شبكة العدوان والرقم 2010 والعقد غير المحكمة للمواجهة

أعاد البيت الأبيض الأمريكي تأكيده على ما يسميه عقيدة الضربة الأولى من خلال وثيقة إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي أصدرها مؤخراً في 47 صفحة وأكد حتى بعض المراقبين الأمريكيين أن الغرض الوحيد الظاهر من هذه الوثيقة هو توجيه المزيد من التهديدات لإيران.

فإلى جانب الصين التي دعتها إلى «التخلي عن طرائق التفكير والتصرف القديمة وتتخذ الخيارات الإستراتيجية الصحيحة بالنسبة لشعبها» وإلا ستحتفظ واشنطن لنفسها حتى 2010 باتخاذ الإجراءات الاحتياطية، فإن الوثيقة تقول: «إن الولايات المتحدة اليوم لا يحتمل أن تواجه خطراً من ناحية دولة واحدة أشد من الخطر الذي ستواجهه من إيران»، وإنها لذلك «تحتفظ بالحق في اتخاذ عمل استباقي للدفاع عن نفسها حتى لو بقي عدم التأكد قائماً بشأن زمن ومكان الهجوم الذي قد يقوم به العدو»...

سبق هذا التصريح مطالبة بوش كونغرس بلاده بالموافقة على تخصيص أموال لسلاح نووي جديد مصمم لتدمير المنشآت العسكرية تحت الأرض، وهو سعي عززه قول وزير دفاعه رامسفيلد إن واشنطن لا تمتلك هذا النوع من السلاح الذي أكد المراقبون العسكريون أن قنبلة صغيرة منه كفيلة بالقضاء على مليون إنسان دفعة واحدة إذا ما استخدمت ضد منطقة حضرية.

يقول المحلل ستانفورد غوتليب إن السعي إلى إنتاج القنابل الخارقة للتحصينات تحت الأرض وشهادة رامسفيلد يثبتان تحول الإدارة الأمريكية بعيدا عن الردع النووي إلى الاستخدام المحتمل لأسلحة نووية في الحرب. وفي ظل مبدأ بوش الخاص بالضربات الاستباقية، أضافت القيادة الإستراتيجية الأمريكية مهمات إلى خططها الحربية. وتتنبأ خطة الضربات العالمية الخاصة بالقيادة الإستراتيجية الأمريكية باستخدام أسلحة نووية لتوجيه ضربة استباقية لتهديد محدق أو وشيك من أسلحة دمار شامل أو لتدمير مخزونات أسلحة دمار شامل لدى عدو.

وفي خاتمة الوثيقة هناك كوريا الديمقراطية التي تفترض الوثيقة أنها تمتلك أسلحة نووية بالفعل وتصدر لها أمراً بأن «تقدم الحرية لشعبها» كما تحذر نظامها بأن الولايات المتحدة سوف «تدافع عن نفسها ضد التأثيرات المضادة لسلوكها السيئ»، ولكنها لم تشر إلى أي عمل استباقي ضد بيونغ يانغ.

غير أن الوثيقة تقول حرفياً: «إننا ما زلنا في السنوات الأولى من نضال طويل»، سيكون مثل الحرب الباردة ويتضمن «الفوز في معركة الأفكار، لأن الأفكار هي التي تستطيع أن تحول الأشخاص المحبطين إلى قتلة يريدون قتل الضحايا الأبرياء».

وتساءل المحلل ويليام فاف: هل معنى ذلك أن من قاموا بصياغة الوثيقة يتخيلون أن الصراع مع إيران سيستمر خمسين عاماً مثلما استمرت الحرب الباردة أم ماذا؟ أم هل يتخيلون أن الصراع سيستمر لهذه الفترة مع «الزرقاوي» في الصحراء العراقية، أو مع بن لادن في كهفه في منطقة وزيرستان؟

بعد أن رافقت رئيسها إلى الهند من أجل عقد شراكة إستراتيجية بهدف مواجهة النفوذ الصيني المتزايد في القارة، زارت «رايس» إندونيسيا (أكبر بلد إسلامي مختلف فكرياً وحضارياً) من أجل «توسيع الشراكة الإستراتيجية» مع جاكرتا، وللتعبير عن اهتمام أمريكا بدعم إندونيسيا وبنائها كي تكون قوة عسكرية وتجارية كبرى في شرق القارة الآسيوية، لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد أيضاً، في وقت سبق لبكين أن أعلنت أنها وضعت سنة 2010 موعداً لقفزة اقتصادية هائلة لديها.

