نحو مؤتمر الحوار الوطني الشامل

لا أحد ينكر أن انعقاد اللقاء التشاوري والبيان الختامي الصادر عنه قد شكّلا خطوةً هامةً باتجاه التحضير الجدي نحو مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي طال انتظاره وأصبح عقده بأسرع وقت ممكن ضرورةً وطنيةً ملحة لن يعرقلها إلاّ من يرغب في استمرار الأزمة ونزيف الدم في الشارع وإضعاف الوحدة الوطنية، وصولاً إلى استدراج التدخل الخارجي، وهو أمر خطير يتناقض مع الكرامة الوطنية واستقلال البلاد.

إن ما توصل إليه اللقاء التشاوري من توافقات عامة وهامة حول أن الحوار الوطني هو الطريق الوحيد الذي يوصل البلاد إلى إنهاء الأزمة وضرورة الإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، وإطلاق سراح الموقوفين خلال الأحداث الأخيرة، وحول ضرورة الذهاب إلى صياغة وإقرار دستور جديد، هو توجهات عامة غاية في الأهمية إذا جرت ترجمتها على الأرض لإعطاء المصداقية المطلوبة لإقناع الرأي العام الداخلي بأن مؤتمر الحوار الوطني القادم قضية مفصلية في مصير سورية ومستقبلها اللاحق!.

وإذا كان اللقاء التشاوري قد أجمع على أن الحوار الوطني بكل مستوياته هو مسؤولية وطنية للخروج من الأزمة التي لم تجد حتى الآن طريقها للحل والخروج الآمن منها، فإن أكثر ما يقلق الجماهير بما في ذلك الحراك الشعبي السلمي، أن محاولات الخروج من الأزمة على أسس سياسية اجتماعية- اقتصادية تلاقي مقاومة شديدة من قوى عديدة داخل جهاز الدولة وخارجه، وهي قوى موجودة في مواقع مختلفة، وهي أحياناً توهم بعض البسطاء بأنها في حالة تضاد من حيث الشكل والموقع، لكنها في الحقيقة تدافع عن مصالح طبقية مشتركة أهمها استمرار الفساد والنهب والحفاظ على المواقع ومقاومة الحل السياسي، واستمرار النزيف الدموي وتحطيم الوحدة الوطنية وإضعاف منعة البلاد، والتي قال عنها الكواكبي إنها «متعلقة برضا العباد».

ولا شك أن أكبر أهداف القوى التي لا ترغب بحل الأزمة الوطنية العميقة التي نعيشها، هو وأد مشروع الإصلاح الشامل والجذري ومنع الحديث عنه في الدولة والمجتمع لدرجة المطالبة بوقف أي إصلاح قبل إخماد الحراك الشعبي السلمي الذي يخيفها، في حين أن المسلحين وأعمالهم الإجرامية بحق الوطن والشعب ليست موجودة في معظم مواقع التظاهر حتى يبرر بعض الأجهزة الأمنية لنفسه استخدام الرصاص الحي والاعتقال ضد المتظاهرين.

إن القضاء على مسببات الأزمة- وهي كثيرة ومتنوعة- هو ما يمنع ويفشل كل مخططات التدخل الخارجي على قاعدة تعزيز الوحدة الوطنية، والتي من أهم ركائزها وحدة الجيش والشعب دفاعاً عن كرامة الوطن والمواطن.

ومن هنا نعتقد أن أمام مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والذي يعتبر الإعداد له وخصوصاً تمثيل الحركة الشعبية فيه بشكل جدي، عدة أهداف استراتيجية كبرى:

1 ـ مقاومة التدخل الخارجي فعلياً وبكل الأشكال اعتماداً على الشعب وتاريخه الوطني الكفاحي منذ مأثرة يوسف العظمة والمسيرة الوطنية لكل الآباء العظام، وصولاً إلى طرح مسألة تحرير الجولان كقضية وطنية جامعة عبر خيار المقاومة الشعبية الشاملة.

2 ـ فتح الأقنية والتواصل المسؤول بين الحركة الشعبية والقوى السياسية الحقيقية التي لم تتلوث بأمراض الفساد والمكاسب والنفعية والقصور المعرفي وفقدان المسؤولية والجرأة في استنباط الحلول والمعالجة الصائبة للأزمة.

3 ـ السرعة في إنجاز صياغة وإقرار دستور جديد يؤدي إلى تغيير وطني واع للبنية السياسية القائمة وبناء نظام سياسي جديد تعددي يصنعه الشعب السوري دون أي تدخل خارجي، بل استجابةً لدواعي تعزيز الوحدة الوطنية والمطالب الشعبية المحقة.

4 ـ تعزيز دور الإعلام الوطني المرئي والمسموع والمقروء والإلكتروني، قبل وبعد مؤتمر الحوار الوطني عبر رفع سويته ومهنيته وعدم احتكاره، وهذا يتطلب أن تكون كل جلسات مؤتمر الحوار المنتظر علنيةً وشفافةً وليس كما حدث بعد الجلسة الأولى للقاء التشاوري، لأن ما حدث شكل إساءةً بالغة للقاء التشاوري، خصوصاً بعد الإعلان المسبق عن بث كل الجلسات على الهواء مباشرةً.

إن ما نراه من ازدياد العدوانية الأمريكية- الصهيونية وبعض الدول الإمبريالية الأُخرى ضد سورية في الأيام الأخيرة، لا يمكن مواجهته إلاّ بتعزيز الوحدة الوطنية وإنجاح الأهداف الاستراتيجية لمؤتمر الحوار الوطني والتي أشرنا إليها آنفاً. 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الجمعة, 14 تشرين1/أكتوير 2016 12:53