إيلات: إنعاش الذاكرة وتصويب البوصلة
جاءت عملية إيلات الاستشهادية يوم الاثنين الماضي والتي أدت إلى مقتل ثلاثة مستوطنين إسرائيليين وإصابة عدد آخر منهم لتضع البوصلة الفلسطينية باتجاهها الصحيح من جديد ولتذكِّر، مثلما ورد في العدد الأخير من قاسيون تحت عنوان «لبنان على حد السيف»، «بضرورة وقف تنازع المصالح والمراكز الفلسطينية ووقف سيلان الدماء الفلسطينية برصاص فلسطيني وأن تعيد قوى المقاومة توجيه البندقية نحو العدو الصهيوني..» وهذا ما حصل، وما كان ينبغي استئنافه منذ زمن، وما ينبغي أن لا يتوقف أو يوقف تحت وطأة التنازع الداخلي الفلسطيني، واستمرار التآمر بحلقاته المختلفة فلسطينياً وإقليمياً ودولياً!
ومن هنا فإن العملية التي نفذها الغزاوي محمد فيصل السكسك (21 عاماً) أحد أعضاء سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وما سبقها من عمليات إطلاق صواريخ فلسطينية طالت المدن والمستعمرات الإسرائيلية تشكل صيغة مقاومة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بقدر ما تشكل صيغة احتجاج على الاقتتال الفلسطيني-الفلسطيني، ولاسيما مع ارتفاع عدد ضحايا هذا الاقتتال بين فتح وحماس إلى 31 قتيلاً بينهم أطفال وطلاب جامعة خلال خمسة أيام فقط حتى تاريخ كتابة هذه المادة، ناهيك عن عمليات الاختطاف.
عملية إيلات هي الأولى من نوعها بهذا المنتجع، والثانية بإسرائيل خلال تسعة أشهر، وجاءت قبل أربعة أيام فقط من اجتماع اللجنة الرباعية بواشنطن، وهي رغم تباين المواقف حولها بين قطبي السياسة الفلسطينية حالياً، تذكر الجميع أيضاً بأن المقاومة هي الخيار الوحيد لتحقيق أهداف عدة من بينها:
■ إرباك صفوف المحتل الإسرائيلي أمنياً والضغط على حكومة أولمرت سياسياً من الداخل الإسرائيلي، وعدم تركه مرتاحاً في جلسته على مقاعد المتفرجين الشامتين والمحرضين للصراع الفلسطيني الداخلي، وإجباره بالتالي على المدى المتوسط - شريطة استمرار هذه العمليات - على خفض سقف إجرامه الابتزازي بحق الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية.
■ تذكير القيادة السياسية لحركة فتح وتحديداً في مؤسسة الرئاسة الفلسطينية بالأشكال الأخرى للتعامل مع المعتدي الإسرائيلي غير تبادل القبلات والقبول بفتات ما يعرض من حلول ووعود تسووية لا يتم الوفاء بها في نهاية المطاف، وتذكير قيادة حماس في الداخل بأن العمل العسكري المباشر ربما يكون أنجع بالتعامل مع إسرائيل أكثر من متاهة الاعتراف أو عدم الاعتراف بها، تحت ضغط عناصر متناقضة من بينها الانسجام مع الأرضية العقائدية تاريخياً، والتمسك بسدة الحكم تعبيراً عن النتائج الحقيقية للانتخابات أو محاولة عدم خذلان القاعدة الانتخابية، أو في مواجهة الخصوم السياسيين في الداخل، طالما أن الجميع لا يزالون تحت الاحتلال.
■ إعادة اللحمة لفصائل المقاومة الوطنية الفلسطينية واستنهاض همة من أربكه التنازع الداخلي ليكتفي بمواقع إدانة ما يجري، مع الأخذ بالاعتبار ما تم الإعلان عنه من أن عملية إيلات كانت معقدة واستغرقت سبعة أشهر من التحضير بين ثلاث فصائل تبنتها وهي الجهاد وكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح ومجموعة جديدة مغمورة تسمى جيش المؤمنين.
■ إعادة ثقة المواطن الفلسطيني بعدالة قضيته ونزاهة فصائله المقاومة والسياسية وأنه لن يسقط ضحية القتل العلني في الشارع أو إغلاق المتاجر والمصالح وهجر الطرقات نتيجة للاقتتال الداخلي، رغم بقائه مشروع شهيد على الدوام طالما بقي الاحتلال الإسرائيلي.
■ الضغط على النظم العربية المتخاذلة علّ بعضها على الأقل يقلل من خضوعه لواشنطن، ودفع الأخيرة مع ما يسمى بالمجتمع الدولي للالتفات إلى القضية الفلسطينية بجوهرها دون الإمعان في تصفيتها بما في ذلك عزم واشنطن ضخ ما يزيد عن 86 مليون دولار لدعم حرس الرئاسة أمام قوة الأمن التابعة لحماس.
■ إلهام المقاومين على بقية جبهات مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة وإبقاء الصراع في حلقاته الرئيسية بعيداً عن التناقضات الثانوية أو الوهمية طائفياً-عرقياً أو فصائلياً.
■ استعادة ثقة ودعم جمهور المقاومة على المستويين العربي والدولي (بما في ذلك على سبيل المثال، وبالنتيجة، وقف الهراء التحريضي الانقسامي على شبكات الانترنت، مع ما بات لها من دور محوري في التأثير على الوعي الاجتماعي الفكري السياسي، والذي رافق نبأ تعيين أحد فلسطينيي عرب48 وهو عضو في حزب العمل الإسرائيلي، وزيراً في حكومة أولمرت).