتفعيل بؤر توتر في نقاط جغرافية مجاورة، كاحتجاجات هونغ كونغ المدعومة غربياً، وعودة واشنطن لتسليط الضوء على أقليّة الإيغور في إقليم سين كيانغ الصيني، وغيرها. ويظهر تتبع خريطة بؤر التوتر المذكورة أن مشروع «الحزام والطريق» الصيني هو المستهدف الأبرز لتلك التحركات

عادت أزمة إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان خلال الأسابيع الماضية إلى حيز التوتر مجدداً، إثر قرار الحكومة الهندية، برئاسة ناريندرا مودي، إلغاء الحكم الذاتي للشطر الهندي من الإقليم، ذي الأغلبية المسلمة والذي يشكل نحو 70% منه، ودمج ذلك الشطر إدارياً ضمن الدولة المركزية، وإلغاء الخصوصيات التي يتمتع بها وفقاً للدستور الهندي، والتي تنص على استقلالية الشطر الهندي في معظم شؤونه باستثناء الخارجية والدفاع والاتصالات التي تتولّاها الدولة المركزية.

ليس جديداً القول بأن النزاع الهندي- الباكستاني هو تركة استعمارية ثقيلة العيار؛ ذلك أن خروج بريطانيا والدول الاستعمارية الأخرى من المستعمرات في أواسط القرن العشرين ترافق غالباً مع محاولات تفخيخ هذه الأخيرة من خلال الإبقاء على بؤر التوتر الدينية والعرقية والطائفية، والحرص على وضع حدود تضمن الخلافات بشتى أنواعها على الأمد الطويل. أما كون هذه التركة تحديداً «الهندية- الباكستانية» ثقيلة العيار فلكونها تعد الأخطر بين المستعمرات كلّها؛ فالبلدان يمتلكان السلاح النووي وخُمس سكّان العالم «مليار ونصف نسمة».

الأزمة والحرب

الجديد في الأمر، أن هذه الجولة من أزمة كشمير تجري توازياً مع سعي غربي واضح لتفجير بؤر توتر أخرى في وسط آسيا وشرقها، توازياً أيضاً مع تزايد التقديرات حول تفجّر موجة جديدة من الأزمة الاقتصادية الرأسمالية العالمية.

وبمراجعة موجزة للعلاقة بين الأزمة المذكورة والحروب، في العقدين الأخيرين، فإن الولايات المتحدة الأمريكية بافتتاحها عقد «الحرب على الإرهاب» بدءاً من أفغانستان 2001 بذريعة «هجمات 11 سبتمبر» فإنها اختارت وسط آسيا الذي يسمح بالانطلاق باتجاه الخصوم الصاعدين ومكامن الثروات في آن واحد؛ إما شرقاً لعرقلة نمو الصين، المنافس الاقتصادي الصاعد. أو شمالاً لضرب استقرار روسيا، النّدّ النووي الإستراتيجي الوحيد في العالم. أو غرباً نحو شرق المتوسط، وهي الوجهة التي اختارتها واشنطن فعلياً بشنها الحرب على العراق، وغاصت في وحولها لعقد ونصف من الزمن. وهو ما أعطى المنافسين شرق وشمالي أفغانستان الوقت الثمين لإعادة ترتيب الأولويات الدفاعية والوقائية في مواجهة التهديدات الغربية؛ فالصين طورت قدراتها إلى درجة طرح البديل الاقتصادي لنمط العلاقات التجارية الدولية السائدة بين آسيا وأوربا، من خلال مبادرة «حزام واحد، طريق واحد»، وروسيا اشتغلت على تطوير معادلة ردع القوى الغربية عن إشعال الحروب والأزمات، وأيضاً صاغت بديلاً باستبدال الأخيرة بالحلول السياسية.

تفجيرات موازية

جاءت أزمة كشمير هذه المرة مترافقة مع محاولات متوازية لتفجير نقاط أخرى في منطقة شرقي آسيا: تفجير الوضع في هونغ كونغ الصينية، حيث تصاعدت حرب التصريحات السياسية بين المسؤولين الصينيين من جهة، ونظرائهم الأمريكيان والبريطانيين من جهة أخرى، إثر استمرار «دعم» و«مساندة» الأخيرين لمتظاهري هونغ كونغ الموالين للغرب. إضافة إلى التحضير الأمريكي لتصعيد الوضع في إقليم سين كيانغ، والذي تقطنه الأقلية الإيغورية، وهو جغرافياً من أكثر المواقع حيوية بالنسبة إلى مشروع «حزام واحد، طريق واحد» الإستراتيجي الصيني؛ فسين كيانغ هي الممرّ البري الإجباري لشبكة أنابيب الصين وطرقها السريعة نحو آسيا الوسطى وإيران، الغنية بمصادر الطاقة النفطية والغازية، ومعبرها نحو جنوبها، أي ميناء غوادار في باكستان، حيث منفذها البحري باتجاه بقية العالم.

