مع ازدياد التورط الإمبريالي الأمريكي في العراق المقاومة الشاملة هي السلاح الوحيد
بموازاة استمرار آلة القتل الأنغلو أمريكية بإيقاع المزيد من الضحايا الأبرياء في صفوف أبناء الشعب العراقي نساءً ورجالاً وأطفالاً، تأكيداً على غباء القذائف الأمريكية «الذكية» وقذارة «الحرب» التي زعمت الإدارة الأمريكية أنها ستكون «نظيفة»،
يبرز دور المقاومة العراقية، التي تثبت قدرتها خلافاً لتوقعات عدد كبير من المراهنين على سرعة نجاح المشروع الأمريكي الاستعماري الجديد، بوصفها عاملاً فاعلاً لا في إحداث مزيد من التخبط في صفوف القوات الغازية وكبار قادتها في واشنطن ولندن وتل أبيب فحسب، بل في تشكيل رافعة أخرى لقيام وتعزيز مقاومة عربية ودولية آخذة بالتبلور في مواجهة استراتيجيات الهيمنة العدوانية الأمريكية التي تتجاوز العراق بحدوده الجغرافية السياسية.
المقاومة تحرج الغزاة…
ومع تمكن المقاومة العراقية في محيط المدن الصغرى والمتوسطة في جنوب العراق وداخلها من إيقاع خسائر بشرية ومادية فادحة نسبياً في صفوف القوات الغازية قياساً إلى عدم تكافؤ كفتي ميزان الإمكانيات والتكنولوجيات والوسائل العسكرية بين «الجانبين» اختار المسؤولون العسكريون الأمريكيون والبريطانيون «أحلى الأمرَّين» بالنسبة إليهم من خلال محاولتهم عَزوَ خساراتهم وتحديداً في صفوف جنودهم القتلى والجرحى والأسرى إلى «النيران الصديقة» و«الأخطاء البشرية» و«العوامل الجوية» و«الأعطال التقنية» وصولاً إلى ذريعة الدعم اللوجستي المقدم للعراق من الخارج سواء من روسيا أو من سورية أو غيرها وذلك كي لا يعترف هؤلاء بقدرة العراقيين على المقاومة وامتلاكهم إرادتها وهم، أي الأمريكيون، الذين جاؤوا إلى العراق وشعبه «محررين وفاتحين» على حد زعمهم.
ووصل حد التخبط الأمريكي البريطاني كما هو معروف إلى إطلاق تصريحات متناقضة حول سير العمليات العدوانية العسكرية وحتى إلى الاختلاف حول من سيتولى إدارة هذه التصريحات، هل الأمريكيون في قاعدة السيلية في دولة قطر «العربية» أم البريطانيون في «مثيلتها» الكويت.
«المكارثية» الأمريكية الجديدة ومحاولات التعتيم الإعلامي
ومع استمرار الغزاة بسياسة الإبادة الجماعية للشعب العراقي من خلال القصف المتواصل على نحو مكثف على بغداد وغيرها من المدن العراقية الكبرى
توطئة للزحف البري المحفوف بمخاطر قيام مقاومة أوسع للمعتدين توقع في صفوفهم خسائر أكبر فأكبر، يتوقع أن تلجأ القوات الغازية إلى المزيد من محاولات القمع والتعتيم الإعلامي بهدف التغطية على بشاعة صور المذابح في صفوف المدنيين العراقيين العزل من جهة مع تغطية انعكاس صور خسائرها في داخل بلدانها من جهة أخرى، وهو ما تجلت بوادره في إعراب قادة البيت الأبيض عن استيائهم من تغطية المحطات العربية لمجريات العدوان على العراق وفي منع المعلومات عن الصحفيين العرب والأجانب وفي الضغط على المحطات الأجنبية في الولايات المتحدة وبريطانيا بهدف عدم بث صور القتلى والجرحى والأسرى الأمريكيين والبريطانيين وصولاً إلى فصل الصحفي الأمريكي المخضرم بيتر أرنيت من عمله في محطة الـ «إن بي سي» الأمريكية بسبب ملاحظات انتقادية أدلى بها للتلفزيون العراقي حول قذارة الحرب التي تشنها بلاده على الشعب العراقي وحول فشل خطة هذه الحرب ضد القيادة العراقية (وسرعان ما تعاقدت صحيفة «ميرور» البريطانية مع الصحفي المذكور الذي أكد أنه لن يعتذر عما صرح به وأنه يشعر بالصدمة والرعب من مسألة فصله)، وهو الأمر الذي يشير إلى أن المكارثية الأمريكية الجديدة البارزة بقوة تدريجية منذ أحداث أيلول على سطح المشهد الأمريكي والدولي ستكون أكثر استبداداً حتى في انقلابها على أهم مفاهيم الحرية والديمقراطية والتنافس الاقتصادي الحر التي طالما تشدقت بها ولا تزال الإدارة الأمريكية الخارجة عن عقالها باتجاه الممارسة الفجة والسافرة للقمع والأتوقراطية وعسكرة الاقتصاد الأمريكي والعالمي.