ومع استمرار محاولات افتعال حرب أهلية في لبنان أو أقله صراع سياسي واقتصادي اجتماعي يخرج المقاومة من دائرة فعل المواجهة بعد تعطيل أجهزة الدولة وشلها، ومع تأكيد بوش أن قرار الانسحاب من العراق لن يتخذ خلال فترة ولايته بل من جانب الرؤساء اللاحقين له، وسط استمرار القتل المنهجي في بلاد الرافدين ودفعها نحو أتون حرب أهلية مفتعلة، تبرز تفاعلات المستجدات على الساحة الفلسطينية ولاسيما بعد فوز حماس.

وهنا يبرز عاملان أولهما السعي المحموم لفرض مقاطعة دولية وحتى عربية على الحكومة الفلسطينية «الحمساوية» المرتقبة وعلى الشعب الفلسطيني بالمعنى الأوسع، وثانيهما اعتراف رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود اولمرت أن الجدار المستمرة إقامته منذ ثلاث سنوات فوق أراضي الضفة الغربية، هو المقدر له أن يكون الحدود الشرقية لدولة الاحتلال، وذلك في أول كشف علني عن مضمون مخططاته المتعلقة بمسألة الفصل أحادي الجانب عن الفلسطينيين.

يقول الكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي إن العقيدة الأمريكية تقوم على مبدأ أن الانتخابات حسنة بقدر ما تكون نتائجها مناسبة. وفي فلسطين، لجأت واشنطن للأساليب التخريبية التقليدية، حيث ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن الوكالة الدولية للتنمية، المستقلة عن حكومة الولايات المتحدة، تحولت إلى «قناة غير مرئية» من أجل دعم السلطة الفلسطينية أمام حماس. كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن الولايات المتحدة أنفقت حوالي 9,1مليون دولار، من أصل 400 مليون دولار مخصصة سنويا لمساعدة الفلسطينيين، في عشرات المشاريع الطارئة قبل الانتخابات وذلك للهدف ذاته.

وبالعودة إلى الجدار/الحدودي فقد تحدث أولمرت بهذا الصدد لصحيفة معاريف قائلاً: «سوف نتوحد من خلف خط الدفاع المانع. وستبقى القدس موحدة. وسيتم الاحتفاظ بالتجمعات السكنية المركزية، ويصار إلى العمل على توسيعها. وسنتوصل في نهاية العملية إلى تحقيق الانفصال الكلي عن القسم الأكبر من الفلسطينيين». ثم شرح ذلك في مقابلة أخرى مع صحيفة هاآرتس قائلاً: «سوف نعمل على تعديل مسار المانع على طول الخط الجديد للحدود النهائية. بحيث يمكننا العمل على نقل الجدار الأمني المانع ناحية الشرق. وفي مرات أخرى نحو الغرب بحيث يمثل ذلك خطوة حاسمة من اجل منح إسرائيل شكل الدولة العبرية التي تتمتع بأغلبية يهودية متماسكة، تنعم بالاستقرار».

ومن خلال إعطاء مقابلات متتابعة، أراد أولمرت التأكيد على أن الهدف الذي يسعى حزبه كاديما، والحكومة العتيدة التي ستتشكل بعد انتخابات الثامن والعشرين من آذار الحالي، سيكون متمثلا في إخلاء المستوطنات المعزولة، والعمل على تجميع المستوطنين اليهود بمناطق ذات طبيعة واحدة على طول الجانب الإسرائيلي من الجدار. ولن يسجل بحلول عام 2010 أي تواجد للمستوطنين على الجانب الفلسطيني. ولكن ذلك لن يمنع استمرار الاحتلال، وهذا عائد إلى أن قطعات من الجيش سوف يكون من مهامها توفير الحماية لمنطقة أمنية إسرائيلية أخرى: هي منطقة وادي الأردن.

