وكالات وكالات

لبنان وأنابوليس

بعد أن فشلت إسرائيل في تحقيق اختراق فعلي للساحة اللبنانية، وضرب وتصفية المقاومة وعمودها الفقري حزب الله، في حربها العدوانية  2006، والتي تمت بتشجيع وتوجيه أمريكي، الذي أدار تفصيلاتها السياسية والدبلوماسية، فإن هذه الحرب أضافت أعباءً وتداعيات، كرست بمجملها مأزق النهج الأمريكي وهزت الكيان الإسرائيلي، الذي رسم بدوره لنتائج باهرة وسريعة لحربه على لبنان، بالخلاص  من حزب الله والهيمنة على القرار اللبناني وفك الارتباط السوري اللبناني، وعزل التأثير الإيراني وتصفير هامش مناورته السياسية الإقليمية، ليعبد الطريق لمحاصرة سورية وعزلها وإخضاعها، والقبول بتسوية تستند إلى منطلقات السياسة الإسرائيلية المتبعة منذ مؤتمر مدريد، بابتلاع الأرض والتهويد، وخلق المناخات اللازمة للانقسام الفلسطيني، وفي الوقت الذي يتم فيه دعم وتسمين بعض البطانات الفلسطينية الجديدة (المعتدلة ،اليسارية منها واليمينية، لتلعب دورها السياسي المتناغم مع متطلبات النهج الأمريكي، والمستعدة  لتقديم التنازلات اللازمة لاستمرار دورها السلطوي في بعض المحميات على الأرض الفلسطينية.

لقد اختارت إدارة بوش تغيير المسار دون المساس بالأهداف الإستراتيجية لمشروعها المتعثر، خاصة بعد أن غرزت عجلات آلتها الحربية بالرمال العراقية، وبعد أن عجزت وفشلت أداتها الإسرائيلية في تحقيق الرافع الضروري لمأزقها العراقي، لا بل إن المقاومة اللبنانية حققت توازن الرعب النسبي، الذي جعل إعادة الحساب و«دوزنة» المسار مسألة لابد منها في ظل واقع جديد، جعل وزيرة خارجية إدارة بوش تبتلع تصريحاتها الشهيرة، في الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي، (بأن هذه الأيام تشهد ولادة شرق أوسط جديد).
إن تغيير التكتيك الأمريكي بإعادة الحياة  لـ(عملية سلام) فلسطينية إسرائيلية، ترافق مع توجهات سياسية وعسكرية جديدة ومتخبطة في العراق، لم تخرج بمجملها عن جوهر المشروع المعد للعراق، وبنفس الوقت سخرت إدارة بوش الكثير من ثقلها السياسي والدبلوماسي لصياغة الوضع اللبناني وفق أجندتها، وساهم سفيرها في بيروت بمنع أي اتفاق أو تقارب بين أطراف الموالاة والمعارضة، واستطاعت أن تحقن أطراف الحكومة ومواليها بكل ما ضروري لديمومة صراعها مع المعارضة وإيصاله إلى حافة الهاوية، على أمل محاصرة هذه القوى وخاصة حزب الله، وتحجيم دورها والتهيئة لتطبيق  قرار نزع سلاح المقاومة، وترافق كل ذلك، بمحاولة خلق المحاور الطائفية وامتدادها لتشمل دولا وأطراف في مواجهة إيران، كونها (الخطر الأكبر).
لذلك  فان طبيعة هذا التغيير في التكتيك السياسي الأمريكي، مازال يدخل ضمن سياسة  تدارك تداعيات الفشل العام لسياسة بوش واحتواء نتائجه، ومن هنا جاءت الدعوة الكسيحة لعقد مؤتمر السلام في أنابوليس، والإصرار الأمريكي على حضور بعض الأطراف العربية له، والسعي لحضور كل أعضاء جامعة الدول العربية، ومحاولة إسباغ الأهمية التاريخية على نتائجه المقبلة.
(..) لقد أصبح الآن انتخاب رئيس جديد، مفصلاً أساسياً في الصراع الدائر في لبنان بين إرادة أمريكية  وأخرى وطنية ممانعة ومقاومة، يكثف بمجمله بارومتر السياسة الإقليمية والدولية، ويعكس أهمية الموقع الجيوسياسي للبنان، الذي تحاول إدارة بوش وإسرائيل احتواءه، (بالشكل الدستوري) عبر اعطاء الشرعية لحكومة حلفائها بإدارة البلاد، بعد استقالة الرئيس إميل لحود.
إن رفض حلفاء واشنطن في لبنان لمبادرات التوافق الوطني على المستوى الوزاري أو الرئاسي، رغم تراجع وتغير نبرة خطاب بعض أقطابهم، تعكس الأمل الذي مايزال يراود إدارة بوش في تحقيق انجاز سياسي لصالح حلفاء النهج الأمريكي عبر إيصال الأمور إلى حافة الهاوية، والاستعداد لما بعد مؤتمر أنابوليس وتداعيات فشله القادمة.
لذلك فمن المرجح أن يستمر الفراغ الرئاسي في لبنان إلى ما بعد هذا المؤتمر وربما لأشهر قادمة، وبهذا تبقى الساحة اللبنانية مستعدة لاحتمالات خطرة، تخضع درجات خطورتها لطبيعة التوجه الأمريكي القادم في التلاعب السياسي بالمنطقة من اجل تكريس اصطفافات سياسية وطائفية تصب لصالح أهداف إدارة بوش، ومصالح الأمن الإستراتيجي الإسرائيلي الذي تمتد حدوده الجغرافية لتشمل ليس لبنان وسورية فحسب بل العراق وإيران وباكستان.
وعليه، (..) فليس من المستبعد أن يكون هذا المؤتمر هو الغطاء لترتيبات الحرب القادمة على إيران أو لتفجير الوضع اللبناني، والذي من غير المضمون ان تسلم إسرائيل وحلفاء أمريكا من شظاياه.