أحداث إيران.. تجليات للصراع الاجتماعي
ضمن أوسع المصطلحات انتشاراً في الحقبة الأخيرة، برز مصطلح «الإصلاح» و«الإصلاحيين».
على مدى أكثر من عقدين ذهبت أدراج الرياح تحذيرات القوى الثورية والوطنية الجذرية التي ناضلت من أجل اثبات الارتباط العميق بين هذين المصطلحين وغيرهما الكثير. وبين ضياع كل حقوق ومكتسبات الشعوب، وأولها الاستقلال الوطني، أثبتت الوقائع على الأرض زيف هذا «الإصلاح» وإجرام وخيانة هؤلاء «الإصلاحيين».
وفي مواجهة الخراب وفقدان كل مقومات الحياة يعود الوهج مرة أخرى تدريجياً إلى المصطلحات التي تم طمسها، أي الاستقلال الوطني، والتنمية المستقلة، والعدل الاجتماعي، والصراع الطبقي، والاشتراكية.. الخ. ورويداً رويداً تجلى أكثر من أي وقت مضى، الترابط الموضوعي بين الوطني والاجتماعي، بصرف النظر عن إرادة ووعي أصحابه.
وهكذا بدأ انحسار الزيف أمام شعوب وقوى هائلة، وتحققت انتصارات لم تكن في مخيلة الكثيرين. ومع توحش الامبريالية وعملائها المحليين في كل بلد، ازداد الصراع الاجتماعي احتداماً، وتسارع الفرز بين السواد الأعظم من الكادحين من ناحية، وبين قوى التبعية والعمالة والنهب التي انكشف تضليلها من ناحية أخرى، وإن بدرجات متفاوتة في وضوحها وتسارعها.
على ضوء ذلك يمكن الحديث عن التطورات الجارية في إيران، التي لا يمكن عزلها عن الصراع الاجتماعي، أي صراع تيارين، أحدهما يسوقه موقفه الوطني الثابت بالضرورة للانحياز الطبقي للكادحين. أما الآخر فهو يميني ليبرالي يسمي نفسه «إصلاحياً» يمثل موضوعياً تيار التبعية، ويتشكل من النخبة الطبقية البرجوازية التي استحوذت على الثروة. ولذلك ينبغي ازالة الالتباس الذي صنعه الليبراليون بتصوير الأمر بأنه صراع بين المحافظين والاصلاحيين «الديمقراطيين المستنيرين». إذ أن واقع الأمر يؤكد أنه صراع بين قوى الاقتراب من مصالح الكادحين والانحياز لهم وللمصالح الوطنية العليا وبين قوى يمينية ليبرالية منخرطة في المشروع الامبريالي، وتهدف العودة بايران الى التبعية للغرب الامبريالي والصهيونية.
وهنا تتجلى الحقيقة بشكل ساطع من خلال رصد توجهات وبرامج وممارسات كلٍّ من التيارين والتي كشفت عنها بوضوح انتخابات الرئاسة الأخيرة التي فاز فيها الرئيس أحمدي نجاد.
التيار المنحاز إلى الكادحين والوطن، الذي فاز مرشحه بالرئاسة، عمل ويعمل داخلياً على تنفيذ سياسات اقتصادية واجتماعية تقترب من مصالح أوسع دوائر الكادحين والمحرومين في الريف والمدن، والخروج من التبعية الاقتصادية للغرب ونفوذه السياسي وتحقيق تنمية اقتصادية واسعة، وتوسيع دور الدولة الاجتماعي، أي توجيه عوائد النفط لخدمة الغالبية والحيلولة دون وصولها الى جيوب النخبة البرجوازية. وعمل هذا التيار خلال الفترة الأولى للرئيس نجاد على تجاوز وتخطي الأزمات والمشاكل والصعوبات الهائلة التي سببها رئيسان سابقان (رفسنجاني، وخاتمي). وأنجز خطوات هائلة على طريق تحديث البلاد وتطورها العلمي والتكنولوجي الحديث، ويجسد ذلك أساساً المشروع النووي السلمي ورفع القدرات الدفاعية للبلاد بدرجة هائلة.
وانعكس الأداء الداخلي على السياسات الإقليمية والدولية بدعم كبير ومشرف للمقاومة في لبنان وفلسطين، وأقام تحالفات إقليمية ودولية محترمة وفعالة على أسس مبدئية مناهضة للامبريالية والصهيونية.
أما التيار اليميني الليبرالي المسمى بالإصلاحي فإنه سار ويسير في الاتجاه المعاكس تماماً. إذ قام رفسنجاني في أثناء توليه رئاسة الجمهورية بتنفيذ برنامج واسع للخصخصة وقام الرئيس خاتمي من بعده بتعميق هذا البرنامج وفتح البلاد أمام البنوك الخاصة والأجنبية. وهذه السياسات لا يمكن أن تتصاحب أو تتوازى مع أية تنمية اقتصادية واجتماعية، أو مع رفع مستوى معيشة عشرات الملايين من الكادحين، بل فاقمت الأوضاع الاقتصادية وأثرت سلباً وبعمق على الأوضاع الاجتماعية لعشرات الملايين.
والغريب أن يروج هذا التيار بأن البلاد تواجه صعوبات اقتصادية. فإن ذلك هو من قبيل التضليل المفضوح، إذ أن هذه الصعوبات التي عمل الرئيس نجاد ويعمل على تذليلها وتخطيها هي من صنع هذا التيار الإصلاحي بسبب ممارساتهم وسياساتهم المنحازة للأغنياء وللمشروع الرأسمالي. بل إن الرئيس خاتمي سبق وقام بتجميد المشروع النووي السلمي الذي كان متواضعاً في حينه إرضاءً لأمريكا والغرب بدلاً عن توسيعه، وأعلن هذا التيار الذي لم تشهد رئاسة أبرز قادته تطورات إيجابية ملموسة عن نيتهم عدم إغضاب الغرب بالنسبة للمشروع النووي (أي إغلاقه واقعياً) أو تقزيمه، وهو ما يحمل على ضوء خط ارضاء الغرب تقزيم التطور التكنولوجي والعسكري.
وسيراً على النهج نفسه ينتقدون بشدة ما اتبعته ايران منذ أول يوم لثورتها بالنسبة لمساندة قوى المقاومة العربية في مواجهة العدو الصهيوني، والانقلاب على التحالفات الإقليمية والدولية المعادية للامبريالية والصهيونية.
ويبدو جلياً أن هناك برنامجين ومشروعين متعارضين ومتضادين يسيران بفعل التطور الموضوعي، وبفعل الترابط المتزايد بين الطبقي والوطني، باتجاه التناقض العميق. ويتحدد على ضوء ذلك مستقبل إيران، وانعكاس ذلك على الاقليم برمته.
وتتأكد طبيعة البرنامجين والمشروعين من طبيعة القوى المؤيدة لكل منهما. ففي حين تقف الامبريالية الأمريكية والأوربية والصهيونية والنظم والقوى العميلة إقليمياً مع ما يسمى التيار الإصلاحي، تقف قوى التحرر والتقدم والاشتراكية على المستوى الإقليمي والدولي مع التيار الوطني المنحاز للوطن وللكادحين الذي يقوده الرئيس المنتخب.
إن ما يحدث في إيران هو تجلٍّ للصراع (العالمي) المعاصر. وينبغي أن ندرك أن إيران لا تخرج، رغم الطبيعة الايديولوجية لغالبية قواها السياسية والشعبية، أقول لا تخرج عن مسار التطور الاجتماعي والثوري العالمي الراهن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 410