افتتاحية قاسيون 1238: طريق واحد: مؤتمر وطني عام!
تعكس التصريحات الرسمية التي نشرتها وكالة سانا يوم السبت 9 آب، نقلاً عن «مصدر مسؤول في الحكومة السورية»، تعليقاً على «مؤتمر وحدة المكونات» الذي عقدته الإدارة الذاتية يوم الجمعة 8 آب في مدينة الحسكة السورية، تناقضاً واضحاً ضمن نصوص مختلفة صادرة عن مصدر واحد، وفي التوقيت نفسه تقريباً، بين لغة هادئة وإيجابية تدعو للحوار العام والتوافق الوطني، وضمان حق التجمع والعمل السياسي والمشاركة السياسية، وبين لغة صاخبة توجه اتهامات التخوين والتهديد في كل الاتجاهات؛ ويعكس هذا التناقض نمطاً بات متكرراً في العمل، بين الوعود الإيجابية وإظهار الرغبة في الانفتاح، وبين السلوك العملي الذي ما يزال استئثارياً وبعيداً عن المشاركة إلى حد بعيد، ويرى في «الحلول الأمنية» أي في «منطق الغلبة» صراطه الأساسي.
المجتمع، كما الطبيعة، لا يقبل الفراغ، ولذا فإن تحركات مثل «مؤتمر وحدة المكونات» وغيرها من النشاطات التي تحمل طابعاً فئوياً، أو تستند إلى تكوينات ما قبل الدولة الوطنية، هي النتيجة السلبية الطبيعية لغياب التوافق الوطني الحقيقي، وغياب الحوار الوطني الجاد، وعدم قيام السلطة في دمشق بمسؤولياتها بالعمل على تحقيق المشاركة السياسية الحقيقية، وبالانخراط في مسار عقد المؤتمر الوطني العام المبني على المشاركة السياسية بالدرجة الأولى، وعلى مشاركة جميع المكونات الاجتماعية في سورية.
إن القوى المسيطرة على أرض الواقع في كل الأنحاء السورية، مسؤولة بشكل مشترك عن ارتفاع مستوى الخطاب الطائفي والقومي والديني، وعن محاربة وترهيب الخطاب الوطني الجامع، وعن استدعاء التدخلات الخارجية ورفع مستواها، ولكن المسؤولية الأولى والأساسية تبقى على عاتق السلطات في دمشق، بالضبط لأنها في دمشق، ولأن أي عمل وطني جامع، وكما يقول «المصدر المسؤول في الحكومة»، ينبغي أن يكون مركزه هو دمشق، ولكن كي يحدث ذلك فإنه ينبغي على السلطات في دمشق أن تكون فاعلة باتجاهه، وبشكل حقيقي، وليس عبر عمليات تعيين على أساس الولاء السياسي الضيق.
لم يرتق عمل وخطاب القوى المسيطرة في طول البلاد وعرضها حتى اللحظة إلى المستوى الوطني الجامع المطلوب، وما تزال كل منها تنظر للخارج أكثر مما تنظر للداخل، وتعوّل على توازنات الخارج وقواه، أكثر مما تعوّل على قوة السوريين وقوة اجتماعهم، كسوريين، وليس كطوائف أو أديان أو قوميات أو عشائر...
التدخلات الخارجية في ظل سيطرة عقلية النظر إلى الخارج، ستزداد فقط، وستصبح أكثر تدميراً وكارثية. وأما الادعاء بحماية هذه الفئة، أو تلك من الشعب السوري «ضد» الفئات الأخرى، فهو الوصفة الأمثل لإدماء كل السوريين على الإطلاق، ولتسخير الدم المهدور لا لحقن ما تبقى من دم، بل لتعميق الأحقاد والثّارات وإسالة المزيد والمزيد من الدماء.
الطريق السوري هو باتجاه واحد، اتجاه مؤتمر وطني عام، يتم عقده في أسرع وقت، ويأخذ وقته في النقاش المعلن أمام كل السوريين حول مستقبلهم، بما في ذلك التوافق على الصيغة المناسبة للعلاقة بين المركزية واللامركزية، وينتج حكومة وحدة وطنية جامعة، ودستوراً دائماً وانتخابات حرة ونزيهة. وكل من يتخلف عن هذا الطريق أو يُعيقه سيتحمل المسؤولية أمام السوريين عن فعله...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1238