النفط ضمن سياق دوافع العدوان بشموليته العالمية
وللتذكير فإن دوافع واشنطن في تفجير عدوانها على العراق وصولاً إلى حرب تتراوح بين صراع متوسط الشدة، أي مع قوى إقليمية كالعراق، وصراع مرتفع الشدة مع قوى دولية كروسيا، جاء نتيجة لجملة التناقضات ومحاولات البحث عن مخارج للأزمات التي تعصف بالإدارة الأمريكية والاحتكارات الصهيونية الداعمة لها في سياق استفحال الأزمة الرأسمالية العامة بدءاً بأزمة الدولار العائم في الأسواق والبورصات الدولية دون سند إنتاجي في الداخل الأمريكي والمتورط في صراع مستمر مع اليورو الأوربي الصاعد، مروراً بالفضائح المالية التي أدت مؤخراً إلى إفلاس كبرى الشركات الأمريكية، وليس انتهاءً بأزمة المخزون لدى المجمع الصناعي العسكري الأمريكي الباحث عن تصريف له يسمح بإيجاد أموال تلبي حاجة التطوير اللاحق لأسلحة الدمار الشامل الأمريكية.
وإذا كان الحديث يتركز على المطامع النفطية الكامنة وراء إشعال واشنطن لحرب كونية جديدة تتحسب لتداعياتها بوضوح التصريحات والتحذيرات الروسية والأوربية لدى باريس وبرلين مثلاً، فإن همَّ واشنطن لا يتركز على السيطرة على النفط العراقي ذي المخزون الهائل المرشح لاحتلال المرتبة الأولى عالمياً وذي التكلفة الإنتاجية المنخفضة فحسب، بل على احتساب اتجاهات صب وارداته وتحويلاته المالية سواء كانت ستدعم الدولار الأمريكي أم اليورو الأوربي أم الاقتصاد الروسي المنهار على سبيل المثال.
استفزازات باول ورامسفيلد…
ومن هنا جاءت على سبيل المثال تصريحات وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أمام لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية «إيباك» سيئة الصيت وتهديداته لسورية وإيران لا لتأخذ شهادة حسن سيرة عن أداء قادة البيت الأبيض في عدوانهم على العراق من اللوبي الصهيوني في واشنطن فحسب كما جاء على نحو دقيق في بيان رد الخارجية السورية الواضح والقوي، بل لتؤكد أن تهديدات وزير الحرب الأمريكي دونالد رامسفيلد تجاه سورية وإيران لم تكن زلة لسان كما اعتيد من وزير أمريكي متطرف وأخرق وإنما نية مبيتة تتحين فرصة مؤاتية كما يخيل لها.
«الحلقة الأضعف» ضمن اشتداد الصراع
عليه ومرة أخرى سيولد هذا التطرف الأمريكي اتساعاً جديداً في جبهة المقاومة الشاملة لدى شعوب العالم ومن بينها الشعوب العربية بعد أن أُسقط غالبية حكامها في أيدي تخاذلهم. ولا يغيبن عن البال هنا المقولة الهامة حول قانونية الحلقات الأضعف في هذا الهجوم الإمبريالي العالمي الكاسح حيث تبرز كل من روسيا ومصر حلقات ضعيفة في هذا الإطار بما قد يقلب السيناريوهات الأمريكية، الأول في محيطه الدولي والإقليمي والثاني في محيطه الإقليمي، في حين تبرز احتمالات سقوط حكومتي رئيسي وزراء بريطانيا وإسبانيا كانقلابات ممكنة ولكنها تبقى ضمن المنظومة الأمريكية المتحكم بها.
وإذا كان وزير الخارجية الروسي يقول إن بلاده غير معنية بتقديم أي كشف حساب لأي جهة كانت تعقيباً على الاتهامات الأمريكية لروسيا بدعم العراق عسكرياً فإن الشارع الروسي بات يطالب الرئيس بوتين الغارق في أحضان واشنطن بتعزيز قدرات البلاد الدفاعية، كما أن الشارع المصري الذي خرج بآلافه المؤلفة احتجاجاً على العدوان الأنغلو أمريكي يخرج أيضاً احتجاجاً على الواقع الاقتصادي المزري من خلال الارتباط بوصفات صندوق النقد والبنك الدوليين والذي أوصل الدولار الأمريكي حالياً إلى ما يزيد عن خمسة جنيهات مصرية بقليل أي أن الجنيه بات يعادل ثماني ليرات سورية تقريباً فقط لاغير.
المقاومة الشاملة هي السلاح الوحيد
وفي نهاية المطاف يبدو مرة أخرى أنه وبغض النظر عن النتائج الميدانية التي ستأتي تباعاً من ساحات المواجهة بين جيوش الاحتلال الأمريكي والبريطاني للعراق والمقاومة العراقية فإن هذه الأخيرة وباستنادها إلى خبرات ودروس المقاومتين الباسلتين الفلسطينية واللبنانية ولاسيما ذاك الشق المتعلق بالعمليات الاستشهادية وما توقعه من رعب وارتباك في صفوف المعتدين ستفرض نفسها بقوة على سير المخططات الأمريكية وكذلك على مستقبل المنطقة والعالم، وقد صرح الرئيس الفرنسي جاك شيراك أن الأمريكيين لم يقدِّروا دور الروح الوطنية العراقية وأهميتها «رغم نصيحتي وتحذيري لهم».
وبطبيعة الحال ستكون هذه المقاومة هي المقابل النوعي الوحيد في مواجهة الوحش الإمبريالي الأمريكي وحلفائه الدوليين والإقليميين ولتؤكد من خلال تطور تداعياتها وإفرازاتها داخل العراق وفي المنطقة والعالم أن لا خيار سوى المقاومة العالمية الشاملة بمختلف أشكالها وأساليبها التي ينبغي أن تنتقل عملياً إلى ضرب المصالح الأمريكية.
■ عبادة بوظو
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.