الغائب الوحيد عن أنابوليس
إذا كان توجيه الدعوة الأميركية إلى «السلطة الفلسطينية» وليس إلى منظمة التحرير الفلسطينية لحضور مؤتمر أنابوليس هو آخر مظاهر الابتزاز الأميركي – الإسرائيلي للقيادة الفلسطينية لانتزاع المزيد من تنازلاتها، فإن استجابة هذه القيادة للدعوة والإجماع أو شبه الإجماع العربي على الاستجابة لها أيضا إنما يمثل أحدث مظاهر الرضوخ الفلسطيني والعربي لهذا الابتزاز.
وإذا كان يمكن افتراض حسن النية أو الغفلة في تجاهل القيادة الفلسطينية والقيادات العربية لما لهذه المسألة من أهمية فإنه لايمكن أبدا افتراض حسن النية أو الغفلة في الإدارة الأميركية التي طالما سعت إلى انتزاع توقيع فلسطيني وعربي على «إنهاء النزاع» مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وطالما سعت إلى تزوير إرادة الشعب الفلسطيني لهذا الغرض لأنها تدرك جيدا أن أي ممثل شرعي ووحيد لهذا الشعب لا يمكنه أبدا منح توقيع كهذا في ظروف تشبه الظروف التي ينعقد فيها مؤتمر أنابوليس.
(..) وهذه ليست مسألة شكلية أو في الأقل ينبغي ألا تكون شكلية بالنسبة إلى قيادة المنظمة فإذا كانت واعية لها وتغاضت عنها من باب الدهاء السياسي فنعم الأمر، إذ كما يقول المثل العربي رب ضارة نافعة لأن مشاركة السلطة الفلسطينية في مؤتمر أنابوليس تعفي منظمة التحرير ومن تمثله حسب القانون الدولي من أية التزامات يوقعها أو يتعهد بها وفد السلطة إلى المؤتمر أما إذا لم تكن واعية لها فهذا أمر لا ينبغي المرور عليه مرور الكرام.
وقد وجه الأستاذ في القانون الدولي فرانسيس إيه. بويل ، المستشار القانوني للوفد الفلسطيني المفاوض (في الفترة من 1991 إلى 1993) نداء «إلى أصدقائي الفلسطينيين» في 23 ت2 طالبهم فيه بلفت أنظار الشعب الفلسطيني في جميع أنحاء العالم إلى هذه المسألة وقال في ندائه:
«يبدو أن الولايات المتحدة قد دعت عمليا الجميع في العالم ... باستثناء منظمة التحرير الفلسطينية ... وهي الوحيدة التي تملك السلطة حسب القانون الدولي للتفاوض باسم الشعب الفلسطيني ودولة فلسطين. ولهذا السبب وقع رئيس م.ت.ف. ياسر عرفات اتفاق أوسلو باسم م.ت.ف. ولا تملك السلطة الفلسطينية أي تفويض طبقا للقانون الدولي للتفاوض باسم الشعب الفلسطيني ، ناهيك عن دولة فلسطين التي تمثل اللجنة التنفيذية ل. م. ت. ف حكومتها المؤقتة ... وعليه فإن وفد السلطة الفلسطينية هذا إلى مؤتمر أنابوليس ليس له أية سلطة قانونية طبقا للقانون الدولي لإبرام أي شيء باسم الشعب الفلسطيني ، ناهيك عن دولة فلسطين».
(..) إن المشاركة العربية في مؤتمر أنابوليس بالمعطيات والظروف التي ينعقد فيها تعني من ناحية موافقة على الدخول في مفاوضات مفتوحة لا نهاية لها ربما إلا بانتهاء ولاية بوش وتعني من ناحية أخرى موافقة على ما لم تحرص لا تل أبيب ولا واشنطن على إخفائه من خططهما ونواياهما المعلنة لتصفية الوضع القائم في قطاع غزة بالقوة العسكرية إن لزم الأمر في حال عدم نجاح الحصار الخانق والتجويع البطيء في إنهاء هذه الحالة القائمة هناك حاليا.
لكن الحليفين الإستراتيجيين الأميركي والإسرائيلي قد حققا مجموعة من الأهداف من القرار العربي بالمشاركة دفعت الناطقين الرسميين باسميهما إلى إعلان غبطتهما وترحيبهما في اليوم نفسه الذي اتخذ وزراء الخارجية العرب بالإجماع قرارهم بالمشاركة في القاهرة بعد يومين من الاجتماعات .
لقد كان تجاوز منظمة التحرير في أنابوليس (..) بعد القفز عن حركة المقاومة حماس، وبالتالي تغييب أي ممثل حقيقي للشعب الفلسطيني، هو أول الأهداف التي حققها الحليفان، و(ثانيهما) أن قرار المشاركة العربي ضمن نجاح أنابوليس كمناسبة علاقات عامة «داخلية» لتحسين وضع بوش نتيجة إخفاقات مغامراته العسكرية والسياسية في العراق ولبنان وأفغانستان وفي مواجهة إيران، وثالثاً أن هذا القرار استدرج قوى عربية رئيسية، في الخليج بخاصة، من غير دول المواجهة مع إسرائيل إلى الموافقة على الجلوس لأول مرة على طاولة واحدة مع دولة الاحتلال وهذا هدف أميركي – إسرائيلي رئيسي في مجال تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل...
كما أن المشاركة العربية الواسعة في مؤتمر أنابوليس تقرب الدول العربية التي تصنفها واشنطن «معتدلة» خطوة جديدة من «جبهة المعتدلين» مع إسرائيل التي تسعى الإدارة الأميركية إلى إنشائها في الشرق الأوسط لمواجهة إيران، مما يحقق للحليفين هدفاً آخر.
(..) فإذا استحال على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني إنجاز وثيقة مشتركة يقدمانها إلى المؤتمر كخريطة طريق ترسم معالم ومسالك المفاوضات الموعودة بالرغم من لقاءات القمة الدورية كل أسبوعين بين الرئيس عباس ورئيس الوزراء إيهود أولمرت منذ أيار الماضي فكم سيحتاج الجانبان من الوقت لإنجاز الاتفاق على القضايا الرئيسية للوضع النهائي خلال الشهور الأربعة عشر المتبقية من ولاية الرئيس بوش؟
(..) وهذا يقود إلى تسليط الأضواء على الدور الفلسطيني في العمل ككاسحة ألغام لفتح بوابات الاعتراف والتطبيع وعقد معاهدات السلام التي كانت مغلقة عربيا وإسلاميا وعالميا أمام دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ تبادلت منظمة التحرير الاعتراف مع إسرائيل كمنظمة لا كدولة، كما يسلط الأضواء على العجز العربي الذي ساهم في محاصرة المقاوم الفلسطيني حتى أوصله إلى لعب دوره الراهن كـ«عدو لنفسه» عندما رفضت كل العواصم العربية «الكفاح المسلح» الفلسطيني «عبر الحدود» وحثته على الانتقال إلى أرض الوطن وعندما فعل ذلك رفضت أي منها القيام بدور «هانوي» العرب خشية اتهامها بـ«الإرهاب»...
نقولا ناصر
كاتب عربي من فلسطين - بتصرف