القمة العربية.. وخفّا حُنين!
انتهت القمة العربية المنعقدة في الخرطوم دون أن تسير بالنظام الرسمي العربي أية خطوة نحو الأمام، بل إنها لم تكن في معظم ما صدر عنها سوى استمرار للجري الحثيث الذي يسرع به هذا النظام نحو الهاوية.
ولعل الغيابات الكثيرة، وغير المبررة سياسياً وأخلاقياً لعدد كبير من الزعماء العرب عن هذه القمة، كانت أولى المؤشرات على الفشل الذريع الذي ينتظرها، وهو ما كان متأكد منه الشارع العربي من المحيط إلى الخليج الذي أقلع منذ زمن طويل على أية مراهنة على زعمائه المفروضين عليه قسراً، المنبطحين أمام أعداء الشعب العربي، الأقوياء والعناترة على كل صوت محلي رافض أو معارض أو جائع..
ثم جاءت الخطابات الرنانة والكلمات المتفاصحة لمعظم الزعماء الحاضرين لتوجه الضربة القاضية لأي أمل كان يمكن أن تتمسك به الجماهير العربية المتطلعة للخلاص، كلمات وخطابات لا لون لها ولا طعم، فيها الكثير من الغزل لإسرائيل، وكثير من الرعب والانبطاح أمام الغول الأمريكي الذي كان يرخي بظلاله على كل حركة وسكنة في الأروقة، مصطلحات وشعارات ووعود خالية من الوعي والصدق ومكاشفة الذات، ابتسامات متبادلة بين الزعماء ومرافقيهم من الحاشية والتابعين تخفي وراءها الكره والضغينة واللاانسجام أكثر مما تخفيه من الرغبة في العمل المشترك، خلافات مصطنعة على قضايا ثانوية، وأحياناً على اللاشيء، وفود كبيرة، وفود صغيرة، والأهم وفدان متصارعان ومتحاربان للدولة عينها، وأخيراً وفود قادمة غير معنية بشيء وليست بصورة أي شيء.
فأي قرارات ستصدر عن قمة كهذه؟ وأية مشاكل ستتصدى لها وتحلها، وأي خطر ستجابه وما هي أسلحتها؟ وكيف لفرسانها الملوك والأمراء والسلاطين.. والرؤساء أو مبعوثيهم أن يهتموا بقضايا (أمتهم)، وهم الذين ركبوا على ظهرها بمساعدة المستعمرين، أو على الأقل بمباركتهم وقبولهم وغض الطرف عنهم؟
البعض أكد أن هذه القمة كانت عبارة عن قمتين: الأولى علنية، اتسمت بتسجيل المواقف العمومية وبالتزام الاتفاقات السابقة على الحدود الدنيا. أما الثانية، فمغلقة، شهدت نقاشات حامية عكست مدى الانقسام العربي حول ملفات رئيسية مثل فلسطين والعراق ودارفور وسورية ولبنان، أي كل الملفات العربية الساخنة والمصيرية، والبعض الآخر رأى أنه لم يكن هناك قمة أصلاً ولو بمعناها التقليدي الذي اعتادت الشعوب العربية عليه.. وجاءت بعض الإشاعات لتزيد الحيرة وتؤكد عدم الجدية، حيث سرت أنباء عن اختصار القمة إلى يوم واحد، بعدها عاد المجتمعون وقرروا تمديد أعمالها يوماً ثانياً، وهكذا دواليك..
وأخيراً، صدرت القرارت في ما أسماه المؤتمرون «إعلان الخرطوم» و«البيان الختامي للقمة» وكلاهما كان عادياً ببنوده وخالياً من أية مواقف مميزة أو جديدة أو جريئة ولو بالحد الأنى، وبذلك لم يخرج أي منهما عما ضمته الجلسات العلنية للقمة التي لم يشارك فيها سوى 12 زعيماً من أصل 22.
مقتطفات من إعلان الخرطوم
- التزامنا (التزام الحكام) الكامل بوحدة المصير والهدف للأمة العربية، واعتزازنا بقيمها وتقاليدها الراسخة في التحرر والاستقلال، ودفاعنا عن سيادتها الوطنية وأمنها القومي، وتمسّكنا بالتضامن العربي هدفاً ووسيلة وغاية.
