إلغاء قانون الأسرة العراقي: الهدف ليس حقوق المرأة بل تقسيم العراق

في قرار مفاجئ قرر مجلس الحكم الانتقالي العراقي، قبل عدة أيام، إلغاء قانون الأسرة العراقي الموحد وإصدار القرار 137 والذي بمقتضاه ستحال قضايا الأحوال الشخصية للأسرة العراقية لتصبح من اختصاص كل طائفة دينية على حدة. القرار أثار حفيظة عدد من النساء العراقيات فوزيرة الأشغال العامة (نسرين برواري) في مجلس الحكم مثلا رأت أنه لا يتسم بالشفافية ولم تسبقه مداولات ديمقراطية كافية. كما رأته ناشطة نسائية أخرى (زكية خليفة) بأنه سيضعف العائلة العراقية.

الواقع ان القرار مثير للاستغراب، فبينما تعارض إدارة الاحتلال الأمريكي إجراء انتخابات ديمقراطية لاختيار حكومة تمثل الشعب العراقي خوفا من تحول العراق لدولة دينية (ثيولوجية) يسيطر عليها الشيعة، نرى أن مجلس الحكم يقوم بنفسه بهذا التحول وبقرارات فوقية. قد يرى البعض أن مجلس الحكم يريد أن يقدم تنازلات أو يأخذ بالاعتبار الطوائف الدينية المختلفة المكونة للعراق خاصة في قضايا ليست مصيرية. فأحوال الأسرة دائما ينظر لها كقضايا غير سياسية وتقدم سيطرة شكلية للطوائف الدينية المختلفة.

ولكن بقراءة متأنية للقرار بالإمكان القول أن الهدف منه ليس إرضاء الطوائف الدينية شكليا وليس رغبة البعض، خاصة في مجلس الحكم الانتقالي، في معاداة المرأة العراقية أو في ترتيب البيت العراقي بطريقة أكثر «ديمقراطية» تتيح للأقليات المختلفة قدر أكبر من الحرية في تقرير شؤونها الخاصة (العائلية). فالقرار لا يمس الشأن الخاص العراقي قدر ما يضرب في الصميم الشأن العام العراقي. الهدف من القرار ليس المرأة العراقية أو الأسرة العراقية ولكن الهدف هو الدولة العراقية المكون الأساسي للأمة العراقية. هدف القرار هو دق إسفين عميق الأثر في وحدة العراق دولة ومجتمعا، هو خطوة هامة في طريق «لبننة العراق». 

للتذكير، نرجع للنموذج اللبناني والذي لا يوجد فيه قانون أسرة موحد ولكن يرجع لكل طائفة دينية تنظيم أمورها «الشخصية» وبالتالي الطائفة المارونية مثلا تعمل على الحفاظ على بقائها و«نقائها» وبالتالي يصبح من الطبيعي أن تعارض وتقاوم الزواج من الطوائف الأخرى. نفس الأمر ينطبق على بقية الطوائف الدينية الأخرى سواء أكانت مسلمة أو مسيحية. هذه القوانين تضع الفرد والأسرة تحت سلطة السلطات الدينية المختلفة وتمنع الانصهار في إطار بوتقة وطنية واحدة تجمع كل اللبنانيين واللبنانيات. ناهيك عما تخلقه من مشاكل في حال الزواج المختلط (والذي يضطر من يريدونه السفر للخارج لانجازه) لما يخلفه هذا الزواج من مشاكل للأطفال وحقوقهم وأيضا لحقوق النساء. وبما أن هذا الزواج غير معترف به «طائفيا» وأصحابه يقيمونه في الخارج فهذا يعني أن من يقدمون عليه هم من شريحة الأغنياء والذين يستطيعون تغطية مصاريف السفر والزواج والإقامة في الخارج.

المحاولات المستمرة لتغيير قانون الأسرة اللبناني من طائفي إلى مدني تصدت لها بشكل مستمر الزعامات الدينية المختلفة والتي تنازع سلطة الدولة على الأقليات المختلفة. كما أن الأطراف الطائفية في الدولة تعارضه أيضا لبقاء الدولة قائمة على أسس طائفية. فقوانين الأسرة الطائفية مرتبطة أيضا بالعديد من المدارس الطائفية والتي ترسخ تبعية الفرد من طفولته لطائفته وليس لدولته او لامته. وغني عن القول هنا أن العديد من الدارسين الذين حللوا الحروب الأهلية اللبنانية ارجعوا أحد أسبابها إلى القوانين الطائفية التي تحكم الفرد والعائلة اللبنانية وبالأخص قوانين الأحوال الشخصية الطائفية.

القرار ايضا يعيد للأذهان السياسات «الكلاسيكية» للقوى الاستعمارية المختلفة التي تعاقبت على المنطقة. فالانتداب البريطاني على فلسطين مثلا في بدايات القرن العشرين عمل على إلغاء محاكم الدولة العثمانية التي كانت تطبق قوانين الممل المختلفة في محاكمها وارجع امور تلك الملل لرؤساء الطوائف الدينية وهو ما أثار احتجاجات عديد من النساء المسيحيات الفلسطينيات في ذلك الوقت، اذ ان القرار أذن بوضعهن تحت سلطة قوانين كنسية ترجع لزمن الإمبراطورية البيزنطية ودون أية كفاءة قانونية لدى تلك الطوائف لتطبيق تلك القوانين العتيقة. الأمر نفس بالنسبة لإسرائيل والتي لم تترك حقاً لفلسطيني لم تنتهكه وتأتي لكي تحقق «حرية» الطوائف المختلفة في إقرار شؤونها «الداخلية» بأن كرست السلطة الدينية والمحاكم الشرعية للطوائف المختلفة. فالمستعمرون لم يتركوا حقا للمستعمر بدون انتهاك ولكن عملوا دائما على «احترام تقليدية» المجتمعات التي يخضعونها.

إن الأولى في رفض القرار والتنديد به ليس فقط المرأة العراقية ولكن كل المتشدقين «بديمقراطية» الاحتلال و«ليبراليته» كما كل القوى الوطنية التي تعمل على وقف تقسيم العراق إلى طوائف عرقية ودينية ليس فقط من خلال مؤسسات عامة ولكن أيضا من خلال أخص خصائص كل فرد وأسرة في المجتمع العراقي. كما أن الأمر يتطلب أيضاً وقفة متأنية من الزعماء الدينين خاصة الشيعة بأن يروا في هذا القرار دعوة حق يراد بها باطل فالأولى أن ينتخب الشعب نوابه وعندها يتم التداول في الأمر وليس قبل ذلك. 

■ اصلاح جاد

 

 أستاذة العلوم السياسية والمرأة جامعة لندن