وقد قام الرئيس الأمريكي ترامب مؤخراً بتعيين أمريكية من أصل إيغوري، هي إلنيغار إلتبير، مسؤولة عن ملف الصين في مجلس الأمن القومي الأمريكي، وهي الناشطة المتطرفة قومياً ضد الصين، وصاحبة مؤلفات تتسم بنزعة شوفينية معادية للصين. وكان ترامب قد التقى قبل ذلك في واشنطن «ممثّلين» عن الإيغور، في إطار اجتماع مع «ضحايا الاضطهاد الديني» في العالم. وسبق لنائبه مايك بنس أن وصف تعامل الصين مع الإيغور بأنه «وصمة عار في هذا القرن».

وفي سياق متصل، تجري واشنطن مفاوضات مع «طالبان»، بوساطة باكستانية في الدوحة، لبحث انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. وجاء ذلك متزامناً مع تصريحات السكرتير العام لحلف الناتو عن «ضرورة زيادة الوجود العسكري في آسيا - المحيط الهادي لمقارعة نهوض الصين»، وهو ما يحمل مؤشرات عن عملية إعادة انتشار الوجود العسكري الأمريكي في منطقة «آسيا- المحيط الهادي»...

الحكومة الهندية تشعل الأزمة

كانت فكرة إلغاء الحكم الذاتي للشطر الهندي من إقليم كشمير أحد الوعود الانتخابية لحزب «بهاراتيا جاناتا» الهندوسي القومي، والذي يتزعم الحكومة الهندية الحالية. ومن المعروف عن هذا الحزب أنه المعارض التاريخي لتوجه حزب «المؤتمر» الهندي، حزب المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو، الذي قاد تحرير الهند من الاستعمار البريطاني وسعى إلى بناء الدولة الوطنية ذات التعددية القومية والدينية بضمانات دستورية صريحة، والذي كان أيضاً معارضاً لاستقلال باكستان ذاتها عن الهند عشية تحرر البلدين من الاستعمار الإنكليزي. بالرغم من ذلك كلّه، إلا أن الخلفية الإيدولوجية لحزب «بهاراتيا جاناتا» ووعوده الانتخابية ليسا السببين الوحيدين اللذين يقفا خلف هذا القرار، بتوقيته الحالي...

فقد اعتبر رئيس الحكومة الهندي القرار المذكور بأنه «تصحيح خطأ تاريخي، إذ لم يكن ينبغي أن يُعطَى هذا الحكم الذاتي أصلاً» وإن لديه «اقتناعاً تامّاً بأننا سنتمكّن من خلال هذا النظام من تحرير جامو وكشمير من الإرهاب والنزعة الانفصالية». وتسوّق بعض الأوساط الدبلوماسية الهندية للقرار على أنه جزء من إستراتيجية دفاعية ضد تنامي الخطر الإرهابي للتنظيمات الجهادية في الإقليم، تزامناً مع اقتراب موعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان بموجب مفاوضات واشنطن- «طالبان». الأمر الذي يحمل تهديدات جدّية لمناطق شمالي وغربي الهند، بحسب ما ترى تلك الأوساط.

الأسباب غير المعلنة

في مقابل ذلك، تشكّك بعض التحليلات بصدقية رواية حكومة حزب «بهاراتيا جاناتا» المتطرفة، حيث ترى بأن التصدي لخطر الإرهاب لا يتم من خلال فتح احتمال إشعال حرب نووية في العالم. وأن ما يجري حقيقة هو أن الإدارة الأمريكية نجحت باستمالة الحكومة الهندية مؤقتاً باتجاه إعاقة مشروع «الحزام والطريق» الصيني، حيث يشكّل التوسع البحري للصين تهديداً للطرق البحرية الهندية في المحيطين الهندي والهادي، وفقاً لمنظور الحكومة الهندية الحالية، كذلك فإن تقدم العلاقات الصينية- الباكستانية منذ عام 2013 والذي بدأ باتفاق الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني يقلق الحكومة الهندية...

تطويق الأزمة

حتى الآن، نجحت الجهود الروسية الصينية، وبمشاركة منظمة شانغهاي في تهدئة حدة الأزمة على المستوى السياسي، وأسفرت عن تسليم الطيار الهندي الأسير في باكستان كبادرة حسن نوايا، الأمر الذي يرتدي أهمية كبيرة في الظروف الحالية، حيث إن مسألة الحفاظ على السلم العالمي، وبالأخص في منطقة شرقي ووسط آسيا، تبقى منوطة بإخماد بؤر التوتر المستندة للنزاعات العرقية والدينية والقومية، التي يغذيها الغرب باستمرار، وذلك من خلال الحلول السياسية، وصولاً إلى الحلول الجذرية الشاملة التي تعد بها النماذج الاقتصادية الجديدة في المنطقة ذاتها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
930
آخر تعديل على الأربعاء, 11 أيلول/سبتمبر 2019 15:29