وكما يقول ميكيلي جورجو فإن مستقبلاً أسود ينتظر الضفة الغربية. وستتحول حياة المدنيين الفلسطينيين إلى جحيم لا يطاق، حيث يتم حشرهم داخل سجن كبير دون سقف. مغلقا من جهة الغرب بفعل الجدار، ومن الشرق نتيجة الحاجز المتمثل في تواجد الجيش، وربما من مانع آخر، يكون محروسا على مدار الساعة من قوات الاحتلال. كما سيعمد الكيان إلى الاحتفاظ بسيطرته على الأراضي الفلسطينية الواقعة ما بين القدس الشرقية ومستوطنة معاليه ادوميم، على امتداد الطريق السريع الذي ينحدر باتجاه اريحا والبحر الميت.

وستكون الضفة الغربية منقسمة إلى شطرين بما يحول دون قيام دولة فلسطينية، سيادية، غير مقطعة الأوصال. ولم يتحدث أولمرت بشأن ذلك. ولكن الدولة الفلسطينية التي تخطر بباله هي ما تبلغ مساحتها 360 كم2 في قطاع غزة، مجيباً عن سؤال حول ما الوضع الذي ستكون عليه إسرائيل بعد أربعة أعوام، بالقول إنها ستكون دولة من دواعي الفرح العيش فيها.

وإذا كان مخططاً للفلسطينيين العيش داخل سجن كبير ليتقاتلوا فيما بينهم على السلطة والبرلمان والحكومة والسلاح، فما هو إلا ضرب من الجنون في المقابل مجرد التفكير ببقاء 3.5 مليون نسمة صامتين لا يتمردون، إذا ما أخذ بعين الاعتبار مسألة تزايدهم الهائل في العدد، وأنهم يعيشون من غير موارد وإمكانيات تساعدهم في تطورهم الاقتصادي، ومن غير حماية، ومجبرين في كل يوم على اجتياز عشرات الحواجز العسكرية. ليبقى من غير المعروف الوقت الذي سينفجر فيه غضبهم في انتفاضة ثالثة.

السؤال الذي يطرح نفسه: وماذا عن سورية في كل ذلك؟ حسناً، إن الانخفاض الظاهر في حدة التصعيد ولغة الاتهامات الموجهة لسورية لا تعني انتهاء الهجمة الأمريكية الإسرائيلية الأوربية عليها بقدر ما تعني إعادة ترتيب الأمور بالتساوق مع بقية الملفات والقضايا في المنطقة وخاصة المسألة الإيرانية لنقل ومتابعة الهجوم على سورية بوسائل وأساليب مختلفة. ويبدو واضحاً أن تقرير براميرتز يشكل بلغته المخففة فخاً آخر لسورية خاصة مع إعطاء مجلس الأمن موافقته على تشكيل ما سمي بمحكمة مختلطة لبنانية دولية تنسق حالياً مع سلطات الرابع عشر من آذار لتنظر في قضية اغتيال الحريري وتتوسع إلى غيرها من القضايا المماثلة، دون وجود أي مؤشرات على نية جهات الإدعاء المسبق والجاهز سحب تهمهم المفبركة ضد دمشق، مع ما يعنيه ذلك من احتمالات «عقابية» أو بالأحرى  انتقامية.

إزاء ذلك كله منّ الله على العرب أن عقد قادتهم قمة غاب عنها بشكل مقصود ثمانية، أكثر أو أقل منهم، ليزيدوا من خلال ذلك افتقاد قراراتها لأوزانها ومفاعليها المفقودة تاريخياً، وهي التي تتحدث عن دعم سورية، وعلاقاتها الطبيعية مع لبنان، ودعم الحكومة الفلسطينية، وإبعاد دارفور عن دائرة التدخل العسكري الدولي الأمريكي، إلخ..

إن سبر المخططات المعادية ومحاولة كشف أبعادها على حقيقتها لا يعني بأي حال من الأحوال التسليم بها وإليها بقدر فهم آلياتها لتحضير أفضل سبل المواجهة التي لا يمكن أن تتم إلا عبر الشعوب التي يبقى عليها رهان استنهاض طاقاتها وتعبئتها والعودة إلى الشارع والاهتمام والفعل السياسييَن وخلق ثقافة المقاومة لأن المهدد هو مستقبل وجودها.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.