_ نجدّد التزامنا بميثاق جامعة الدول العربية، والاتفاقيات العربية الرامية إلى تعزيز الروابط بين الدول والشعوب العربية، التي تقضي بفض المنازعات بالطرق السلمية.
- نؤكد على ضرورة التعاون والحوار والاحترام المتبادل بين الشعوب والثقافات، وبناء عالم يسوده الانفتاح والتسامح، ونذكّر بأن احترام المقدسات الدينية والمعتقدات عامل حاسم في بناء الثقة وجسور الصداقة بين الأمم، ونعبر عن رفضنا الحازم وإدانتنا القاطعة للإساءة والتطاول على الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وأي مساس بالأديان أو رموزها أو بقيم الإيمان الروحية، وندعو دول العالم والأمم المتحدة إلى سن القوانين والتشريعات التي تجرّم المساس بالمقدسات الدينية ونشدّد على احترام حرية الرأي والتعبير دون إخلال بثوابت الإيمان العقيدي للشعوب.
- نؤكد على ضرورة تبني ثقافة الحوار والتحالف بين الحضارات والأديان تكريساً للأمن والسلم الدوليين وسعياً الى ترسيخ قيم التسامح والتعايش السلمي، والعمل مع الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية من أجل تعزيز آليات التفاعل للتعرف على ثقافة الآخر واحترامها.
- نؤكد مجدداً على الخيار العربي لتحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط ونجدّد تمسكنا بالمبادرة العربية للسلام التي أقرّتها القمة العربية في بيروت عام 2002، لحل الصراع العربي الإسرائيلي وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
- حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، يُتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 194.
- نعلن دعمنا للتقدم المُحرَز في عملية المصالحة الوطنية في جمهورية القمر المتحدة، ودعمنا لاستمرار العملية السياسية وإجراء الانتخابات الرئاسية وجهود التنمية فيها. ونرحب بالنتائج الايجابية لمؤتمر المانحين الخاص بدعم التنمية في جمهورية القمر المتحدة، وندعو الى الوفاء بالالتزامات والتعهدات التي أعلنت فيه.
- نعرب عن حرصنا على استئناف الحوار العربي الأوروبي وتفعيله وتعزيز الروابط مع الدول الآسيوية.
- نعلن عن إدانتنا للإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، ونرى في الجرائم التي ترتكبها المجموعات الإرهابية انتهاكات جسيمة للحقوق الأساسية للإنسان، وتهديداً مستمراً للسلامة الوطنية للدول ولأمنها واستقرارها.. - نُعرب عن ارتياحنا لاستمرار تحسّن النمو الاقتصادي في الدول العربية ونؤكد على أهمية الإسراع في رفع معدلات التنمية وجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية ومواصلة سياسات الإصلاح الاقتصادي آخذين في الاعتبار الجوانب الاجتماعية للتنمية.
- ندعو إلى تمكين الشباب من المشاركة الفاعلة في المجتمع من خلال المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
- نتوجّه بخالص الشكر والتقدير لفخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، لجهوده القيّمة ومبادراته ومساهماته الكبيرة إبان تولّيه رئاسة القمة السابقة والتي أثمرت دفع مسيرة العمل العربي المشترك وتطوير منظومته.
- نتوجّه بخالص الشكر والعرفان إلى فخامة الرئيس عمر حسن أحمد البشير، رئيس جمهورية السودان، على إدارته الواعية لأعمال القمة، ونفاذ بصيرته في توجيه مداولاتها، ونُعرب عن ثقتنا التامة في أن العمل العربي المشترك، سيشهد في ظل رئاسته، المزيد من الإنجازات والتطوير لما فيه خير الامة العربية، بما عُرف عنه من حكمة وخبرة وكفاءة، ونقرر اعتماد خطاب الافتتاح لفخامته وثيقة رسمية من وثائق المؤتمر.
- كما نُعرب عن امتناننا العميق لجمهورية السودان وشعبها المضياف، على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة وعلى التنظيم المحكم لاجتماعات مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة في دورته الثامنة.
بارك الله جهودكم أيها الحكام العرب.. وإلى مزيد من هذه القمم المباركة التي كلما دخلتم إليها خرجتم منها أكثر ذلاً وانبطاحاً وقبحاً!!